الخرطوم - المغرب اليوم
كشف دبلوماسيون إنه قبل ساعات من الانقلاب الذي شهده السودان وسيطر فيه الجيش على البلاد وحل الحكومة، حذر مبعوث أميركي كبير أرفع قادة الجيش السوداني من أي خطوات ضد الإدارة المدنية التي تشرف على عملية الانتقال الديموقراطي. فقد توجه جيفري فيلتمان، مبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن الخاص لمنطقة القرن الإفريقي إلى الخرطوم قبل يومين فحسب من الانقلاب الذي وقع يوم الاثنين في وقت تزايدت المخاوف من اصطدام الانتقال الديموقراطي بعقبات بسبب التوتر المتزايد بين قيادات الجيش والمدنيين. وبدلا من الالتفات للتحذير كان ما نفذه الجيش هو العكس تماما إذ طبق خطة للسيطرة على السلطة قال ديبلوماسيون ومصادر رسمية سودانية إن رسمها حدث على مدار الأسابيع السابقة.
أدى الانقلاب إلى توقف مفاجئ لعملية الانتقال السياسي التي بدأت بعد انتفاضة شعبية أسفرت عن إطاحة الرئيس السابق عمر البشير في 2019 وكان من المقرر أن تفضي إلى انتخابات في أواخر 2023. وبعد سفر فيلتمان، احتجز جنود بالزي العسكري أعضاء مجلس الوزراء المدني في مداهمات قبل الفجر، وذلك قبل أن يعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان حل الحكومة. وقال دبلوماسيون واثنان من مساعدي رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إن الجيش كان يأمل حتى اللحظة الأخيرة إقناع حمدوك بعزل أعضاء مجلس الوزراء كي يمكنه تشديد قبضته على عملية الانتقال من دون استخدام القوة وفي الوقت نفسه الإبقاء عليه في منصبه. ورفض حمدوك التعاون مع الجيش. وعكس قرار تجاهل التحذيرات الأميركية والمضي قدما في ما وصفه ديبلوماسي ومصادر سودانية مطلعة بالخطة البديلة من دون مشاركة حمدوك المخاطر التي يراها الجيش. ويقول محللون إن الجيش رأى مخاطر متنامية من استمرار الحكم المدني.
وكانت الولايات المتحدة ألقت بثقلها الديبلوماسي والمالي وراء عملية الانتقال الديموقراطي.
وقال ديبلوماسي تم اطلاعه على ما دار في اجتماع فيلتمان الأخير مع البرهان إن فيلتمان مارس "ضغطا كبيرا على البرهان كي لا ينفذ أي تحرك يستهدف مجلس الوزراء والعمل على التهدئة". غير أن الدبلوماسي قال إن البرهان تعرض أيضا لضغوط للتشدد مع المدنيين من فصائل في الجيش ومن نائبه في المجلس السيادي الذي يتولى توجيه الانتقال السياسي ومن قائد قوات الدعم السريع الذي يتمتع بنفوذ كبير. وقال الديبلوماسي: "خلال الاجتماع قرروا تنفيذ الخطة البديلة. وكانت هذه الفرصة الأخيرة لإقناع حمدوك بالمشاركة". ولم يرد الجيش السوداني على مكالمات لطلب التعليق. كما لم ترد وزارة الخارجية الأميركية على الفور على استفسارات من رويترز عن لقاءات فيلتمان في الخرطوم.
وقال نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية، للصحافيين يوم الاثنين، إن فيلتمان لم يتلق أي معلومات مبكرة عن تدخل الجيش. وأضاف: "لم يكن ذلك شيئا أبلغنا أحد به مسبقا. ومن شأننا أن نوضح غاية الوضوح التداعيات الشديدة لأي خطوة من هذا النوع". وقبل الانقلاب قالت وزارة الخارجية إن فيلتمان حث السلطات على الموافقة على موعد لنقل رئاسة المجلس السيادي من البرهان إلى شخصية مدنية والبدء في إجراء إصلاحات للقطاع الأمني. لعب الجيش دورا أساسيا في شغل مقاعد السلطة في السودان منذ الاستقلال عام 1956 ونفذ عدة انقلابات قضت على تجارب عابرة كانت السيطرة فيها للمدنيين.
فقد وصل البشير إلى السلطة في انقلاب عام 1989 وحكم السودان على مدار ثلاثة عقود أصبح السودان خلالها دولة معزولة على المستوى الدولي. واستضاف البشير أسامة بن لادن في التسعينيات وخاض حروبا على أقاليم مضطربة وُجهت له بسببها في لاهاي اتهامات بارتكاب إبادة جماعية. وبعد صراع طويل، سمح البشير للشطر الجنوبي من البلاد بالاستقلال في 2011. غير أن السلام لم يؤد إلى الرخاء. وتراجعت الإيرادات النفطية وانخفض بشدة نصيب الفرد من الناتج الاقتصادي وبحلول العام 2019 خرج مئات الآلاف معظمهم من الشبان إلى الشوارع للمطالبة برحيله. غير أن الجيش كان هو صاحب قرار عزله في نهاية الأمر. وبمقتضى صفقة اقتسام السلطة التي أعقبت ذلك كان من المقرر أن يسلم الجيش قيادة المرحلة الانتقالية لفصائل مدنية في الشهور المقبلة.
غير أن التوتر ساد الشراكة بين الجانبين على نحو متزايد بفعل مطالب بوضع الجيش تحت الإشراف المدني وتحقيق العدالة لمن سقطوا من المحتجين قتلى خلال الانتفاضة وكذلك لموافقة الحكومة على تسليم البشير وآخرين إلى المحكمة الجنائية الدولية. وجاءت زيارة فيلتمان في أعقاب التصعيد على مدار أسابيع وعلامات على تزايد الخلافات سواء بين المدنيين والعسكريين أو في صفوف الجيش نفسه. وعطلت احتجاجات نظمتها جماعة قبلية الواردات الضرورية في ميناء بورسودان المرفأ البحري الرئيسي في البلاد. وبلغت الأمور ذروتها بعد 21 أيلول عندما قالت السلطات إنها أحبطت مؤامرة انقلابية عزتها إلى فصائل عسكرية متمردة وموالين للبشير. وفي يوم 16 تشرين الأول بدأت جماعات متمردة وأحزاب منحازة للجيش اعتصاما في الخرطوم لمطالبة الجيش بحل الحكومة. وردا على ذلك نظم معارضون لسيطرة الجيش على السلطة مظاهرات ضخمة في 21 أكتوبر تشرين الأول.
وقال فولكر بيرتيس، مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالسودان، إنه اجتمع مع أحد قادة الجيش من أعضاء المجلس السيادي مساء يوم الأحد وإنهما ناقشا إمكانية إجراء حوار تديره الأمم المتحدة. وقال بيرتيس للصحافيين: "أشار أيضا إلى أن الجيش قد يتحرك بالطبع... وحذرت أنا بشدة من ذلك الأمر". وقال آدم حريكة، مدير مكتب حمدوك، إن رئيس الوزراء اجتمع مع البرهان في مقر قيادة الجيش في الساعة الثامنة من مساء يوم الأحد أي قبل ساعات من وضعه قيد الإقامة الجبرية. وأضاف حريكة أن حمدوك رفض حل الحكومة دون عملية سياسية. وقال "كانوا يصرون على تغيير الحكومة وعلى اتباع الحكومة لأوامرهم". وقال البرهان للصحافيين يوم الثلثاء إنه بحث مع فيلتمان الانقسامات السياسية التي تهدد أمن البلاد وإنه عرض على حمدوك عدة خيارات لحل الأزمة.
ردت الولايات المتحدة على الانقلاب بالإدانة وبقرار لتجميد صرف 700 مليون دولار مساعدات اقتصادية للسودان. كانت الولايات المتحدة ألقت بثقلها وراء الانتقال السياسي، فرفعت اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وقدمت دعما ديبلوماسيا ساعد في تخفيف أعباء ديون بمليارات الدولارات. ورغم اهتزاز العلاقات الأميركية، لا يزال بإمكان البرهان أن يعول على مساندة دول عربية حليفة للولايات المتحدة أقام معها علاقات وثيقة. ومن هذه الدول السعودية والإمارات ومصر، التي أسعدها سقوط البشير إذ كانت تعارض ميله للحكم الإسلامي. وربما يتطلع الجيش لإقامة علاقات أوثق مع روسيا، إذ يقول ديبلوماسيون ومحللون إن الفريق أول محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، أرسى علاقات بموسكو. وقال مصدران سودانيان رسميان إن العسكريين سعوا قبل الانقلاب إلى الحصول على ضوء أخضر من موسكو، وحصلوا عليه، وذلك في محاولة لحماية أنفسهم من أي عقوبات قد يفرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وكان الكرملين رد على الانقلاب بمطالبة جميع الأطراف بإبداء ضبط النفس ودعوة السودانيين لحل الموقف بأنفسهم بأسرع ما يمكن ودون فقدان أي أرواح. لكنه لم يندد بالانقلاب. ولم ترد وزارة الخارجية الروسية على طلب للتعليق على سياستها في ما يتعلق بالسودان. ويبدو بالفعل أن روسيا تحمي القيادات العسكرية السودانية في بيان من المحتمل صدوره عن مجلس الأمن. فقد قال دبلوماسيان مطلعان على المفاوضات الخاصة بنص البيان إن روسيا اقترحت على مجلس الأمن إبداء قلقه إزاء التطورات في السودان بدلا من إدانة الانقلاب. ولا تزال المفاوضات مستمرة حول صياغة البيان الذي يجب التوصل إليه بالتوافق. وقال جوناس هورنر من مجموعة الأزمات الدولية إن الدول الغربية التي أيدت الانتقال السياسي ستحتاج لإعادة تقييم سبل الضغط على السودان. وأضاف: "أعتقد أن هذا على الأرجح عقاب لحلفاء السودان الغربيين. فقد نحى الجيش جانبا ما كان مسلطا فوق رؤوسه في النهاية".
قد يهمك أيضاً :
البرهان يؤكد أن السودان لا يريد حربا مع إثيوبيا أو أي دولة مجاورة
المبعوث الأممي للسودان يلتقي البرهان وحمدوك ومجلس الأمن يفشل في التوافق بشأن الأحداث