واشنطن ـ عادل سلامة
تبدو الكاتبة النسوية سوزان فالودي هادئة ومهذبة وهو ما لا يتوقعه منها الناس باعتبارها صحفية نسوية شهيرة، ويوما ما أخبر والدها ستيفاني فالودي زوجها بأنها تستجيب بالكلام اللين، وتسردت فالودي القصة في لقاء معها خارج فندق في كامبريدغ في ماساتشوستس،
وأوضحت فالودي أنها توقعت أن يعلم والدها بشأن كتابها الجديد " في الغرفة المظلمة" والذي يرصد مصالحتها البطيئة والمتوترة مع والدها ستيفاني بعد إجرائه عملية لتغيير جنسه، وطلب فالودي من ابنته بعد تحوله جنسيا أن تكتب كتابا عنه، وتابعت فالودي الابنة "اعتقد أنها أرادت أن يتم فهمها"، وعندما سُئلت فالودي عما إذا كان والدها على حق بشأنها حيث تبدو خجولة ومتواضعة لكنها كانت صعبة المراس في الحقيقة وعلى استعداد لكشف أي سر، ضحكت فالودي قائلة "أعتقد أنني سأكون آخر من يعلم".
وأثار كتابها "اشتباك: حرب غير معلنة ضد المرأة الأميركية" ضجة كبيرة عند نشره عام 1991، وفاز بجائزة نقاد الكتاب الوطني، وأصبح الكتاب سحريا حيث وصف ظاهرة كان يصعب التعبير عنها فيما سبق والتي تتعلق برد الفعل العنيف ضد القوات النسائية، ولم توجه فالودي أي لكمات ضد القوى الثقافية والاقتصادية التي تعتبرها أعادت الحركة النسوية إلى أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات،
وتساءلت فالودي مشيرة إلى عدم وجود سياسات إجازة عائلية قوية "إذا كان لدى المرأة كل شئ فلماذا لا تملك المتطلبات الأساسية لتحقيق المساواة في قوة العمل؟" ، وفي العصر الذي تستخدم فيه "بيونسيه" كلمة نسوية لتعريف نفسها فيبدو وكأن الحرب الثقافية فازت ولكن فالودي تصر على أن الحقائق على أرض الواقع تتناقض مع هذه الصورة، وحقق كتابها "اشتباك" نجاحا تجاريا ونقديا ما جعله في قائمة الكتب الأكثر مبيعا، في حين ركز كتابها التالي يعنوان " Stiffed" على حالة الرجل الأميركي الحديث والذي اعتبرته ليس رمز للقوة كما وصفته بعض التصريحات النسوية.
وتساءلت فالودي عن الأسطورة الأميركية للذكورة " إذا كان الرجال هم سادة مصيرهم فماذا يفعلون في الاحساس غير المعلن بأنهم سادة في المنزل والسوق من قبل القوى التي سحبت البساط من تحت أقدامهم"، والتقت فالودي بعدد من الرجال الأميركيين الذين يشعرون بالإحباط والنفور من قبل القوى الاقتصادية والاجتماعية الذين قرروا لوم الآخرين من النساء والحركات النسائية والمهاجرين على مشاكلهم،
ولم تكن فالودي ساذجة ولا لاذعة في تقييم مصيرهم، وعند قراءة كتابها Stiffed تصيبك الدهش مما فيه عن عقول الناخبين الأميركيين حاليا مثل مؤيدي ترامب، وأضافت فالودي " وكأن الثقافة السياسية تستحضر كاره النساء ليصعد ضد أول مرشحة سياسية نسوية، الإحباط الذي عبر عنه هؤلاء الرجال هو نفس الاحباط منذ 10 سنوات ولكن الآن لديهم مرشح رئاسي من نوع إلهي، وأظل أعود إلى الشفقة على الذات والأشخاص الذين لا يعانون بالقدر الذي يتخيلونه، يبدو هذا مكانا خطيرا للبقاء فيه".
ووجدت فالودي نفسها محبطة بسبب النهج الأميركي في السياسة، فالناس يريدون أن يقعوا في حب المرشحين بدلا من معالجة الانتخابات كمواطنين عقلاء، وتخشى فالودي حقا من هذه السياسة الناعمة على القضايا الملحة، مضيفة " إذا كنتوا قادرين على حل بعض من هذه الأعباء الاقتصادية سيمكننا إصلاح مشكلة أنصار ترامب، إذا كان لديهم بعض الفرص، وإذا كان هناك شبكة رعاية اجتماعية فإنها سترفع كل الزوارق"، وتنبع جذور كر فالودي المستقل إلى حد كبير من رؤيتها لنفسها كصحافية أولا قبل أي شئ، وبالتالي فوظيفتها مراقبة الآخرين والتعبير عن مشاعرها الخاصة.
