غزة ـ كمال اليازجي
أغارات طائرات إسرائيلية، السبت، على مواقع لحركة «حماس» في قطاع غزة، رداً على إطلاق صاروخين من القطاع في اتجاه بئر السبع، في تصعيد يزعزع تهدئة هشة تم التوصل إليها بين إسرائيل وحركة «الجهاد الإسلامي».
وجاء التصعيد الجديد في غزة في وقت قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في تغريدة على {تويتر} أمس: {تستخدم إيران وكيلها الإرهابي، الجهاد الإسلامي الفلسطيني، لضرب حليفتنا إسرائيل. إيران لا تريد السلام في المنطقة. لا تريد للشعب الفلسطيني أن يزدهر. تريد مزيداً من الصراع. إلى أن نعالج التهديدات الإيرانية ستظل دوامة العنف مستمرة}. وزاد: {الطريق إلى الأمام واضحة: مواصلة الضغط على إيران كي تتفاوض على اتفاق شامل يتضمن وقف دعمها لجماعات إرهابية كحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية}.
ميدانياً، أطلق مسلحون تقول إسرائيل إنهم من «حماس» التي لم تشارك في جولة القتال الأخيرة التي اقتصرت على «الجهاد»، صاروخين على بئر السبع، في خطوة يعتقد مسؤولون إسرائيليون أنها تهدف إلى التشويش على إقامة مباريات دولية في إسرائيل وأيضاً من أجل «ترميم» صورة الحركة كونها لم تتدخل عندما كانت إسرائيل تقصف مواقع «الجهاد». وردت إسرائيل على الصاروخين باستهداف مواقع لـ«حماس».
ودوّت صفارات الإنذار بعد منتصف الليل في مدينة بئر السبع، أكبر مدن الجنوب والتي تبعد نحو 35 كيلومتراً عن حدود غزة، قبل أن يعترض نظام القبة الحديدية الصاروخين اللذين أُطلقا من القطاع. وسارع الطيران الإسرائيلي إلى شن عدد من الضربات على مواقع لـ«حماس» بدون تسجيل وقوع أي إصابات. واستهداف «حماس» أثار الدهشة كون إسرائيل سعت إلى تحييدها عن المواجهة الأخيرة، ما أثار احتقاناً فلسطينياً داخلياً.
لكن الجيش الإسرائيلي حمّل «حماس» مسؤولية إطلاق الصواريخ هذه المرة. وقال الجيش إن لديه تقديرات بأن «حماس» أطلقت الصواريخ بهدف تعطيل مباراة دولية بين منتخبي إسرائيل وبولندا كان يُعتقد أنها ستقام على ملعب تيرنر في مدينة بئر السبع، قبل أن يتضح أنها ستقام على ملعب «تيدي» في القدس، ومن أجل التأثير أيضاً على منتخب الأرجنتين بهدف إلغاء مباراة مقررة في إسرائيل غداً مع الأوروغواي.
وقال موقع «واللا» العبري إن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن «حماس» تخطط لخلق «تأثير كبير لا يقود إلى حرب أو سقوط قتلى» وأن هدف إطلاق الصاروخين هو «الدفع باتجاه عدم إجراء المباراة بين منتخبي الأوروغواي والأرجنتين» يوم الاثنين.
كما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أخرى أن التقديرات تشير أيضاً إلى أن عناصر «مارقة»، أو متمردة، من «حماس» تقف وراء إطلاق الصواريخ وأن قيادة الحركة فوجئت ولم يكن لديها أي علم مسبق بما حصل. ونشرت وسائل إعلام إسرائيلية أيضاً أن «حماس» أطلقت الصاروخين لمواجهة الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها الحركة في الشارع الفلسطيني نتيجة عدم انخراطها في المواجهة مع إسرائيل خلال جولة التصعيد الأخيرة ضد «الجهاد الإسلامي».
