الجزائر ـ سميرة عوام
باتت الحمّامات الشعبيّة في الجزائر مكانًا للصفقات النسائية المشبوهة، وعمليات الإجهاض، وانتهاك الخصوصيّة عبر التصوير، في غياب الأجهزة الرقابيّة المسؤولة، حيث اقتصر الدور الحكومي فيها على متابعة النظافة الصحيّة، وتحصيل الضرائب.
وكانت الحمامات تعدُّ إرثًا لسكان الجزائر، توارثوه عن أجدادهم، وتجتمع فيه الأصالة وحكايات زمان، لاسيما في الأحياء الشعبية من المدن الكبرى، على غرار العاصمة، وعنابة، ووهران.
وتشدُّ الزخرفة الإسلاميّة، التي تطبع جدران الحمامات المفتوحة على الاستثمار السياحي والتجاري، الزائرين من كل حدب وصوب.
وتتوافد النسوة على الحمامات الشعبية، نهاية كل أسبوع، بغية التخفيف من توترهنَّ، وقلقهن، ورتابة الأيام، إلا أنَّ أخريات يعتبرنَّ الحمام بمثابة صفقة مربحة لهن، لاسيما الخاطبات، والعوانس.
وكشفت مصادر مطّلعة، في حديث إلى "المغرب اليوم"، عن أنَّ "الحمام الشعبي أصبح مفتوحًا للصفقات المشبوهة، والإجهاض، حيث تحاول بعض الفتيات تطهير أرحامهن من الخطايا وغسل العار"، موضحّة أنَّ "العملية تتمُّ في سرية تامة، بين المدلكة والضحية، بعيدًا عن أعين مالكي الحمامات"، مشيرة إلى أنَّ "المدلكة تتلقى نظير تلك الخدمة مبلغًا من المال".
وأشارت المصادر إلى أنّه "حسب ما تتداوله النسوة في كواليس الحمامات، فإن غالبية ضحايا الإجهاض فتيات تتراوح أعمارهنَّ ما بين 17 إلى 24 عامًا، ينحدرنَّ من المحافظات المجاورة، لاسيما من سوق أهراس، وتبسة، وحتى من عنابة، حيث لا يجدنَّ بديلاً عن الحمام، في ضوء ارتفاع تكاليف العيادات المشبوهة، حيث تعجز الفتاة المخطئة عن التكفل بعملية الإجهاض، بعد أن يتركها عشيقها تائهة في هذه الحياة، وعليه تتم الصفقة في الحمام، بتراض بين الطرفين، إذ أنَّ ما تتلقاه المدلكة يفوق أضعاف ما تحصّله خلال شهر، من راتبها الحقيقي، بعد دفع ما يفوق 25 ألف دينار".
وأوضحت حنان، البالغة من العمر 20 عامًا، وهي واحدة من ضحايا العلاقات غير الشرعية، أنها "وجدت نفسها مضطرة للذهاب إلى أحد الحمّامات الشعبية، بعد اكتشافها الحامل في شهرها الثاني، إذ كانت على علاقة مع جارها، الذي تركها ورحل إلى وجهة مجهولة"، مشيرة إلى أنَّ "صديقتها اقترحت عليها التّوجه إلى المدلكات، بغية التخلص من عارها، وتمَّ تحديد الموعد، بعد سداد 18 ألف دينار"، ومبيّنة أنَّ "المدلكة باشرت في تدليكها إلى أن تمَّ إسقاط الجنين"، لافتة إلى أنَّها "شعرت بغثيان وإعياء، وتعرضت لنزيف عادي، وبعدها مباشرة تابعت العلاج لدى طبيبة نساء".
ولجأت جميلة إلى الحمام الشعبي، بعد أن أخفت عن زوجها وعائلتها تعرضها للاغتصاب من طرف منحرف، وحملها منه، إلا أنَّ التدليك أسفر عن نزيف حاد، توجّب معه نقلها إلى المستشفى، وإنقاذ حياتها من الخطر، بعد أن كانت قد سدّدت 27 ألف دينار، مقابل إجهاضها من طرف المدلكة.
وتحرص المدلكات على سريّة مهامهنّ، عبر الابتعاد عن الغرباء، لاسيما أنَّ هناك قصصًا أخرى، تحدث في "بيت السخونة"، لا تستطيع امرأة ليس لها تجربة سابقة أن تكشف الفضيحة.