وتقول فالودي " أعتقد أن كوني صحافية ساعدني في التعامل مع والدي"، وأشارت فالودي إلى ما تقصده بالتعامل مع والدها من حيث غيابه عنها لمدة 25 عامًا وليس في قرار تحوله إلى إمرأة، وتابعت فالودي " أشعر بالتناغم مع مناصري المتحولين جنسيا ، إنهم لم يتحولوا فقط من جنس إلى آخر لكنهم تجاوزوا الجنون وسوف أحطم ثنائية الجنس"، ويتتبع كتاب فالودي رحلة والدها عبر العديد من الأسماء من استيفان فريدمان في المجر إلى ستيفين فالودي في مقاطعة وستشستر في نيويورك إلى ستيفاني فالودي من المجر مرة أخرى،
ويعبر كل اسم منهم عن هوية محددة، حيث وقف المراهق ستفين للنازيين لانقاذ والديه من الحي اليهودي في بودابست، بينما كان ستيفن البالغ عبقري في التصوير واستخدام الفوتوشوب حيث يقضي وقته في غرفة مظلمة لعمل صور أكثر جمالا عن اللقطات المأخوذة بواسطة المصورين المحترفين مثل ريتشارد أفيدون، وكان لدى ستيفين زوجة وطفلين حتى انهار الزواج عندما كان فالودي مراهقا.
وتحول ستيفاني جنسيًا عام 2004 وأعلن تحوله لابنته في رسالة إلكترونية جاء فيها " لقد قررت أنني اكتفيت من انتحال صفة رجل عدواني مفتول العضلات وهو ما لست أنا عليه من الداخل"، ووجدت فالودي التباسات أخرى في شعور والدها بذاته مثل فخرها بكونها مجرية وعلاقتها المتناقضة مع اليهودية وارتباط دورها كأب في ضواحي أميركا، وتشير كل هذه التحولات إلى أن ستيفاني كان يمر بأزمة هوية امتدت إلى ما هو أبعد من جنسه،
ويعتبر بعض المراجعين أن فالودي تحاول تشويه سمعة بعض المتحولين جنسيا، وكتبت الناقدة جنيفر سينيور ذلك في كتاب جاء فيه " تحدي بعض من افتراضاتنا الأكثر جوهرية حول تغير الجنس، خاصة أن قرار تغيير الجنس ربما ينطوي أحيانا على أكثر من الأسئلة الخاصة بالهوية الجنسية وحدها".
ويشير كتاب فالودي إلى نقد كتابة بعض النشطاء المتحولين جنسيا، وتابعت فالودي " لفهم والدي حاولت استحضار تجربة التحول الجنسي، لكني لا أحاول فهم الموضوع من وجهة نظر والدي والذي أعتقد أن له شخصية فريدة"، وبينت فالودي أنها تعتقد أن والدها نفسه أدرك أن لديه أزمة هوية واسعة النطاق علما بأنه لم يكن طفل مدلل، وتابعت فالودي " لا يمكنك رؤية هوية واحدة بمعزل عن الهويات الأخرى، وتصبح الهوية اقتراح خطر عندما تستخدم كبديل عن الوعي الذاتي بالاعتراف بالتعقيد النفسي".
وتحدث فالودي عن حادث أورلاندو حيث بدى المهاجم متأثرا بالغضب والإحباط قالة " بالنسبة لشاب يعيش في هذا العالم وما يشهده من وسائل الاعلام الاجتماعية فهناك فكرة أنه يمكنني أن أكون نجما مشهورا إذا ما وضعت اسمي هناك"،
وأوضحت فالودي أنه ليس لها أي حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لكنها مفتونة بهذه الظاهرة، وتناولت فالودي الانقسامات بين الأجيال النسوية في مقال لها عام 2012 في Harper في تاريخ لمسابقة القيادة في المنظمة الوطنية للنساء واتهمت بعض النسويات الشابات بالانشغال بقضايا نسوية بسيطة مثل ارتداء الأحذية عالية الكعب والمكياج وازدراء الكبار.
وأرخت فالودي عام 2013 لحياة ووفاة الكاتب النسوي شولاميث فايرستون أحد مؤسسي حركة نيويورك الراديكالية للمرأة والتي تمثل الموجة الثانية للنسوية الجماعية لمجلة نيويوركر، ورت فالودي العديد من القصص عن الطلاب الذين تدرس لهم في كلية بودوين في برونزويك بولاية مين حيث يمكن للطلاب التحدث عن بيونسيه لكنهم يتعلمون فقط من "شيرلي تشيشولم"،
وافادت فالودي نفسها أنها انضمت إلى النسوية بسبب ما حدث في حياتها الخاصة، حيث كانت والدها ربة منزل محبطة في الضواحي في زواج مضطرب، وعندما انفصل والداها لم يتم الأمر وديا ولكن وقعت أعمال عنف في الطلاق ما بنى حاجزا بين فالودي ووالدها، واستطاعت فالودي التغلب على الحاجز فقط في حدث الكشف عن كتاب "في الغرفة المظلمة"، وأردفت فالودي "والدي تغير، إنها لم تتغير كثيرا لكنه أصبح لينا وكذلك أنا".