واشنطن - يوسف مكي
أخذت العلاقات الأميركية الإيرانية منعطفًا كبيرًا، الجمعة، بعد أن أصبح الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني، أول زعيمان في كلا البلدين يبدأن حوارًا مباشراً منذ أزمة الرهائن في طهران منذ أكثر من 3 عقود، خلال مكالمة هاتفية رتبت على عجل، تمكن أوباما خلالها من التواصل مع روحاني أثناء توجهه إلى
لمطار لمغادرة نيويورك بعد زوبعة في وسائل الإعلام.
واتفق الجانبان على تسريع المحادثات الرامية إلى نزع فتيل النزاع بشأن البرنامج النووي الإيراني، وأعربا عن تفاؤلهما بشأن تقارب محتمل من شأنه أن يغير وجه الشرق الأوسط.
وأشار أوباما للصحافيين في البيت الأبيض، بعد المكالمة الهاتفية، التي استمرت لمدة 15 دقيقة، أنها تطرقت إلى البرنامج النووي لطهران، موضحًا أن "حل هذه المشكلة، بالطبع، يمكن أيضًا أن تكون بمثابة خطوة كبيرة إلى الأمام في علاقة جديدة بين الولايات المتحدة وجمهورية إيران الإسلامية، كعلاقة تقوم على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل".
تابع "كما أن من شأنها أن تساعد أيضًا في التمهيد لعلاقة أفضل بين إيران والمجتمع الدولي، فضلاً عن دول أخرى في المنطقة".
وجاء في تغريدة على حساب "تويتر" باسم السيد روحاني في وقت لاحق، القول إنه "في ما يخص المسألة النووية، فإننا نرى أنه مع الإرادة السياسية، سيكون هناك طريقة لحل هذه المسألة بسرعة" و أضافت التغريدة أن روحاني نقل لأوباما "نحن لدينا أمل كبير حول ما يمكن أن نراه من الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى في الأسابيع والأشهر المقبلة".
ووفقًا لخبراء إيرانيين، تعتبر المحادثة هي الأولى من نوعها بين رؤساء كلا الدولتين منذ عام 1979، عندما تحدث الرئيس جيمي كارتر في اتصال هاتفي مع الشاه محمد رضا بهلوي قبل فترة وجيزة من مغادرة الشاه للبلاد، وأدت الثورة الإسلامية التي أطاحت بحكومة الشاه إلى الاستيلاء على السفارة الأميركية، حيث بدأت أزمة الرهائن التي امتدت 444 يومًا، وتركت البلدين على خلاف مع بعضهما البعض منذ ذلك الحين. وعلى الرغم أن الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين، على حد سواء، تواصلوا مع طهران في غضون ذلك، إلا أن الاتصالات اقتصرت على الرسائل أو التواصل عبر المسؤولين غير رفيعي المستوى.
ووفقا لمسؤولين أميركيين، جاءت المكالمة بعد أيام من لقاء كان يأمل أوباما في حدوثه مع روحاني على مأدبة غداء في الأمم المتحدة، وكان من المتوقع أن يتصافح الرئيسان، لكن روحاني لم يحضر الغداء، وأشار في وقت لاحق، أنه من السابق لأوانه مقابلة أوباما. ووصف اجتماع، الخميس، بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، أنه كان بنّاءًا، وأدى إلى الاتصال بالبيت الأبيض، الجمعة، لاقتراح إجراء المكالمة الهاتفية.
ونقل مسؤول كبير في إدارة أوباما، أن البيت الأبيض أعرب للإيرانيين عن اهتمام أوباما بعقد اجتماع مع روحاني هذا الأسبوع، ولكنهم فوجئوا باقتراح المكالمة الهاتفية، وأجرى أوباما المكالمة من المكتب البيضاوي حوالي الساعة 02:30، وانضم إليه مساعديه.
وأوضح أن أوباما افتتح المكالمة بتهنئة روحاني على انتخابه في حزيران/يونيو، وأشار إلى تاريخ من عدم الثقة بين البلدين، وأشاد بما سماهها التصريحات البناءة لروحاني خلال إقامته في نيويورك. وتركز الجزء الأكبر من المكالمة على النزاع النووي، وأشار أن أوباما أكد أنه يحترم حق إيران في تطوير الطاقة النووية المدنية، لكنه أصر على بعض التنازلات لمنع تطوير الأسلحة النووية.
ونقل أن أوباما أثار موضوع بعض الأميركيين في إيران، منهم واحد في عداد المفقودين و2 آخرين معتقلين، وفي لحظة من المرح، اعتذر لروحانى عن ازدحام حركة المرور في نيويورك. وأشار إلى أن المكالمة انتهت بشكل مهذب، وتمنى روحانى لأوباما يوماً طيباً باللغة الانكليزية، بينما شكره أوباما مودعاً إياه باللغة الفارسية.
و من خلال التحدث على الهاتف بدلاً من اللقاء الشخصي، تجنب روحاني إشكالية سياسية يمكن أن يسببها ظهوره في صورة مع أوباما، الأمر الذي يمكن يثير المتشددين في إيران الذين كانوا بالفعل قلقون من تواصله مع الولايات المتحدة.
ولم تذكر القنوات الإخبارية الحكومية، و"شبكة أخبار جمهورية إيران الإسلامية"، بخصوص المكالمة الهاتفية مع أوباما إلا بعد منتصف ليلة الجمعة، بعد أن بدأ الحديث يدور عنها، حتى التغريدة الأصلية على حساب روحاني، حذفت وجرى استبدالها بأخرى أكثر هدوئًا، وأعلن مكتب روحاني عن المكالمة، في بيان، نقلته وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية.
