برلين - المغرب اليوم
يبحث علماء ألمان إمكانية توفير العلاج الفيزيائي وإعادة تأهيل المرضى من البيت عبر الإنترنت من خلال معالجة افتراضية بواسطة برنامج خاص طوره العلماء، لكنه بحاجة للمزيد من الاختبارات والتطوير قبل استخدامه على نطاق واسع.
العالِم ميشائيل جون من معهد "فراونهوفر للأبحاث" يقف على بعد ثلاثة أمتار أمام شاشة مسطحة، يُظهر رَسْما متحركا لشخص، ويُمثل هذا الرسم مدربا بلباس رياضة
يبدو وكأنه أخصائي في العلاج الفيزيائي الطبيعي سيبدأ حالا بحركات وعلى جون تقليدها، لكنه يحتاج تقنية خاصة لهذا الغرض، تتمثل في حاسوب عادي وجهاز تلفزيون بشاشة مسطحة وكذلك كاميرا ويب وجهاز استشعار بصري. ويجب ربط الكاميرا وجهاز الاستشعار البصري مع شاشة التلفزيون المسطحة ووصله بالحاسوب. هذا هو كل ما يحتاجه المريض للقيام ببرنامج "التأهيل الشخصي" للعلاج الفيزيائي الطبيعي الذي سيبدأ جون بممارسة وحداته الرياضية اليومية.
يبدأُ أخصائي المعالجة الفيزيائية الافتراضي بتحريك نفسه على الشاشة، أولا يقف على قدميه ويُبعد رجليه قليلا عن بعضهما البعض ويرخي ذراعيه. ميشائيل جون يُكرر ما يفعله الأخصائي ويجلس بعدها على الأرض ويمدد ذراعه اليمنى فوق رأسه. وترافق حركات الأخصائي على شاشة التلفاز تعليقات إضافية بصوت امرأة تُعطي تعليمات للمريض حول كيفية تحركه، وتنبهه للحركات الخاطئة التي يقوم بها.
فعندما مدَّد جون ذراعه اليمنى فوق رأسه وحرك الجزء العلوي من جسده إلى اليسار نبهه صوتُ برنامج "التأهيل الشخصي" إلى أن أداءه للحركات التي قام بها لم يكن صحيحا، وجاءه صوت من التلفاز يقول له: "انتبه إلى ذراعك". السبب في هذه الملاحظة أن ذراعه لم تكن ممددة بشكل صحيح مثل ذراع المعالج الافتراضي على الشاشة.
تلتقط كاميرا ويب المعلقة فوق شاشة التلفاز المسطحة صور حركات المريض ويقوم جهاز الاستشعار البصري بقياسها، فيما يكشف برنامج في الحاسوب عما إذا كانت هذه الحركات صحيحة أم خاطئة. ولا يتم تصحيح هذه الأخطاء شفويا فحسب وإنما أيضا عن طريق خطوط ضوئية تظهر فوق جسم المريض على الشاشة لتُشير إلى الحركات.
الصورة التي يتم التقاطها بواسطة كاميرا ويب تَظهر أيضا في نافذة صغيرة على الشاشة. وتُسلط خطوط ضوئية خضراء على أجزاء الجسم التي تكون حركاتها صحيحة، وعكس ذلك تُعلَّم بخطوط ضوئية حمراء كل الحركات الخاطئة للذراعين والساقين أو اليدين. وبالتالي فإن المريض يتعرف على الحركات الخاطئة من خلال الخطوط الضوئية التي تظهر على جمسه في النافذة الصغيرة على الشاشة لتصحيحها.
العلاج الفيزيائي الطبيعي
"المهمة الرئيسية لأخصائيي العلاج الفيزيائي الطبيعي في المستشفيات والمصحات هي على وجه التحديد تصحيح حركات المريض" كما يقول جون الذي يُطور حاليا مع زملائه نظاما في معهد "فراونهوفر" لأنظمة الاتصالات المفتوحة "فوكوس" ببرلين. ويضيف قائلا "الأخصائيون نبهونا إلى نوع الانحرافات المقبولة ومتى يجب الإبلاغ عن الأخطاء".
بالإضافة إلى ذلك يُعتبر هذا البرنامج نظاما مرافقا للعلاج الفيزيائي الطبيعي أيضا ويمكن للأخصائيين الاعتماد عليه عبر الإنترنيت لمعالجة مرضاهم. فبواسطة هذا النظام لا يمكن فقط الحصول على بيانات حركات المريض، وإنما وضع جدول تمارين جديدة له أيضا. بالإضافة إلى ذلك يُتيح هذا النظام للمستخدمين عن طريق نظام مؤتمرات الفيديو فرصة الاتصال الشخصي بالأخصائيين في المستشفيات والمصحات، وبالتالي الحصول على استفسارات منهم وطرح أسئلة عليهم.
ويقول سيباستيان بيرنيرت الباحث في إعادة التأهيل بمستشفى شاريتي في برلين: "يمكن لبرنامج -التأهيل الشخصي- أن يُكمل خدمات مصحات وعيادات العلاج الفيزيائي الطبيعي". وهذا هو الغرض من هذا البرنامج، ويؤكد بيرنيت أن "الكثير من المرضى بعد إعادة التأهيل ينسون بسرعة التدريبات التي تعلموها" ويضيف "بواسطة برنامج -التأهيل الشخصي- يمكن تجنب ذلك إذا ما استمر المريض في ممارسة هذه التمارين في منزله".
وبالتالي فإن استخدام هذا البرنامج ليس بديلا للعلاج الفيزيائي الطبيعي عند الأخصائيين في المستشفيات والمصحات، وإنما هو فقط نظام متمم مفيد. فبفضل هذا البرنامج التدريبي في المنزل يمكن الاستغناء عن عودة المريض إلى المستشفى أوالمصحة للعلاج الفيزيائي الطبيعي وإنما الاكتفاء بمارسة التمارين في البيت.
في نهاية التدريبات الرياضية اليومية يقوم ميشائيل جون بالجلوس والوقوف في مكانه مثلما يفعل المعالج الفيزيائي الافتراضي على شاشة التلفاز ويحرك ذراعيه فوق رأسه تارة يمينا وأخرى يسارا. وبنفس الطريق يُحرك جون أيضا الجزء العلوي من جسده عدة مرات يسارا ويمينا.
ويتضح من خلال هذه التمارين أن برنامج "التأهيل الشخصي" يمكن أن يكون مهما بالفعل خاصة في أمراض العظام. فهناك تمارين يعتمدها هذا النظام مناسبة للمرضى الذين يعانون من تصلب في الكتف أو لأشخاص خضعوا لعمليات جراحية في الفخذ أو الركبة، ويضيف جون أن "هذا البرنامج يمكن أن يُستعمل كذلك في إعادة تأهيل الأشخاص الذين أصيبوا بجلطات دماغية".
التعامل مع تقنية هذا البرنامج بسيطة للغاية كما أظهرت أول الدراسات التي قام بها الباحثون عند اختبار بعض المرضى لهذا البرنامج. ويقول سيباستيان بيرنيرت "تسعون في المائة من المرضى وجدوا سهولة في استخدام هذا البرنامج"، ويضيف "كذلك المتقدمون في السن والأشخاص الذين ليست لديهم خبرة كافية في التعامل مع الحاسوب لم يلقوا أي صعوبة في التدرب مع هذا البرنامج". ولكن قبل طرح البرنامج في الأسواق واستخدامه بشكل عملي، يجب إجراء المزيد من الدراسات واختبار فوائده الطبية وتوثيقها.