الدار البيضاء ـ سعيد بونوار
تعاني مستشفيات الأمراض العصبية و النفسية في المغرب من إهمال شديد، فبدلا من أن توفر لمرضاها الجو الملائم للشفاء تجد أنها تحولت إلى أماكن رثة مليئة بالقمامة و عدم الاهتمام، حيث يقضي مرضاها ساعات من الحرمان الصحي و هم يتجولون بين أكوام القمامة و استجداء العابرين و ترهيب بعضهم، في حين يقضي موظفو تلك المستشفيات ساعات عملهم بين مكاتبهم الوثيرة و بين الجلوس إلى موائد الغذاء lفي مطاعم فاخرة هذا و لم يكن عبد الرزاق حاميل الحاصل على "ماستر" في العلوم الاقتصادية والأستاذ في معهد خاص يعتقد أن مستشفيات المرضى نفسيًا تشبه السجون، وأن أبوابها موصدة دائمًا، ونوافذها مغلقة بالقضبان، وأن ولوجها يشترط "تصريحا" من مدير المستشفى، فعبد الرزاق الذي قضى سنوات في باريس حمل باقة ورد واتجه إلى مستشفى "تيط مليل" للسؤال عن ابن عمه عمر ورفيقه في الدراسة الذي فقد عقله" على حد قول والدته، وأصيب بمرض عقلي حسب تقرير الطبيب.. هذا و قد فوجئ بالأحجار والقاذورات الفاصلة بين الطريق الرئيسية ومكان إخفاء المستشفى أذبلت الزهور التي حملها معه، وانتابه شعور وهو يرمق الصمت المحيط بالمستشفى أنه في زيارة لمعتقل سري، وكانت الصدمة الكبرى أن صديقه أول من صادفه قبل الوصول إلى الباب، إذ مد يده إليه طالبا سيجارة، وكان المشهد مؤثرًا أدمع عيني عبد الرزاق، وجعله يجلس لساعات يستمع إلى معاناة مرضى مع المجتمع ومع العلاج هذا و يعد عمر واحد من مئات المرضى الذين عجزت مستشفيات المغرب عن احتوائهم، وتركتهم يبحثون عن قوتهم ومأواهم في الشوارع، يعرضون حياتهم وحياة غيرهم للخطر، وهي الحقيقة التي أكدتها نديرة برقيل (رئيسة جمعية البلسم لعائلات وأصدقاء المرضى العقليين)، والتي قالت إن أزيد من 3ملايين مريض نفسي في المغرب لم يسبق لهم أن خضعوا للتشخيص الطبي، وأشارت إلى أن المغرب لا يوفر إلا مستشفى واحد لأزيد من 250 ألف مصاب وطبيب واحد لأكثر من 200 ألف مريض. فبينما تعلن وزارة الصحة معطيات وأرقام، إلا أنها لم تفندها و التي سبق أن نشرت إحصائيات تؤكد فيها أن 26 % من المغاربة يعانون من مرض الاكتئاب، أي ما يقرب من من 10 ملايين مغربي يعانون جراء هذا المرض، إلى جانب 5.6 % يعانون من الأمراض الذهانية، و6.3 % يعانون من مرض آخر يسمى الرهاب الاجتماعي، و6.6 % من المغاربة يعانون من الوسواس القهري، و9 في المائة يعانون من مرض نفسي آخر يطلق عليه الخوف الداخلي العام. وتجد الحكومة صعوبة في تطبيق "الخطة الوطنية للصحة النفسية ومكافحة الإدمان"، وهو ما أكده الدكتور جلال توفيق رئيس مستشفى الرازي، الذي قال "إن المغرب يحتاج إلى مزيد من المتخصصين في الطب النفسي ومحتاج أكثر إلى رعاية المرضى اجتماعيا" و من جانبه علق الدكتور اسماعيل اليموني على الإحصائيات بالإشارة إلى أنها مخيفة، وأنها نتاج سوء فهم وعدم القدرة على مواجهة أعباء الحياة، ونبه إلى أن الكثير من الأسر باتت تفضل العلاج ب"الشعوذة" عن طريق زيارة أضرحة الأولياء.