بيروت ــ المغرب اليوم
يبدو أن العنوان غريبًا بعض الشيء، إذ لا توجد علاقة مباشرة بين تناول الأطعمة بشكل عام، والبيض بشكل خاص، وعلاج نقص النمو، حتى إذا اعتبرنا أن البيض مصدر جيد من مصادر البروتين الحيواني، التي تسهم بدورها في النمو بشكل عام.
والحقيقة أن دراسة حديثة كشفت عن إمكانية أن يؤدي تناول بيضة واحدة فقط بشكل يومي إلى الوقاية من نقص أو توقف النمو (stunted growth) الذي يعتبر قصر القامة أهم أعراضه ومظاهره ويهدد كثيرًا من الأطفال حول العالم، خصوصًا في البلدان الأكثر فقرًا. وتبلغ نسبة مثل هؤلاء الأطفال، في بعض بلدان قارة أفريقيا، مثل أوغندا على سبيل المثال، نحو 35 % من الذين يعانون من سوء التغذية في المراحل الأولى من أعمارهم، خصوصًا فترة ما قبل الدراسة (الأطفال أقل من خمسة أعوام).
ويؤثر هذا النقص الغذائي على النمو الجسدي والنمو الإدراكي والوجداني. وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن تناول بيضة واحدة لمدة ستة أشهر متتالية، للأطفال من عمر ستة شهور وحتى تسعة شهور، من شأنه أن يقلل من احتمال أن يصاب الأطفال بنقص النمو إلى النصف، وذلك وفقًا للدراسة التي أجراها باحثون من جامعة واشنطن في الولايات المتحدة، ونشرت في يونيو / حزيران الجاري في مجلة طب الأطفال "journal Pediatrics"، والتي أوضحت أن إضافة البيض إلى الغذاء في هذه المناطق الفقيرة (جنوب آسيا وجنوب أفريقيا) قد يكون كفيلاً بالوقاية من مخاطر التعرض لنقص النمو.
وأجرى الباحثون الدراسة على عينة عشوائية من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة شهور وتسعة شهور، من الإكوادور في أميركا الجنوبة (هناك نسبة تبلغ 23 % من الأطفال تحت عمر الخامسة تعاني من نقص النمو في الإكوادور، ونسبة 6% تعاني من انخفاض الوزن مقارنة بالعمر)، مقابل عينة أخرى لإثبات أو نفي التجربة (control)، وتم إعطاء بيضة كل يوم لمدة ستة شهور إلى المجموعة العشوائية، بينما لم يتم إعطاء البيض للمجموعة الأخرى (المجموعة الضابطة). وأظهرت النتائج انخفاض معدلات نقص النمو لدى الأطفال الذين تناولوا البيض بانتظام بنسبة 47 %، بينما انخفضت معدلات انخفاض الوزن تبعًا للعمر إلى نسبة ملحوظة بلغت، 74 %، بينما لم تنخفض تلك النسب في الأطفال الذين لم يتناولوا البيض.
وأوضح الباحثون أنهم، على الرغم من معرفتهم المسبقة بأهمية تناول البيض، فإن النتائج كانت مدهشة بالنسبة إليهم، إذ أن إضافة عنصر واحد فقط كانت كافية للوقاية من مرض يؤثر على صحة ملايين الأطفال. وطوال فترة الدراسة، كان الفريق حريصًا على ملاحظة ظهور أي أعراض حساسية يمكن أن تطرأ على الأطفال نتيجة تناولهم البيض، إلا أن أحدًا منهم لم يصب بالحساسية، وهو الأمر الذي يعني إمكانية تناوله بأمان، وحتى في حالة ظهور أعراض للحساسية عند بعض الأطفال، يمكن التعامل معها وعلاجها، خصوصًا بعد أن أثبتت التجربة الفوائد الكبيرة من الانتظام في تناول البيض، الذي يعتبر مصدرًا مثاليًا بالنسبة للأسر الفقيرة، ويمكن أيضًا إعطاؤه للأطفال الأكبر عمرًا بطبيعة الحال، إذ أن مخاطر ضعف الصحة العامة والإصابة بالأنيميا يمكن أن تحدث بنسبة كبيرة في هذه المناطق الفقيرة، التي تعاني من ندرة معظم المواد الغذائية.
وأوضحت الدراسة أن البيض يعتبر من المصادر الجيدة جدًا للبروتين رخيص الثمن، فضلاً عن احتوائه على كثير من الفوائد الصحية الأخرى، نظرًا لاحتوائه على فيتامينات مختلفة مثل فيتامين (A) وفيتامينات (B5، B12، B2) والسلينيوم، الذي يعتبر من أهم مضادات الأكسدة التي تمنع الإصابة بكثير من الأمراض، وتزيد من مقاومة الخلايا للأورام المختلفة.
ويحتوي البيض أيضًا على سعرات تمكن الجسم من أداء وظائفه المختلفة، وعلى الرغم من أن البيض يحتوي على كميات كبيرة من الكولسترول، فإن ارتفاع الكولسترول في الدم نتيجة لتناول البيض يختلف بشكل كبير من شخص لآخر، وهناك كثير من الأشخاص لا يزيد مستوى الكولسترول لديهم مطلقًا عند تناول البيض، بينما هناك نسبة أخرى يمكن أن تزيد قليلاً من نسبة الدهون منخفضة الكثافة LDL، خصوصًا الأفراد الذين لديهم قابلية عائلية لزيادة الكولسترول.
وأوضح الباحثون أن المخاوف التي تراود الآباء عن إمكانية أن تتسبب الكميات الكبيرة من البيض في زيادة خطورة التعرض لأمراض القلب، نظرًا لاحتوائه على الكولسترول، لا داعٍ لها، حيث أشارت الدراسات الحديثة في السنوات الماضية إلى عدم وجود علاقة مباشرة بين استهلاك البيض والإصابة بأمراض القلب أو السكتة الدماغية، باستثناء بعض الحالات الخاصة مثل مرض السكري، التي يمكن أن يزيد تناولها للبيض من خطورة إصابتها بأمراض القلب. وأشار الباحثون أن السبب في ذلك ربما لا يكون تناول البيض بشكل مباشر، وإنما السبب الحقيقي يكمن في أن مرض السكري يؤثر في الجسم بشكل عام، ومن ثم يكون أكثر عرضة للإصابة.
وخلصت الدراسة إلى ضرورة الاهتمام بتناول البيض في غذاء الأطفال الصغار، خصوصًا في البلدان الأكثر فقرًا لحمايتهم من خطر نقص النمو، حيث يجب على الحكومات توفيره كمصدر غذاء جيد وغير مكلف ومتاح بسهولة، وله فوائد صحية كبيرة.