وفي سياق متّصل، حذّرت مختصة في طب النساء في المستشفى الجامعي ابن رشد في عنابة من "إجراء الإجهاض في الحمّامات، لاسيما لأنها مفتوحة على الأمراض المعدية، بسبب غياب التعقيم"، مشيرة إلى أنَّ "المدلكات يجهلنَّ مراحل إجهاض المرأة الحامل، لاسيما التي تكون قد بلغت مرحلة ما بعد الـ3 أشهر، لأنها تقوم بإجهاض غير مكتمل، و تترك للمرأة بقايا قد تتعفن في رحمها، ما يؤدي إلى إصابتها بالعقم مباشرة، والتهاب جهازها التناسلي بأكمله".
وأوضحت الطبيبة أنَّ "النزيف الحاد، الذي يحدث للحامل في بيت السخونة، قد يدخلها في غيبوبة، ثم الموت"، مشدّدة على "ضرورة تفادي دخول الحمامات خلال الأشهر الأولى من الحمل، بغية الحفاظ على الأجنة، لأنَّ الحرارة المرتفعة في كثير من الأحيان قد تودي بحياة الحامل والجنين".
ويأتي هذا في حين أكّدت بعض المحاميات، والمختصين في القانون، في تصريح إلى "المغرب اليوم"، أنَّ "هناك قضايا عدّة تدخل يوميًا أروقة العدالة، بطلاتها نساء عاريات في الحمام، يتم التقاط صور خليعة لهنَّ، عبر استخدام الهاتف النقال، من طرف بعض مرتادي هذه الأماكن، ليتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، قصد أخذ الثأر، أو الانتقام".
ولفتوا إلى أنَّ "مثل هذه الظواهر تحدث في الجامعات، وحتى في الأحياء الشعبية، التي تكثر فيها الاعتداءات الخطيرة، والدعارة، ومظاهر الانحراف".
وأكّد المحامون أنَّ "إجراءات صارمة اتّخذت من طرف مالكي الحمامات، تنفيذًا لأوامر من الشرطة، تمثلت في فرض نظام داخلي، واشتراط إيداع الهاتف النقال عند دخول الحمام".
وأضافوا، بشأن السرقة، "تكلّف عادة صاحبة الحمام مكافحة مختلف أشكال السلب والسرقة، عبر تعيين امرأة مُسنة، من أهل مالكي الحمام، تراقب التحركات المشبوهة للنساء، وتبلّغ عنها، أو تخصيص خزانات صغيرة، تضع داخلها الزبونة لباسها وذهبها، وتحتفظ بالمفتاح لديها، أو تتركه مع صاحبة الحمام".
واستطاعت المسلسلات التركية أن تترك وقعًا كبيرًا في قلوب روّاد الحمامات الشعبية، حيث يختصر حديث النسوة في هذه المناطق على ماكياج البطلات وألبستهنّ، ما فتح شهية مالكي الحمامات على التجارة بمستحضرات التجميل التركيّة والألبسة.
وأوضح عمي رابح، وهو صاحب إحدى الحمامات، أنّه "يعقد اتفاق عمل مع أحد التجار، الذين يجلبون سلعهم من الترك، ويعيدون بيعها للنسوة، وروّاد الحمام، بأسعار باهظة، تدرُّ عليهم أرباحًا طائلة، يتقاسمها أصحاب الحمامات مع التجار".
وكشف عن أنَّ "التجارة الموازية في هذه المواقع تمتد إلى الذهب، حيث تعدُّ الحمامات قبلة واسعة للدلالات، اللاتي يحدّدنَّ موعدًا مع صاحب الحمام، ويخصص لهنَّ ركنًا، لعرض المشغولات الذهبية".
وأشار إلى أنَّ "بعض الحمامات تخصّص زوايا لبيع العصير، والمياه الباردة، وأركانًا لعرض فساتين الزفاف بأسعار مقبولة".
ولا تزال الحمامات الشعبية تصنع أفراح العائلات الجزائرية، لاعتبارها مكانًا لائقًا لاختيار العروس، سواء من جهة الفتيات الراغبات في الزواج، أو العانسات، أو الماكثات في البيت، حيث يقتنصنَّ حظوظهن، عند لقائهن لنساء يبحثن عن زوجات لأبنائهم، أو جيرانهم، أو حتى لأقربائهم، وهي الفرصة التي تتزين فيها الفتاة، عبر ارتدائها أفضل الألوان، واستظهار منظر اللباقة والرزانة والهدوء.