لندن - المغرب اليوم
تمكَّن فريق من الباحثين من تطوير "هيدروجيل" فريد من نوعه، يجمع بين القوة والمرونة وقدرات الالتئام الذاتي، ما يفتح الباب أمام تطبيقات واعدة في مجالات مثل توصيل الأدوية، والتئام الجروح، وأجهزة الاستشعار في الروبوتات اللينة، والجلد الاصطناعي.
وتُعد الدراسة المنشورة في دورية "نيتشر ماتريالز" Nature Materials خطوة كبيرة نحو محاكاة خصائص الجلد البشري في المواد الاصطناعية.
ويُعتبر الهيدروجيل مواد هلامية ناعمة وقابلة للتمدد، تُستخدم بشكل شائع في الحياة اليومية، من مستحضرات التجميل إلى المكونات الغذائية.
فيما يتميز الجلد البشري بخصائص فريدة يصعب تكرارها، إذ يجمع بين الصلابة والمرونة، بالإضافة إلى قدرته المذهلة على الالتئام الذاتي، غالباً في غضون 24 ساعة بعد الإصابة.
حتى الآن، لم تتمكن المواد الهلامية الاصطناعية من الجمع بين هذه الخصائص، لكن الباحثين نجحوا في تطوير هيدروجيل ذي بنية فريدة، تتغلب على هذه القيود، من خلال إضافة صفائح نانوية رقيقة جداً من الطين إلى الهيدروجيل، مما أدى إلى تكوين بنية عالية التنظيم مع بوليمرات متشابكة بكثافة بين الصفائح النانوية.
ويكمن سر هذه المادة في الترتيب المنظم للصفائح النانوية، بالإضافة إلى التشابك الديناميكي للبوليمرات بينها. ووصف المؤلف الرئيسي للدراسة، تشين ليانج، العملية بأنها "بسيطة مثل الخبز".
واستوحى باحثون طريقة من الطبيعة لمنع التصاق البكتيريا على الأسطح المعدنية أثناء عمليات تصنيع اللحوم عبر محاكاة "جلود القروش" وأجنحة حشرة "السيكادا".
ولصناعة الهيدروجيل ذاتي الالتئام، اتبع الفريق عملية دقيقة ومبتكرة تعتمد على دمج الصفائح النانوية الطينية مع البوليمرات، لإنشاء بنية فريدة تجمع بين القوة والمرونة وقدرات الالتئام الذاتي.
وتبدأ العملية بتحضير خليط من مسحوق المونومرات -جزيئات صغيرة قادرة على الارتباط لتشكيل بوليمرات- مع الماء الذي يحتوي على صفائح نانوية طينية رقيقة بشكل استثنائي، والتي صممت خصيصاً لتعزيز الخصائص الميكانيكية للهيدروجيل.
وبعد تحضير الخليط، يتم تعريضه للأشعة فوق البنفسجية باستخدام مصباح مخصص، وهي عملية مشابهة لتلك المستخدمة في تثبيت طلاء الأظافر الهلامي.
وتؤدي الأشعة فوق البنفسجية إلى تفاعل كيميائي، يربط جزيئات المونومرات معاً، مما يحوّل الخليط السائل إلى مادة هلامية مرنة وصلبة، وخلال هذه العملية، تترتب الصفائح النانوية الطينية بشكل منتظم، مما يخلق بنية عالية التنظيم.
وقال الباحثون إن أحد العناصر الرئيسية في هذه العملية هو التشابك الديناميكي للبوليمرات بين الصفائح النانوية، فعندما تتعرض البوليمرات للأشعة فوق البنفسجية، تبدأ في الالتفاف حول بعضها البعض بشكل عشوائي، مما يخلق شبكة كثيفة ومتشابكة تشبه خيوط الصوف الدقيقة.
ويجعل هذا التشابك العشوائي البوليمرات ديناميكية للغاية على المستوى الجزيئي، مما يسمح لها بالتحرك، وإعادة التشابك عند قطع المادة أو إتلافها.
وبعد الانتهاء من عملية التشابك، يصبح الهيدروجيل الناتج قوياً ومرناً، مع قدرة مذهلة على الالتئام الذاتي، وعند قطع المادة، تبدأ البوليمرات المتشابكة في إعادة الارتباط تلقائياً، مما يؤدي إلى التئام الجروح، أو الشقوق في المادة.
وعلى سبيل المثال، بعد أربع ساعات من القطع، تلتئم المادة بنسبة 80 إلى 90%، وعادة ما تكون قد التحمت بالكامل بعد 24 ساعة.
وتسمح هذه العملية البسيطة نسبياً، بإنشاء هيدروجيل بسُمْك مليمتر واحد يحتوي على ما يصل إلى 10 آلاف طبقة من الصفائح النانوية، مما يمنح المادة صلابة مماثلة لجلد الإنسان ودرجة عالية من المرونة.
ويُمثّل هذا التقدم خطوة كبيرة نحو تطوير مواد جديدة مستوحاة من الطبيعة، مع إمكانيات تطبيقية واسعة في مجالات مثل الطب والروبوتات والتكنولوجيا الحيوية.
وأشار الباحثون إلى أن تلك الدراسة حلَّت معضلة كبيرة، إذ كان ابتكار الهلاميات المائية القوية والصلبة والقادرة على الالتئام الذاتي تحدياً كبيراً، لكن اكتشاف آلية تقوية الهلاميات اللينة تقليدياً، قد يُحدث ثورة في تطوير مواد جديدة مستوحاة من الطبيعة.
كما يأمل الباحثون في استخدام الهيدروجيل الجديد في ابتكار روبوتات ذات جلود قوية، وذاتية الالتئام، أو أنسجة اصطناعية تصلح نفسها تلقائياً.
ورغم أن التطبيقات العملية قد تستغرق بعض الوقت، إلا أن هذه النتائج تُعتبر قفزة نوعية في تصميم المواد، إذ قال الفريق البحثي إن هذا الاكتشاف الأساسي يمكن أن يعيد كتابة قواعد تصميم المواد.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
مستشفى الملك فيصل يجري أول عملية زراعة قلب كاملة بالروبوت على مستوى العالم
شركة Meta تخطط لدمج روبوتات الذكاء الاصطناعي في منصاتها لتعزيز التفاعل