القاهرة - المغرب اليوم
شكلت أخطاء المذيعين حلقة متكررة من "الرسائل السلبية" التي يتلقاها الجمهور، حيث عدَّها خبراء إعلام أنها باتت «تزعزع ثقة الجمهور في مهنية رسالة القنوات»؛ ونتيجة لذلك يفقد الجمهور الثقة في إعلامه، ويتجه إلى القنوات الأخرى، أو مواقع التواصل الاجتماعي.
ويرى خبراء الإعلام أن «تنوع الأخطاء التي يقع فيها المذيعون يشكل نمطاً جديداً يختلف عن تلك الأخطاء القديمة المعروفة، والتي كانت تتعلق بعدم الدقة في عرض معلومة ما، أو الانحياز لوجهة نظر بعينها، أو عدم القدرة على إدارة الحوار بين الضيوف بمهنية»، مؤكدين أن «معظم الأخطاء الجديدة تتعلق إما بعدم كفاءة المذيع، وإما بعدم إدراكه لطبيعة مهنته، وتحويل برنامجه إلى منبر للتعبير عن وجهة نظره في قضايا بعينها».
وأخطاء المذيعين مسلسل متكرر، وسبق أن واجهت المذيعة ريهام سعيد عاصفة انتقادات حادة من الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، بسبب سخريتها من النساء اللاتي يعانين من السمنة، في برنامجها «صبايا الخير» الذي كان يذاع على قناة «الحياة». وقالت سعيد في أغسطس (آب) الماضي: «أصحاب الوزن الزائد عبء على أهلهم وعلى الدولة». واضطرت القناة إلى إيقاف البرنامج، بينما أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (جهة حكومية)، قراراً بمنع ظهور ريهام سعيد لمدة عام على كافة وسائل الإعلام، عقب التحقيق معها على خلفية شكوى تقدم بها المجلس القومي للمرأة، اتهمها بالإساءة للنساء.
وعلى الرغم من قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بحفظ الشكوى التي تقدم بها المجلس القومي للمرأة أيضاً ضد الإعلامي تامر أمين، يتهمه فيها بالسخرية من عمل المرأة، على خلفية تهكمه على النائبة رانيا علواني، عضو مجلس النواب (البرلمان)، وسخريته من قيامها بكثير من الأعمال خلال يومها؛ فإن عاصفة الانتقادات التي واجهت أمين دفعته إلى الاعتذار؛ حيث كان قد استضاف علواني في برنامجه «آخر النهار» على فضائية «النهار»، وخلال الحلقة تناول أمين تفاصيل قيام علواني بتقسيم يومها بين دورها نائبةً بالبرلمان، وعملها طبيبةً متخصصة في النساء والتوليد، وأيضاً انشغالها بعضويتها في مجلس إدارة النادي الأهلي، إضافة إلى مهامها باعتبارها أُماً وزوجة في المنزل.
وقال الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن «وعي الجمهور تطور كثيراً خلال السنوات الماضية، بما يسمح له بأن يتمكن تلقائياً من تقييم أداء المذيع وكفاءته، ويقوم بتصنيفه وفقاً لدرجة موضوعيته ومهنيته؛ لكن يعتقد بعض المذيعين أن الجمهور ليس لديه الوعي الكافي لكشفه»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «تنوع الأخطاء يرسم صورة تعطي تصنيفاً مهنياً لمرتكبيها؛ حيث يوجد أخطاء تتعلق بالكفاءة المهنية، كأن يقوم بالقراءة الخاطئة لشاشة التلقين (الأوتوكيو) دون أن يدرك، وأخرى سببها شخصية المذيع، الذي يحول برنامجه إلى وسيلة للتعبير عن وجهة نظره الشخصية في كافة القضايا، أو يقوم بـ(حشر) وجهة نظره خلال نقاش الضيوف كأنه أحدهم. وأكثر الفئات عرضة لارتكاب الأخطاء هو المذيع المُنفعل، الذي تجده دائماً مرتفع الصوت، يتحدث كأنه يتشاجر للدفاع عن وجهة نظر بعينها».
وأشار الدكتور العالم إلى أن «المذيع كان في سنوات سابقة يعد من نجوم المجتمع، ويحظى باحترام وتقدير الجمهور، ومكانة مبهرة لدى الناس، تتجسد في إقبالهم عليه إذا شاهدوه بالشارع؛ هذه الصورة تغيرت تماماً في الوقت الراهن، وساهمت الأخطاء في تغيير هذه الصورة، وللأسف لا توجد آليات لقياس الرأي العام ومدى رضاء الجمهور عن المحتوى الإعلامي ومقدميه».