وأوضح المستشار السياسي للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، أمير محبيان أن "هذا الاتصال كان بديلاً لتصافح الأيدي، ولكن من الواضح أن هذا يمكن أن يؤدي في المستقبل إلى عقد اجتماع وجهًا لوجه بين الزعيمين".
وأشار عالم إيراني في جامعة ستانفورد عباس ميلاني، إلى أن "روحاني يريد تجنب الظهور كما لو كان يقدم تنازلات، لقد قررت الولايات المتحدة والغرب، بحكمة السماح للنظام الإيراني تحقيق الفوز الذي يريده بالداخل، طالما أنه المسار يسير كما يريدون بالخارج، وألمح "أن إجراء محادثة هاتفية مع زعيم وهو على الطريق قد لا تكون بروتوكولاً تقليديًا"، وأضاف ولكن "في هذه الحالة كان حلاً سياسًا بارعًا لكلا الجانبين".
وأبدى الأميركيون من دعاة توثيق العلاقات بين البلدين تفاؤلهم، وأوضح رئيس صندوق "بلاوشيرز"(جماعة مراقبة الأسلحة)، وأحد الذين حضروا حفل العشاء مع روحاني في نيويورك، أن "المكالمة الهاتفية لم تكن تاريخية فقط" وتابع "لقد ساعدت في إحداث تغيير جذري في مسار العلاقات الإيرانية الأميركية، نحن الآن على مسار مختلف جدًا عما كنا عليه حتى في بداية الأسبوع".
وأعرب البعض الآخر عن حذره ، بحجة أن إيران تمد يدها فقط بسبب العقوبات التي خنقت اقتصادها، وأشار العضو البارز في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، والتي تدعم فرض عقوبات أكثر صرامة ضد إيران إلى "أن الآلام الاقتصادية الآن، كافية لإجبار إيران على إجراء المكالمة الهاتفية، ولكن ليس على لقاء وجهًا لوجه"، مضيفًا "سوف نرى ما إذا كان الألم كاف بالنسبة للإيرانيين لإجبارهم على إغلاق مصنع الماء الثقيل في أراك وعرقلة المسار الإيراني الرامي إلى تسريع الخطى في عملية تخصيب اليورانيوم".
وانتقد زعيم الأغلبية الجمهورية والنائب عن ولاية فرجينيا، أريك كانتور، أوباما لعدم ممارسته الضغط على إيران لوقف ما وصفه بدعم الإرهاب والحكومة السورية، وأوضح "أنه أمر مؤسف لاسيما أن الرئيس أوباما اعترف بحق الشعب الإيراني في امتلاك الطاقة النووية، لكنه تجاهل حقهم في الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان".
ويشار أن أوباما، خلال إعلانه عن المكالمة مع روحاني، أكد أن "اتخاذ إجراءات هادفة وشفافة وقابلة للتحقق فيما يخص البرنامج النووي، هو فقط ما يمكنه إعفاء إيران من العقوبات"، ونوه أن "الوصول إلى اتفاق ذي معنى سيكون صعبًا، عند هذه النقطة، لدى كلا الجانبين مخاوف كبيرة ينبغي التغلب عليها، لكن أعتقد أن لدينا مسؤولية لمواصلة جهودنا الدبلوماسية، ولدينا فرصة فريدة لإحراز تقدم مع القيادة الجديدة في طهران". وأدراكًا منه لحساسية جهود التواصل مع إيران، غازل أوباما طمأنة إسرائيل بأنه لن يعرض أمن حلفاءه للخطر مؤكدًا "طوال هذه العملية سنبقى على اتصال وثيق مع أصدقائنا وحلفائنا في المنطقة، بما فيهم إسرائيل".
وأكد روحاني، قبل مغادرة نيويورك، أن حكومته ستقدم خطة في غضون 3 أسابيع بشأن كيفية حل الأزمة النووية، وأشار بقوله "أتوقع أن هذه الرحلة سوف تكون الخطوة الأولى وبداية علاقات بناءة مع دول العالم". وذهب إلى أنه يأمل في أن تعزز الزيارة العلاقات "بين دولتين عظيمتين، هما إيران والولايات المتحدة"، مضيفًا أن الرحلة تجاوزت توقعاته.
وشن روحاني ومساعديه حملة نشطة للغاية، لإثبات أنهم شركاء معتدلين وتسري سياساته على النقيض تمامًا مع سياسات سلفه محمود أحمدي نجاد. ويشار أن روحاني لم يقترح أي شيء ملموس يشير إلى مدى اختلاف نهجه حقًا، وستصبح أول فرصة لإثبات ذلك، خلال 15 و16 تشرين الأول/أكتوبر، عندما تقدم إيران خريطة الطريق الخاصة بها في جنيف.
وأكد روحاني أن حكومته لديها السلطة والإرادة للتوصل إلى تسوية نووية في غضون ما أسماه "فترة قصيرة من الزمن"، ويشار إلى أنه غضب بشكل واضح عندما سٌئل عما إذا كانت مجهوداته الدبلوماسية، هدفها فقط كسب الوقت مع الغرب، وعقب قائلاً "نحن لم نختر أبداً الخداع كمسار، كما لم نختر أبداً السرية".