لندن ـ كاتيا حداد
تعد الدماغ البشرية شيئا فريدا يتميز به الإنسان، فليس هناك حيوان أخر يمتلك دماغا كبيرة نسبة إلى حجم جسمه، وقيل أن الزيادة في استهلاك اللحوم يمكن أن تسبب زيادة في الحجم، ولكن العلماء الآن يعتقدون أن هناك طعاما أخر له الفضل في ذلك وهو البطاطا، حيث يشير الباحثون إلى أن استهلاك الكربوهيدرات ولاسيما في شكل النشا، كان من العوامل الحاسمة لتطور غير عادى في الدماغ على مدار المليون عام الماضية.
ويعتقد العلماء أن النشويات كانت متاحة بسهولة للبشر القدامى في شكل البطاطا والبذور وبعض الفواكه والمكسرات، وأوضحت دراسة جديدة تجمع بين المعطيات الآثارية والأنثروبولوجية والوراثية والفيسيولوجية والتشريحية أن الكربوهيدرات عامل رئيسيا في تطور الدماغ البشرى.
وحتى الآن، هناك تركيز شديد على دور البروتين الحيواني والطهي في تطور الدماغ البشري على مدار المليوني عام الأخيرة، مع الإشارة إلى أهمية الأغذية النباتية الغنية بالنشا، والتي تم تجاهلها إلى حد كبير، وتقول الدكتورة كارين هاردي وفريقها من جامعة "برشلونة"، أن هناك خمسة أسباب حاسمة بشأن قدرة النظام الغذائي الغني بالنشا على التنمية البشرية.
ويستخدم الدماغ البشرى ما يصل إلى 25% من ميزانية الجسم اليومية من الطاقة، كما يستهلك 60 % من نسبة السكر في الدم، وفي حين أن تخليق الجلوكوز من مصادر أخرى أمر ممكن إلا أنه ليس بفعال، ولذلك فيصعب تلبية احتياجات الجسم الكبيرة من الجلوكوز في ظل الاعتماد على نظام غذائي منخفض الكربوهيدرات، ويمكن إشباع الحاجة إلى الكربوهيدرات جزئيا عن طريق تطوير الطبخ، وفى حين تهضم النشويات الخام بشكل فقير وسيء لدى البشر، فعند طهيها تفقد قيمتها البلورية، وهذا بدوره يجعل استيعاب المواد الغذائية أكثر سهولة.
وكانت القدرة على استخدام النار للطهي من المغذيات المطلقة، وقد مكنت أجدادنا من استخدام نظام غذائي أوسع يشتمل على الجذور النشوية الصعبة، وكذلك يضيف الحمل والرضاعة مطالب إضافية على احتياجات الجسم من الجلوكوز، حيث يعرض انخفاض مستوى السكر في الدم الأم والطفل إلى الخطر، فهناك مستوى معين من الكربوهيدرات ضروري من أجل البقاء، فضلا عن إتاحة الكربوهيدرات النشوية بسهولة للبشر القدامى في شكل درنات وبذور وفواكه ومكسرات.
ويشير العلماء إلى أن البشر يمتلكون ست جينات أمليزية لعابية ،في حين أن حيوانات رئيسية أخرى لديها فقط اثنان، ما يزيد القدرة على هضم النشا، ولكن مازال التاريخ المحدد لظهور هذه الجينات غير معلوم، بينما تشير التحليلات إلى أنه كان موجودا في نقطة معينة في المليون عام الأخيرة.
وأوضحت الدكتورة هاردي أنه بعد انتشار الطهي على نطاق واسع وتضاعف عدد الجينات اللعابية، زاد توافر الجلوكوز للدماغ والجنين، الأمر الذي أدى إلى زيادة حجم الدماغ، وقد حدث ذلك خلال 800.000 عام مضى، مضيفة "فضلا عن زيادة طاقة الجسم من النشا فهناك مزايا أخرى أيضا للطهي والجينات اللعابية، وتشمل تخفيض وقت المضغ وزيادة حب وهضم الأطعمة النباتية الغنية بمادة "بولي فينول"، مع تحسين وظيفة الإنجاب، حيث تساعد وجود نسبة من السكر والكربوهيدرات في الدم في نمو الجنين بشكل مستديم، مع توفير السعرات الحرارية الإضافية المطلوبة أثناء الرضاعة وكذلك تحسين بقاء الأطفال الرضع.
وأضافت هاردي أن"الاستهلاك المنظم للأغذية النباتية النشوية يقدم تفسيرا منطقيا لتوفير الطاقة للدماغ النامية في العصر الحديث و عصر بليستوسين المبكر، في حين أن تطوير الطبخ بما يصاحبه من زيادة في اللعاب يفسر زيادة حجم الدماغ بداية من منتصف العصر الجليدي فصاعدا، وكان يعتقد أن تناول اللحوم تساعد في تكبير حجم الدماغ، ولكن الآن ثبت أن تناول الأطعمة النشوية مع الجينات اللعابية يجعلنا أكثر ذكاء، ونشرت تلك الدراسة الحديثة في دورية "The Quarterly Review of Biology".