الرباط ـ المغرب اليوم
كانَ يجلسُ في الصّباح مع الحسن الثّاني، يستمعُ إلى خطبهِ ورسائلهِ وبعضِ تهديداتهِ، وفي المساء، يحملُ محفظتهُ السّوداء ويستقلُّ الطّائرة، يتوجّه شرقاً إلى الضّاحية الجزائرية لملاقاةِ الهواري بومدين، هكذا كان.. لا يؤمنُ بحتمية الاصطفافات الإيديولوجية والسّياسية، هو الكاتب الصّحافي جان دانيال، المغرمُ بخالدات "ألبير كامو"، وآخر مُحاوري الملك الحسن الثّاني."صديقُ" المغرب ازدادَ في مدينة البليدة في الجزائر عام 1920، ويعتبرُ أحد أكثر المفكرين تأثيرا على اليسار في فرنسا، وقد اشتهر بقربه من رموز مثل الكاتب والفيلسوف ألبير كامو، وبمعايشته بعض أبرز الأحداث في القرن العشرين. ويمثّل الصّحافي جان دانيال، الذي توفّي الخميس، أحد أشهر الأسماء في عالم الصحافة الفرنسية.
كان "مُقرّبا" من الرئيس الجزائري الهواري بومدين، وصديقاً "حميما" للحسن الثاني، وله شهادة خاصة عن رد فعل بومدين على إعلان المسيرة الخضراء سنة 1975، وهي شهادة لم تكن لتمثّل "مفاجأة" في مسار العلاقات الجزائرية المغربية خلال فترة السّتينيات، إذ كان الصّراع بين الزعيمين على أشدّه بسبب نزاع الصّحراء.استقبلَ الهواري بومدين الصّحافي الفرنسي جان دانيال في قصر الحكومة وسط العاصمة الجزائر.. كان العمّال مشغولين في إعداد "أستوديو" المقابلة، وهو ما لم يكن شائعًا في ذلك الوقت. في البداية، تحدّث بومدين عن المسيرة الخضراء التي أعلنت قبل ساعات قليلة.. لم يخف غضبه.. ظلّ متوجّساً إلى حد كبير حتى ظهرت صور الملك الحسن الثاني وهو يلقي خطاباً على الشاشة.
لمّا أعلن الحسن الثّاني انطلاق المسيرة الخضراء عام 1975 لاسترجاع الأقاليم الجنوبية، كان الصّحافي الفرنسي جان دنيال حاضرا وقتها في مكتب بومدين، وكان الأخير يشاهدُ الخطاب مباشرة على التلفاز. يحكي الصّحافي الفرنسي: "كان جالساً أمام شاشة التّلفزيون ينتظرُ خطاب ملك المغرب..استغربتُ كيف أصيبَ بومدين بهستيريا شديدة قلبت مزاجه وصار لا يتحكم في حركاته وكلامه".فقدَ الرّئيس الجزائري الذي كان يكرهُ المغرب بشدّة أعصابهُ، كما يحكي الصّحافي الفرنسي مؤسّس مجلة "لو نوفيل أوبسرفاتور" ذات النّفس اليساري، "وصار يسبُّ ويشتم الحسن الثاني بكلام ساقطٍ وفاحش كشفَ عن نفسية تطغى عليها غريزة الحقد والكراهية".
"نهض من مقعده وبدأ في المشي بطريقة غريبة"، يقول الصّحافي الفرنسي، مضيفا: "لم ينسَ بومدين هزيمة الجزائر خلال حرب الرمال في أكتوبر 1963.. كان دائماً يستحضر هذه الهزيمة التّاريخية وكان في حاجة إلى انتقامٍ أو رد يحفظ ماء الوجه".بعيداً عن عوالم السّياسة وجحيم "البرتوكولات"، كان الصّحافي الفرنسي جان دنيال عاشقاً للأدب؛ قادَ مجلة "كاليبان" وهي مجلة ثقافية شعبية.. كان يجمع الكتّاب والأدباء في باريس، وقبل كل شيء حصل على دعم الكاتب الشّهير ألبير كامو، الذي وصف جان دانيال في إحدى افتتاحياتهِ بأنه "مؤيد لجبهة التحرير الوطني الجزائرية".
ويصفُ الصّحافي الفرنسي جان دانيال صداقته بصاحب رواية "الغريب" بالوثيقة والقوية، كما يصفُ روايتي "الطاعون" و"السقوط" بأنهما من الكتب الفريدة في تاريخ الرواية الفرنسية. وانضم الرّاحل خلال الحرب العالمية الثانية إلى المقاومة ضد الاحتلال النازي، وناضل بجانب الجنرال لوكليرك في تحرير فرنسا، وعقب انتهاء الحرب درس الفلسفة في جامعة السوربون بباريس؛ وأسس عام 1947 مجلة "كاليبان" بدعم من الكاتب ألبير كامو، الذي حصل بعد ذلك على جائزة نوبل في الأدب.دانيال عام 1954 في العمل لصحيفة "ليكسبريس"، وغطى حرب الجزائر، وأيد التفاوض مع الاستقلاليين من جبهة التحرير الوطني؛ واشترى عام 1964 مجلة "فرانس أوبسرفاتور" التي أصبح اسمها بعد ذلك "لو نوفيل أوبسرفاتور"، وباتت مرجعية لليسار الفرنسي.في يوليوز 1961، أثناء تغطيته النزاع بين الرّئيسين بورقيبة وديغول في تونس، أصيب دانيال بجروح خطيرة في بنزرت. بعد أكثر من عام من الغياب، عاد الكاتب الصّحافي الفرنسي لممارسة مهامه الصّحافية بإجراء مقابلة حوارية مع الرّئيس الأمريكي جون كنيدي، الذي علم بنبأ اغتياله بينما كان يلتقي بالزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو في نونبر من عام 1963.
وقد يهمك أيضا" :