وكانت الأشهر الأخيرة حافلة بلحظات حرجة عاشها مذيعون مصريون على الهواء مباشرة بأشكال مختلفة، ففي يونيو (حزيران) الماضي، تعرض المُذيع والمعلق الرياضي مدحت شلبي لأحد هذه المواقف التي تعكس جانباً من النمط الذي تشكله أخطاء المذيعين؛ حيث استضاف في برنامجه «مساء الأنوار» الذي يُذاع على قناة «نايل سبورت» شاباً من موريتانيا يعيش في مصر، على خلفية مشاركة منتخب بلاده لكرة القدم للمرة الأولى في بطولة الأمم الأفريقية التي أقيمت في مصر، وفوجئ الشاب بالمذيع يسأله عن سبب إجادته للغة العربية، وأين تعلمها! فرد: «أنا موريتاني وتعلمت اللغة العربية في موريتانيا؛ لأنها اللغة الأصلية للبلاد، ونحن دولة عربية».
أما نهى درويش، المذيعة بقناة «إكسترا نيوز» فقد وقعت في موقف محرج، عندما قرأت بياناً يفند تفاصيل تتعلق بالحالة الصحية للرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، عقب وفاته، واختتمت المذيعة الخبر بجملة «تم الإرسال من جهاز سامسونغ» دون أن تنتبه، وتعرضت درويش لموجة سخرية لاذعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأطلق عليها روادها: «مذيعة سامسونغ».
من جهته، قال الإذاعي المصري حمدي الكنيسي، إن «أحد أهم أسباب تكرار الأخطاء يتعلق بالكفاءة، فلا يوجد في الوقت الراهن أي معايير أو ضوابط لاختيار المذيعين. وأذكر أنني حين تقدمت للعمل بالإذاعة المصرية، كان عدد المتقدمين نحو 8 آلاف، ومررنا بكثير من الاختبارات التحريرية والشفهية، بجانب الاختبارات الفنية المتعلقة بالصوت، وقد قبلت الإذاعة من كل المتقدمين 6 مذيعين فقط؛ حيث خضعنا بعد نجاحنا وتسلمنا العمل لتدريب لمدة عام».
وأضاف الكنيسي لـ«الشرق الأوسط»: «بجانب الكفاءة المهنية الفنية، يجب أن يكون لدى المذيع قدر من الثقافة والمعرفة يؤهله للقيام بدوره.
وقد أدت الأخطاء المتكررة إلى تغير صورة المُذيع لدى الجمهور، من صورة تجسد الاحترام والتقدير إلى إحباط جماهيري وانعدام ثقة. فعندما يفقد الجمهور ثقته في إعلامه يتجه إلى القنوات الأخرى، أو مواقع التواصل الاجتماعي».
ويشير علماء الاجتماع أيضاً إلى أن أخطاء المذيعين ترسل رسائل محددة إلى الجمهور، وبعض الأخطاء، وخصوصاً الفنية، قد تُقابل بالتسامح من جانب المتلقي، بينما أخطاء أخرى يعتبرها المجتمع «غير قابلة للتسامح فيها».
وقال الدكتور سعيد صادق، أستاذ الاجتماع السياسي لـ«الشرق الأوسط»، إن «المجتمع يضع المذيع في مكانة كبيرة، ويعتبره أحد صناع الرأي العام، وأنه من يوجه المجتمع ويؤثر فيه، لذلك قد يتسامح الجمهور مع بعض الأخطاء الفنية أو التي تتعلق بالسهو؛ لكن الأخطاء التي تثير غضب المتلقي لا يتسامح فيها، فكثير من هذه الأخطاء يوصل رسائل سلبية للمشاهد، فالمذيع الذي يسخر من عمل المرأة يُرسخ لدى بعض الفئات قيماً رجعية، ويُثير غضب القطاعات المثقفة التي ترى أن ذلك عودة إلى الوراء، بينما من يرتكب أخطاء تتعلق بكفاءته، مثل قراءة بعض الجمل غير المنطقية أو بشكل خاطئ، يترك لدى المتلقي إحساساً بالإحباط».
ويرى صادق أن «كثيراً من الوقائع التي تطورت إلى إحالة المذيعين للتحقيق، أو إيقاف برامجهم، تمت بسبب تعبئة الرأي العام ضد المذيع أو البرنامج، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وهي آلية رغم عدم استخدامها بقوة وتوسع في مصر؛ فإنها فاعلة جداً، إذ إن الحملات التي يتم إطلاقها ضد برامج لا تلقى الرضا الجماهيري، يتم توجيهها إلى مقاطعة الشركات الراعية التي تبث إعلاناتها خلال عرض البرنامج، وتنجح هذه الحملات في إجبار المعلنين على إلغاء دعمهم، فيتوقف البرنامج».
وقد يهمك أيضاً :