الرباط -المغرب اليوم
تجعل العزلة والتباعد الاجتماعي، والتغيرات الشديدة بسبب تفشي فيروس “كورونا”، الحياة اليومية صعبة الآن، لذا يجب الاستعداد لوباء جديد قد يكون أشد وطأة من “كورونا”، وهو وباء الاكتئاب واسع النطاق.ما سبق خلاصة آراء تتصاعد حاليا بين أوساط خبراء اجتماعيين ومهتمين بالصحة النفسية، على وجه الخصوص، وهم يقولون إنهم يقصدون تماما كلمة “وباء اكتئاب”، ويحذرون من أن تداعيات الأخير لن تكون أقل من “كورونا” على العالم.
ويقول المحلل النفسي “جوناثان كانتر”: ندرس نحن علماء علم النفس في مركز علوم الاتصال الاجتماعي بجامعة واشنطن العلاقات البشرية، وكيفية تحسينها، وكيفية مساعدة الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، مع التركيز على الأساليب التي تستند إلى دليل علمي.ويضيف، في مقال نشره موقع “ناشيونال إنترست”، مؤخرا: لا نريد أن نكون من المبشرين بالأخبار السيئة، لكن هذه الأزمة والاستجابة لها ستكون لها عواقب نفسية، ويحتاج الأفراد والأسر والمجتمعات إلى بذل قصارى جهدهم للتحضير لتفشي وباء الاكتئاب، ويحتاج صانعو السياسات إلى التفكير في استجابة واسعة النطاق لهذه الأزمة القادمة.
ويعرف معظمنا المكونات العاطفية للإكتئاب، وهي الحزن والتهيج والفراغ والإرهاق، ونظرا لظروف معينة، تستحوذ هذه الأعراض على الجسم، وتقوض الدافع وتؤثر على النوم والشهية والاهتمام، ويبدد الاكتئاب قدرتنا على حل المشكلات وتحديد وتحقيق الأهداف والقيام بالوظائف بشكل فعال.وتؤثر الجينات على احتمالات الوقوع في أسر الاكتئاب، ولكن بالنسبة للبعض، قد يكون الأمر مدفوعا بالضغوط في البيئة المحيطة.
توزيع غير عادل للألم
وتشير الضغوط الهائلة الناجمة عن أزمة “كورونا” إلى أن نسبة كبيرة من الناس قد يصابون بالاكتئاب، ومن المحتمل أن يتوزع هذا الألم بشكل غير عادل.ومما قد يفاقم هذه الضغوط الخسائر الشخصية الكبيرة وردود الفعل الحزينة تجاه ذلك، ويضيف المسار المستمر وغير المتوقع لهذه الضغوط طبقة إضافية من المخاطر.ومع تكشف هذه الأزمة، سيرتفع عدد الضحايا، وبالنسبة للبعض، خاصة أولئك الموجودين على الخطوط الأمامية، ستؤدي التجارب الحادة من الحزن والصدمة والإرهاق إلى تفاقم الضغط وتعريضهم لخطر أكبر.
وتضيف العزلة الاجتماعية المطولة، وهي استراتيجيتنا الأساسية للحد من انتشار الفيروس، طبقة أخرى من المخاطر، ولا تعد أجسادنا مصممة للتعامل مع الحرمان الاجتماعي لفترة طويلة.وتشير الدراسات السابقة إلى أن الأشخاص الذين تم إجبارهم على “الاحتماء في مكانهم” يعانون من المزيد من الاكتئاب، ويصبح أولئك الذين يعيشون بمفردهم، ويفتقرون إلى الفرص الاجتماعية، معرضون لخطر أكبر، فالوحدة تولد الاكتئاب.وقد تواجه العائلات، التي تجد نفسها مضطرة للعيش في أوقات غير عادية معا في أماكن ضيقة، مزيدا من الصراع، ما يزيد أيضا من المخاطر.
