الرئيسية » تحقيقات وأخبار
صمود "الكتاب"

لندن - المغرب اليوم

في العقد الأول الذي انتشر فيه جهاز التلفزيون في أغلب مناطق العالم وصار قطعة أثاث لا يستغنى عنها في منازل الناس، تنبأ بعض المتخصصين بأن التلفزيون سيكون منافسا قويا للكتاب بسبب سهولة وسرعة الوصول إلى المعلومات فيه، وهي من وجهة نظرهم مجرد قوالب جاهزة سريعة وسطحية للأفكار لا ترقى إلى مستوى الكتب الرصينة وما تحتويه من أفكار مهمة وعميقة وعاجلا أو آجلا سيتحول الأطفال، بفضل التلفزيون، إلى مجموعة كائنات حمقى أميين بعيون محمرة!

تراجعت هذه النظرية بعد مرور عقود طويلة على استخدام التلفزيون، ولم تتراجع مستويات القراءة، عالميا، للحد الذي تنبأ به هؤلاء المتخصصون، بل أن التلفزيون في بعض برامجه أصبح يوفر أساليب جيدة وسهلة للمتلقي لإيصال المعلومة والترويج للأفكار والثقافات المختلفة بل أصبح تقنية تعليمية في المدارس، فصار مرآتنا التي تطل على العالم وتتعرف إلى تضاريس أحداثه وطبائع أناسه، بصورة ربما لا توفرها الكتب بالضرورة أو أنه أصبح وسيلة بديلة في الأقل للأشخاص الذين لا يجيدون القراءة أو من فاقدي البصر وحتى للعاملين وربات البيوت الذين لا يجدون الوقت الكافي للمطالعة.

هذه هي سنة الحياة العصرية، وهذا هو دأب السباق مع الزمن، لكن بعض المتخصصين يعودون اليوم لطرح السؤال ذاته؛ هل ستندثر القراءة بسبب استخدام البدائل مثل الكتب الصوتية وبرامج تحويل النصوص المكتوبة إلى سمعية، إضافة إلى الكتب الإلكترونية؟

هناك أسئلة أكثر عمقا يمكن أن يطرحها المتلقي مثل؛ أن جميع المكتبات والنصوص المعلوماتية، الأطاريح الأكاديمية، وسائل الإعلام وحتى البرامج الترفيهية أصبحت تستخدم هذه الوسيلة التقنية الأوفر حظا والأسرع والأسهل وصولا إلى الناس، فهل يطلب من المتلقي الاستغناء عن كل هذا مع أن الأمر لم يعد خياره؟ وإذا كان من السهولة الاستماع إلى أي نص بواسطة الوسيلة الرقمية، فهل ستصبح القراءة الكلاسيكية بالنهاية غير ضرورية؟ هل هناك سبب آخر للقراءة غير البحث عن الترفيه والمتعة والفائدة؟ وهل يختلف الأمر إذا ما اختلفت الوسائل التي تصل فيها المعلومة إلى أدمغتنا؟

تبدو هذه الأسئلة أكثر تعقيدا مما قد نعتقد، في ما تم تناوله من جوانب مختلفة منذ عقود حتى قبل ظهور وسائل التقنية هذه.

في العام 1977 مثلا، وفي دراسة قديمة تبين بأن طلابا في إحدى الجامعات الأميركية استمعوا إلى قصص قصيرة، كانوا قادرين على تلخيصها تماما مثل زملائهم الذين تسنت لهم قراءتها حيث أكدت الدراسة أن عملية الفهم والاستيعاب تكاد تكون متقاربة في حالة الاستماع والقراءة على حد السواء.

 وأثبتت بعض الدراسات الحديثة أن القراءة ما هي إلا مزيج من التعرف إلى الكلمات مع فهم الاستماع. ومعروف أن فهم الاستماع وفهم القراءة أمران مترابطان للغاية، خاصة لدى القراء البالغين والمهرة ويتضح هذا الأمر أكثر عند قراءة الروايات والكتب ذات المنحى القصصي والتاريخي.

وتورد نانسي فلاناغان وزميلتها د.بولا شوانينفلوغل؛ أستاذتان في جامعة جورجيا الأميركية ومتخصصتان في أبحاث القراءة والتعلم، أهم مزايا الاستماع إلى النص بدلا عن قراءته؛ وهي أنه يمكننا القيام ببعض الأعمال الروتينية مثل قيادة السيارة وممارسة التمارين الرياضية وبالطبع القيام بأعمال التنظيف والطبخ في المنزل وربما يكون هذا هو السبب في تزايد شعبية الكتب المسموعة والمدونات الصوتية.

وفي استطلاع أميركي للرأي، أكد أكثر من 18 بالمائة من الأميركيين أنهم استمعوا لكتاب واحد في الأقل خلال عام واحد بوساطة برامج الكتب الصوتية، فيما أفاد قرابة 50 بالمئة منهم بأنهم استمعوا إلى مدونات وتسجيلات صوتية مختلفة خلال الأعوام القليلة الماضية.

وفي كتابهما المشترك “سيكولوجية القراءة: النظرية والتطبيق”، تشير كل من نانسي وبولا إلى أن النص المسموع والمنطوق من قبل ممثلين أو قرّاء مهرة يتوضح تميزه أكثر في النصوص الشعرية؛ حيث تساعد اللغة المنطوقة القارئ على فهم النص بشكل جيد خاصة إذا كانت طريقة النقل هذه تعتمد على لحن معين وغير تقليدي لنقل معان مجازية وعاطفية، يسهل استيعابها من قبل القارئ العادي.