واندلعت أعنف اشتباكات شهدتها المنطقة منذ فترة طويلة يوم الثلاثاء عندما قتلت إسرائيل بهاء أبو العطا القيادي في حركة «الجهاد». ودكت مئات الصواريخ التي أُطلقت من القطاع مناطق في إسرائيل التي ردت بغارات أوقعت 34 قتيلاً فلسطينياً. ولم تتدخل «حماس» خلال تلك المواجهات، وهو ما أدى إلى توتر بين مناصريها ومناصري «الجهاد»، الفصيل الثاني في قطاع غزة. وحاولت الحركتان نفي وجود توتر بينهما وتسليط الضوء على الأجواء الإيجابية بين قيادتي الحركتين الإسلاميتين.
واتصل رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، بالأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي»، زياد النخالة، لتقديم التعازي له ولأفراد حركته، مؤكداً أن «دماء الشهداء ستظل وقوداً لصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته وستبقى لعنة تطارد المحتلين». وشدد هنية على عمق العلاقة بين الحركتين و«التي جذّرتها ميادين المقاومة والتضحيات من الشهداء والأسرى والمبعدين»، واعتبر أن هذه العلاقة هي «اعتصام بحبل الله المتين وعروة وثقى لا انفصام لها».
واتفق هنية والنخاله على «تعزيز التعاون والتنسيق والتشاور بين الحركتين وبقية القوى والفصائل في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة والتي تتداخل فيها الكثير من العوامل والمعطيات بما يستوجب التوحد في الرؤية والميدان». وشدد رئيس حركة «حماس» على أن حركته ستظل «الحاضنة والرافعة والداعمة» لكل فصائل المقاومة الفلسطينية وفي كل الظروف.
وبعد الاتصال وصف القيادي في «الجهاد الإسلامي» المسؤول بدائرة العلاقات الوطنية أحمد المدلل ما حدث بين «الجهاد» وحركة «حماس» بغمامة صيف، مؤكداً أن العلاقة ستعود إلى طبيعتها عبر اللقاءات والحوارات المستمرة.
وقال المدلل: «غمامة صيفٍ تنجلي وبسرعة وتمحوها اللقاءاتُ والحوارات المستمرة... لن يستطيع أحدٌ أن يمس العلاقة التي تجمعُ بين إخوة الدم والسلاح والهدف الواحد». وتابع: «عتبُ الأخ على أخيه أمرٌ وارد وطبيعي. ولا يعني أن العلاقة بينهما قد تُمَسُ أو تَضْعُف... واهمٌ كل من يعتقد ذلك، وخاصة عندما يجمعنا رابط العقيدة والمنهج والهدف الواحد». وأضاف: «قد تختلف الاجتهادات وهذا طبيعي، لكن لن تنحرف البوصلة».
وجاءت محاولة «حماس» و«الجهاد» تجاوز الأزمة الأخيرة في ظل احتقان كبير لدى عناصر «الجهاد الإسلامي» الذين عادة ما وقفوا إلى جانب «حماس» في مواجهاتها مع إسرائيل لكنهم لم يتلقوا أي دعم منها في المواجهة الأخيرة، بحسب ما يقول بعضهم. وظهر غضب «الجهاد» عندما طرد أقارب بهاء أبو العطا، القيادي في «الجهاد الإسلامي» والذي اغتالته إسرائيل فجر الثلاثاء، محمود الزهار القيادي البارز في «حماس» من خيمة العزاء حيث وجهت اتهامات له وللحركة بالخيانة وبيع الدم، كما تم الاعتداء أيضاً على مرافقي القيادي «الحمساوي».
وأثارت هذه الحادثة عاصفة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي وأظهرت غضباً كبيراً لدى مناصرين للفصيلين. لكن لاحقاً، زار وفد من قيادة «الجهاد الإسلامي» منزل محمود الزهار للاعتذار منه على ما جرى في خيمة العزاء. كذلك أصدرت عائلة أبو العطا بياناً تعتذر فيه من الزهار. و«حماس» هي الحركة الأكبر والأقوى في قطاع غزة.