مؤشر من الصين
وشهدت الصين زيادة في معدلات الطلاق بعد بدء فترة الحجر الصحي لمواجهة تفشي الفيروس، وينبئ الطلاق بوجود حالات اكتئاب، خاصة بالنسبة للنساء، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى زيادة الصعوبات الاقتصادية بمرور الوقت.وتعد أكبر الضغوط بالنسبة للكثيرين هي الضغوط المالية، وسوف تكون البطالة والخسائر الاقتصادية شديدة.وتشير الأبحاث التي تم إجراؤها على فترات الركود السابقة إلى أن ارتفاع معدلات البطالة وانعدام الأمن المالي يؤدي إلى زيادة معدلات الاكتئاب والانتحار.وأسفرت فترة الركود عام 2008 عن زيادة خطر الاكتئاب بنسبة 62% بين أولئك الذين تم الحكم عليهم بالحبس في منازلهم.
ويتم توزيع عبء آثار الركود الاقتصادي على الصحة النفسية بشكل غير عادل، وعندما انهار سوق الأوراق المالية في عام 2008، عانى الأغنياء من خسائر كبيرة في الثروة، لكن لم تزد بينهم معدلات الاكتئاب.وفي المقابل، يكون أولئك الذين يعانون من البطالة والديون والحرمان المالي خلال فترات الركود معرضين بشكل كبير لخطر الاكتئاب بسبب زيادة الضغط وظروف الحياة الصعبة، وقد تكون الشركات الخاصة الصغيرة معرضة بشكل خاص لهذه الضغوط.
وبينما تزيد أزمة “كورونا” من خطر الإصابة بالاكتئاب، فإن الاكتئاب سيجعل التعافي من الأزمة أصعب عبر مجموعة من الديناميكيات.ونظرا لتأثير الاكتئاب على الدوافع وحل المشكلات، فعندما يتعافى الاقتصاد، فإن أولئك الذين يعانون من الاكتئاب سيجدون صعوبة في الانخراط في السعي وراء أهداف جديدة والعثور على عمل.وعندما تنتهي فترة العزلة الاجتماعية الإلزامية، سيجد أولئك الذين يعانون من الاكتئاب صعوبة أكبر في إعادة الانخراط في نشاط اجتماعي هادف وممارسة الرياضة.
تدهور المناعة
ثمة نقطة أخرى يلفت إليها “جين أولينجر”، أخصائي المناعة في المعهد العلمي الأمريكي MRIGlobal، وهي أنه عندما يتراجع خطر الإصابة بالفيروس التاجي، سيواجه المصابون بالاكتئاب خللا مناعيا متزايدا، ما يزيد من احتمالية إصابتهم بعدوى أخرى.ويرى “أولينجر” أن الاكتئاب يزيد أعراض الأمراض المزمنة، وسوف يؤدي التوزيع غير العادل لعبء الأزمة إلى تفاقم الفجوة الطبقية في حق الحصول على رعاية صحية، بما في ذلك التفاوت في إمكانية الحصول على علاج للإكتئاب.
ووفقا لدراسة منشورة حديثا في مجلة “إنسايت” عناك عدة توصيات من خبراء للتغلب على هذه الأزمة المقبلة، وهي:أهمية تفعيل تدابير الإغاثة الاقتصادية من الحكومات، وهي تعد عاملا حاسما في مواجهة الركود الاقتصادي والاكتئاب النفسي.تدين حملات للصحة العامة لزيادة الوعي بالاكتئاب وخيارات العلاج.إدخال تحسينات على سياسات الإجازة المرضية المرتبطة بالصحة العقلية، وتقليل عوائق التأمين التي تحول دون الوصول إلى العلاج.إعطاء الأولوية لخيارات علاجية محددة، وتوجد خيارات علاج سهلة التدريب وقابلة للتطبيق عبر معظم الثقافات وأثبتت فعاليتها.تدريب جيش من الممارسين وإدماجهم في المجتمع ومراكز العلاج.
وقد يهمك ايضا:
مُؤسّس "سامو" الإسبانية يؤكّد أن المغرب مثال جيد في مجال السياسة الوقائية