الأهم من كل هذا، أن النصوص المسموعة هي الخيار الوحيد ربما لذوي الاحتياجات والإعاقات الخاصة، حيث تكون القراءة التقليدية لديهم شبه مستحيلة غير ممكنة أو عسيرة في أفضل الأحوال، حيث أسهمت الكتب المسموعة وبرامج تحويل النصوص المكتوبة إلى منطوقة في تذليل هذه المصاعب، خاصة للأشخاص من ذوي الإعاقات البصرية في الوقت الذي تساعد فيه أشخاصا آخرين يعانون من عسر القراءة وتسهم بشكل كبير في تحسين مهاراتهم في القراءة.

عموما، تعتمد القراءة بصوت مسموع كأسلوب ناجع تم استخدامه في حقول التعليم المختلفة ومع تلاميذ من مختلف الأعمار، لتعريفهم بنصوص وأفكار قد تبدو أكثر تعقيدا إذا ما تصدوا لقراءتها بمفردهم. وفي ما يتعلق بحقل تعلّم اللغات فإن جزءا كبيرا من عملية تعلمها يعتمد في الأساس على اللغة المنطوقة، لحنها وطريقة نطق الحروف ودمجها في الكلام السريع.

وفي النهاية، تبقى أفضلية القراءة على الاستماع في النصوص البحثية والمعلوماتية والعلمية؛ وفي هذه الحالة لا يمكن للمستمع أن يعيد قراءة مقطع معين مثلا لأهمية عملية الإعادة والتركيز والتوثيق، فضلا عن تدوين الملاحظة وتصويب المقاطع المهمة واسترجاع المعلومة.. هذه هي الخاصيات التي تتميز بها طقوس القراءة التقليدية.

وهناك أيضا مدة الاستماع؛ حيث يتحدث فنانو الصوتيات وقارئو النصوص المسموعة عادة بمعدل 150-160 كلمة في الدقيقة وهي السرعة المثالية لمعظم المستمعين، بينما قد يحقق القراء المهرة سرعة 250 كلمة في الدقيقة بواسطة القراءة الكلاسيكية الصامتة. وعلى العكس من ذلك تماما فإن بعض القرّاء وخاصة الباحثين منهم يفضلون التأني في قراءة وفحص المعلومات أثناء تدوين المعلومات وبهذا، فهم لا تروقهم كثيرا طريقة الاستماع للنصوص.

كما أظهرت بعض الدراسات البحثية أن القراءة أكثر فاعلية من الاستماع في عملية التعلم، إذ أن القراء يتذكرون المعلومات من النصوص التجريبية أفضل من أولئك الذين استمعوا إليها.

قد يهمك ايضا :

القراءة... تنمي الذكاء وتصقل شخصية الأطفال

القراءة تجنب الأطفال مخاطر الإصابة الأمراض العقلية

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

أكثر من 600 ألف طالب يُحرَمون من التعليم في…
بنموسى يحث على تشجيع الطلاب على ممارسة رياضة الغولف…
أطفال غزة بلا مدارس مع بدء العام الدراسي الجديد…
وزارة التعليم العالي في المغرب تكشف نسب متدنية للمشاركة…
بنموسى يتفقد تطور برنامج تأهيل المؤسسات التعليمية المتضررة من…

اخر الاخبار

الصحراء المغربية سانت لوسيا تجدد دعمها للوحدة الترابية للمغرب
انتخاب المغرب بالأغلبية لتولي منصب نائب رئيس منظمة الأنتربول…
إنشاء ثاني أكبر محطة لتحلية المياه البحر في مدينة…
ملك المغرب يؤكد أن هناك من يستغل قضية الصحراء…

فن وموسيقى

كندة علوش تعود لموسم دراما رمضان 2025 عقب غياب…
سعد لمجرد يُعرب عن سعادته بتحقيق أغنيته «سقفة» أول…
أحمد السقا يكشف أسراراً من كواليس فيلم "السرب" ويتحدث…
يسرا تُعرب عن سعادتها بتواجدها في مهرجان الجونة وتُؤكد…

أخبار النجوم

شيرين عبد الوهاب تعود إلى الغناء بعد غياب طويل…
حورية فرغلي تكشف موقفاً محرجاً بعد عودتها إلى التمثيل
حنان مطاوع تشوّق جمهورها لمسلسلها الجديد
أحمد السعدني يحلّ أزمة أمينة خليل في رمضان

رياضة

المغربي ياسين بونو بين كبار اللعبة بمتحف أساطير كرة…
وليد الركراكي يخطط لثورة في تشكيلة المنتخب المغربي قبيل…
محمد صلاح يحتفل بصدارة الدوري الإنجليزي ورقمه القياسي ويوجه…
وليد الركراكي يكشف مصير حكيم زياش مع المنتخب المغربي

صحة وتغذية

أدوية علاج لمرض السكري قد تُقلل خطر الإصابة بحصوات…
حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها
عقار شائع للإجهاض قد يساهم في إطالة العمر ويشعل…
تناول الماغنيسيوم مع فيتامين D يُعزّز صحة العظام ووظيفة…

الأخبار الأكثر قراءة

وزير التعليم العالي المغربي يُؤكد أن حوالي 11 ألف…
الجامعات البريطانية تدعو إلى زيادة الأقساط بما يتماشى مع…
سبعة من حملة جائزة نوبل ينضمون لحملة حماية حرية…
تعليق مؤقت للدراسة في ألمانيا بسبب رسائل تهديد مرتبطة…
أكثر من 600 ألف طالب يُحرَمون من التعليم في…