الرباط- المغرب اليوم
تنتقد الباحثة المغربية فاطمة بوهراكة من يدعون أنهم موثقون، فيهرعون إلى الإنترنت للنسخ واللصق. «هذا ليس توثيقاً!، فـ«الدقة شرط البحث»، تقول في هذا الحوار معها. أصدرت «ثلاثية التوثيق الشعري النسائي المعاصر»، بغرض رد الاعتبار للمبدعات العربيات ومسح الغبار عن منجزهن»، وهي ثلاثة كتب تهتم بالشعر النسائي العربي الراهن. وأصدرت كذلك كتاب «100 شاعرة من العالم العربي - قصائد تنثر الحب والسلام»، وكان القصد منه «التعريف بالشاعرة العربية عبر ترجمة منجزها وانتشاره عالمياً»، فـ«المطلوب وصول الأسماء المضيئة إلى بقاع الأرض».
وأرادت فاطمة بوهراكة «إعلاء صوت يناهض العنف»، فكان إصدار «الموسوعة الكبرى للشعراء العرب»، التي عملت عليها من العام 2007 إلى 2016 لتخرج على شكل مجلد ضخم. وتشمل الموسوعة شعراء وشاعرات من العالم العربي من مختلف العرقيات والإيديولوجيات، وهي «ثلاثية اعتبرها أيقونة توثيقية لم يسبقني إليها أحد»، كما تقول.
بعد «100 شاعرة من العالم العربي - قصائد تنثر الحب والسلام»، خطرت فكرة الاهتمام بالتوثيق الشعري النسائي عبر موسوعة ضخمة ضمت 1011 شاعرة من المغرب إلى البحرين. وكان اهتمامها ينصب على رائدات وشابات يكتبن القصيدة العمودية وقصيدتي النثر والتفعيلة، «فجاء الكتاب شاملاً للقلم النسائي بين سنوات 1950 و2020. خلال السبعين سنة الماضية، استطعت أن أوثق لـ1011 شاعرة».
ارتأت أن تختم اهتمامها بالشعر النسائي بعد هذا المجلد: «الشعر النسائي يعاني نقصاناً شديداً لجهتي المصادر والمراجع». لم؟ تفسر: «بسبب اهتمام الإعلام والمجتمع والباحثين الرجال بالقلم الرجولي، على حساب المرأة المبدعة التي همشت جراء الظرف الاجتماعي والثقافي والفكري. لم نجد لها صوتاً إلا نادراً. لا بد من مناخ مساهم يجعل هذه المبدعة تظهر».
وتكتمل العملية مع كتاب «الرائدات في طباعة أول ديوان شعري نسائي عربي فصيح». تقول عن هذا الكتاب:
«استطعت توثيق كل صوت شعري نسائي تمكن من طبع أول ديوان شعري في بلده. العدد: 20 شاعرة من المغرب إلى البحرين ثم إيران، على اعتبار أن شاعرة إيرانية استطاعت طبع أول كتاب عربي شعري بالفصحى عام 2010، هي ماجدة صاحب مهدي».
ومن هي الرائدة العربية الأولى في هذا المضمار؟ تجيب: «الشاعرة اللبنانية وردة اليازجي؛ طبعت ديوانها الأول عام 1867».
وتبدي الباحثة المغربية استغرابها من أن «الرائدات لا يعرفن بعضهن البعض». وتضرب مثالاً على ذلك: «عندما كنت أتواصل مع شاعرة رائدة وأطرح عليها سؤالاً: هل تعرفين أول شاعرة طبعت ديواناً في المغرب مثلاً؟ تجيب، «لا! لا أعرفها... المرأة المبدعة ظلت منطوية على ذاتها. هذا مؤسف».
- يرتطم التوثيق البيبليوغرافي أحياناً بشح المصادر أو صعوبة الوصول إلى المعلومة، وباحتمال وجود لغط يمس بالصدقية.
* كيف واجهت ذلك؟
- الأمر ليس كما يظن البعض أنه عملية نسخ ولصق من الإنترنت. الإنترنت مجال للعبث. بإمكان من هب ودب كتابة ما يشاء واختراع ما يشاء. التوثيق يحتاج إلى الدقة ويشترط التواصل. هذا ما أقوم به مع أكثر من 90 في المائة مع الشعراء. العملية صعبة وتتطلب تركيزاً. هذا يفسر قلة الكتب والمراجع ذات الصدقية».
تخوض فاطمة بوهراكة هذا المجال منذ العام 2007، بكتابها الأول: «الموسوعة الكبرى للشعراء العرب»، الذي طبع بداية على شكل 5 أجزاء، ثم صححتها وشذبتها لتظهر بحلتها النهائية، موسوعة ضخمة وزنها 3 كيلوغرامات ونصف كيلوغرام. تقول: «من هنا كانت الانطلاقة الحقيقية في ميدان كلما بحثت فيه، وجدتني أتشبث به وأقدم التضحيات. أؤمن بقيمة التوثيق وبقائه تاريخياً برغم الإجحاف اللاحق بهذا النوع من العمل في المشهد الثقافي العربي». تتأسف مرة أخرى.
وبلغ رصيدها إلى اليوم ثمانية كتب. واهتمامها كبير بالمرأة وأدبها «لا يعني القطيعة مع الاتجاه الشعري الإنساني ككل. أريد الإضاءة على المبدعة المغيبة. آن لها أن يعرف بها كما هو الأمر بالنسبة للرجل».
ماذا عن المشهد الثقافي عموماً؟ تقول» «ماذا عساني أن أقول عن أمة (أقرأ) التي لا تقرأ؟». لا من تخصيص ميزانية كبرى لوزارة الثقافة لدعم الكفاءات. في بعض دول العالم العربي، آخر ما يهم النخب السياسية هو الكتاب. مئات العناوين الساطعة لا تخدم بالضرورة المجتمع ولا تجعل الجيل الناشئ مهتماً بالقراءة. تتحقق الأفكار إن وجدت الإرادة. ليس فقط من أصحاب القرار، بل أيضاً من الشعب».
وكانت الباحثة قد أطلقت مبادرة «تبرع بكتاب تحمي الألباب»، التي لاقت إقبالاً جيدا، إذا جمعت 5000 عنوان «رهن إشارة المهتمين والمثقفين».
وتعود لتتحدث عن أهمية التوثيق، وجهودها في تصويب المعلومة وتصحيح اللغط. فـ«التوثيق العربي الرصين يحتاج إلى دعم مالي واهتمام إعلامي ليصل إلى فئات المجتمع». وتشير إلى اكتشافها مجموعة من «السير المزورة وكتب تطبع الأكاذيب». وتتساءل مستنكرة: «كيف لا يكلف باحث نفسه الوصول إلى المصدر الصحيح؟ كيف يكتفي بنسخ ما يرد في الإنترنت أو كتب أخرى؟».
قد يهمك ايضًا: