طرابلس ـ المغرب اليوم
اعتُقلت مجموعة مسلحة في مايو/ أيار الماضي، تابعة لحكومة «الوفاق الوطني»، برئاسة فائز السراج، روسيين ونجل وزير سابق في عهد القذافي بالعاصمة الليبية طرابلس، وهم يتجولون بمحيط ميدان الشهداء، ويستوقفون المارة لاستطلاع آرائهم عن الأوضاع الجارية في البلاد، ومدى رضاهم عن الحكومة الحالية، وتحركات الميليشيات المسلحة.
وقد طرحت هذه القضية، التي شغلت الرأي العام في ليبيا، مجموعة من الأسئلة حينها حول طبيعة عمل هذا الفريق، وفحوى الاستطلاعات التي كان يجريها، وهل له علاقة بإحدى الشخصيات الروسية المقربة من الرئيس بوتين، والمعروف باسم «طباخ الرئيس»؟
وبحسب مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، فقد كان فريق روسي فرغ من لقاء سيف الإسلام، النجل الثاني للرئيس الراحل معمر القذافي، في إحدى مدن قمم الجبل الغربي، وتوجه عدد منه نحو طرابلس. لكن انتهى بهم المطاف في قبضة عناصر أمنية، كانت تتعقبهم وتعرف مكان إقامتهم، وهم مكسيم أناتوليفيتش شوغالي، عالم اجتماع، وسامر حسن علي سويفان، وهو طبيب ومترجم، بالإضافة إلى نجل وزير ليبي سابق. وفي الوقت ذاته، كان فريق روسي آخر يجوب المدن الليبية لاستكمال مهمة، قِيل إنها «بحثية تستهدف جمع معلومات سياسية واجتماعية».
هذه التطورات جاءت بعد أن قالت وكالة «بلومبرغ» الأميركية في 5 يوليو (تموز) الحالي، إنها حصلت على وثيقة صادرة عن مكتب النائب العام الليبي في طرابلس، تتحدث عن اعتقال قوات أمن ليبية شخصين يحملان الجنسية الروسية، لاتهامهما بمحاولة التأثير على الانتخابات المقبلة في البلاد، وعن فرار روسي ثالث قبل مداهمة مسكنه، مبرزة أن الوثيقة أشارت إلى أن الروسيين «تورطا» في محاولة الترتيب لعقد اجتماع مع سيف القذافي، وهي المعلومات التي أقر بها مقربون من سيف لـ«الشرق الأوسط»، وقالوا بخصوص لقائه بالفريق الروسي: «إنها ليست جريمة. فـ(الدكتور) وإن كان غائباً عن العيون، فإن اسمه مطروح بقوة للمنافسة على الانتخابات الرئاسية حال إجرائها». في حين قال مصدر مطلع على مجريات التحقيقات، التي يجريها مكتب النائب العام الليبي، مع شوغالي وسويفان ونجل الوزير السابق، إن «الاتهامات التي توجه إليهم تتمحور حول التجسس، والقيام بمهام استخباراتية، تتمثل في جمع معلومات مهمة عن توجهات الرأي العام».
وكشفت الوثيقة الموجهة لحكومة «الوفاق»، المعترف بها دولياً، والمؤرخة في 3 يوليو (تموز) الحالي، أن شوغالي يعمل مستشاراً سياسياً لدى مؤسسة، يوجد مقرها في موسكو للدفاع عن القيم الوطنية، وأن رئيس هذه المؤسسة أدار حتى وقت قريب موقعاً إخبارياً إلكترونياً، قالت الولايات المتحدة إنه مرتبط برجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين، الملقب بـ«طباخ الرئيس» بوتين، وهو واحد من وكلاء روسيا، ومتهم من قبل الولايات المتحدة بتمويل وتنظيم عمليات تدخّل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. وبالتالي فإن عملية القبض على الفريق الروسي زادت من طرح الأسئلة عن مدى اختراق ليبيا من قبل استخبارات دول أجنبية تستغل الفراغ الأمني، والاقتتال الدائر بالضواحي الجنوبية للعاصمة. وفور اعتقال الروسيين والمواطن الليبي، سارع نعمان بن عثمان، رئيس مؤسسة «كويليام الدولية للأبحاث»، للقول إن «الأجهزة الأمنية في طرابلس تمكنت من القبض على شبكة للتجسس، يقودها 3 عناصر روسية؛ أحدهم عربي روسي، وتحفظت على 50 ألف وثيقة أثناء المداهمات لمواقع عدة كانت تقيم بها». لكن بن عثمان عاد ليؤكد على «تويتر» أنه «تم القبض على روسيين، ونجل وزير ليبي من النظام السابق»، دون الإفصاح عن اسمه. غير أن مصدراً مقرباً من سيف القذافي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الشخص الموقوف مع الروسيين هو نجل الدكتور علي التريكي، وزير الخارجية الأسبق في النظام السابق».
وأوجدت روسيا لنفسها قدماً في ليبيا، عقب إسقاط النظام السابق، ومدت مبكراً خطوط التواصل مع سيف القذافي، إذ سبق أن اعترف ليف دينغوف، رئيس مجموعة الاتصال الروسية لتسوية الأزمة الليبية، بوجود اتصالات بين بلاده وسيف، ورأى أن شخصية سيف «لديها اعتبارات ووزن سياسي في بلاده، ولذلك سيكون ضمن الأطراف المشاركة في العملية السياسية الليبية».
وألقت عملية القبض على الفريق الروسي بظلالها على المقربين من نجل الرئيس الراحل، إذ عبر عبد المنعم محمد، مؤسس «حراك مانديلا ليبيا»، الداعم لترشح سيف الإسلام للانتخابات، عن استغرابه من اعتقال الروسيين، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المجموعة، وغيرها دخلت ليبيا بطريقة شرعية، وبدأت في ترتيب العمل للتأكد من القاعدة الشعبية للدكتور سيف»، كاشفاً أن الحراك «ورغم القبضة الأمنية للميليشيات، فإنه قدم للفريق الروسي استطلاعات للرأي من شرق وغرب وجنوب البلاد، خصوصاً مدينتي طرابلس وبنغازي، تشير إلى تجاوب المواطنين في كل المناطق مع فكرة ترشح سيف للانتخابات». واعتبر أن التهم الموجهة للروسيين «مضحكة للغاية»، وأرجع ذلك إلى صدمة ما سماها «حكومة الميليشيات الإخوانية من الطريقة التي يعمل بها سيف الإسلام، دون التنسيق معها أو الرجوع إليها»، وقال بهذا الخصوص: «هذه حكومة تحارب الجميع، وتحكم من أجل بقائها في أمان». وكان مكتب الادعاء العام قد أوضح أنه تم ضبط أجهزة حواسيب نقالة وشرائح ذاكرة «تثبت أن الروسيين يعملان مع مجموعة، تخصصت في التأثير على الانتخابات، المقرر عقدها في كثير من الدول الأفريقية»، ومن بينها ليبيا.
ما قاله رئيس «حراك مانديلا ليبيا» يتوافق مع ما ذهب إليه ألكسندر مالكيفيتش، مدير مؤسسة «حماية القيم الوطنية الروسية» غير الربحية، التي ينتمي إليها الفريق الروسي، الموقوف في طرابلس: «الموظفون المعتقلون في ليبيا موجودون على أراضي هذا البلد بالتنسيق التام مع السلطات الليبية، ولم يشاركوا إلا في البحوث الاجتماعية، ولم يتدخلوا أبداً في العمليات الانتخابية».
وأقر مالكيفيتش في بيان أصدره بأن الفريق البحثي يضم ماكسيم أناتوليفيتش شوغالي، وسامر حسن علي سويفان، وألكسندر الكسندروفيتش بروكوفييف، الذي وصفه بأنه هو الآخر عالم اجتماع، والذي فر من مسكنه قبل القبض عليه.
ودافع مالكيفيتش عن فريقه، بالقول: «لقد أجروا سلسلة من الدراسات الاجتماعية، من بينها مقابلات واستطلاعات رأي المواطنين»، مبرزاً أن «موقع المؤسسة يحتوي على المعلومات الأساسية التي حصلوا عليها»، بما ينفي من وجهة نظره أي اتهام لهم بالتدخل في الانتخابات المقبلة، أو القيام بأعمال قد تضر ليبيا، وزاد مؤكداً: «هذا غير وارد بتاتاً، وهو هراء كامل».
ميهوب أبو علي، أحد المقربين من سيف القذافي، وهذا ليس اسمه الحقيقي، استهجن توقيف الفريق الروسي، والتهم الموجهة إليه، وقال متسائلاً: «موضوع الادعاء بالتشويش على الانتخابات... أين هي هذه الانتخابات حتى نشوش عليها؟ نحن ندعم إجراءها بأسرع وقت لإنقاذ البلاد، وترك فرصة للشعب كي يختار حكومته».
وأضاف أبو علي: «لقاء الفريق الروسي بالدكتور سيف الإسلام ليس جريمة، أو مخالفاً لأي قانون. فقد أطلق سراحه وهو يعيش حياة طبيعية».
ومنذ أن أطلقت سراحه «كتيبة أبو بكر الصديق» بمدينة الزنتان (غرب) في 11 يونيو (حزيران) 2017، لم يشاهد سيف الإسلام في مكان عام. لكن هناك من يؤكد أنه لا يزال داخل مدينة الزنتان. ومطلع العام الماضي، زار وفد من فريق العمل السياسي لسيف القذافي موسكو لتسليم رسالة إلى وزارة الخارجية الروسية، تتعلق بوجهة نظره لحل الأزمة في بلاده.
ويبدو أن الربط بين المجموعة الموقوفة من النيابة الليبية، ورجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين وثيقاً، ذلك أن التسريبات المتداولة من مكتب النائب العام الليبي تشير إلى ذلك، فضلاً أن شوغالي أحد الموقوفين الروس، سبق له أن لعب دوراً مشابهاً في دول أفريقية عدة، من بينها مدغشقر بدعم من بريغوجين. وقد أظهرت تقارير دولية، على سبيل المثال، حجم التدخل الروسي في انتخابات مدغشقر مطلع عام 2018، عندما حاول شوغالي البحث عن شخص موالٍ لبلاده كي يترشح للانتخابات الرئاسية، وهو ما كشفت عنه بعض الشخصيات المرشحة، التي عملت مع الروس في حديثها مع شبكة «بي بي سي». وقد فرضت الولايات المتحدة في مارس (آذار) 2018 عقوبات على 19 روسياً، تتهمهم بالتدخل في الانتخابات الأميركية عام 2016، وبشن هجمات إلكترونية مزعومة. وطالت العقوبات أيضاً بريغوجين، بالإضافة إلى 12 من موظفي وكالة أبحاث إنترنت تتخذ من سان بطرسبرغ مقراً لها.
واستكمالاً لذلك، قال مؤسس «حراك مانديلا ليبيا» إن الفريق الروسي، الذي كان يستطلع آراء المواطنين في ليبيا حول سيف القذافي، «كان عدده كبيراً، لكن الشرطة أوقفت اثنين منهم في طرابلس»، ورأى أن تهمة التجسس «ملفقة للضغط على روسيا، أو كنوع من الاستفزاز»، وتوقع أن يغادرا ليبيا قريباً إذا تدخلت بلدهما لدى سلطات طرابلس.
وكان من المقرر إجراء انتخابات نيابية ورئاسية في ليبيا العام الحالي، حسب خريطة طريق برعاية الأمم المتحدة. لكن العملية العسكرية التي يشنها «الجيش الوطني» على طرابلس، حالت دون ذلك.
قد يهمك أيضا :
"الرئاسي الليبي" يربط وقف إطلاق النار بانسحاب الجيش من طرابلس
رئيس حكومة الوفاق الليبية يدعو دونالد ترامب إلى وقف الدعم الأجنبي للعملية العسكرية