بيروت - غيث حمّور
يعرض حالياً عدد كبير من المسلسلات الأميركية على الشاشات العربيّة، وتستقطب هذه المسلسلات الكثير من المتابعين، وتحقق نسب مشاهدة عالية، رغم أنّ أغلبها لا يمس المشاهد العربي ولا تعالج قضاياه، وغريبة عن ثقافته وحضارته، وبعيدة عن عاداته وتقاليده، وهو الأمر الذي يدفع المراقبون للتساؤل عن أسباب هذا التهافت، وواحد من هذه الأسباب وربما أولها الحرفيّة العالية التي تنفذ في هذه المسلسلات على صعيد الإخراج والصورة والأداء والمعالجة والتي تجذب المشاهد العربي وتدفعه لمتابعة هذه الأعمال.
وتعتمد معظم الأعمال الدراميّة الأميركيّة على تيمات خاصة تستمد مواضيعها من الواقع الاجتماعي والحياتي وتوضع ضمن قوالب متجددة ومتنوعة وتعالج بطريق تحمل بشكل دائم الإثارة والتشويق، فمثلاً في مسلسل "house m.d" الشهير الذي حصد جائزة "إيمي" لأكثر من مرة، والذي يقدم مجتمع الأطباء، ويعتمد القالب الطبي، ويكرّس المستشفى كمسرح لأحداثه، كما أنه يستخدم عددًا كبيرًا من المُصطلحات الطبية المتخصصة، ولكنه رغم ذلك نجد أن طريقة المعالجة والطرح والحلول التي يقدمها تتسم بالسلاسة والمرونة، حيث يعتمد النص في هذا المسلسل على الربط بين الحالات المرضية التي يعالجها الأطباء وبين عدد من المشاكل الاجتماعية عبر الحوارات والحالات الإنسانية المقدمة التي تتسم بالعمق والواقعية بعيداً عن التنظير والمبالغة، ومن أكثر الأشياء التي تميز هذا العمل، والذي ينطبق على معظم الأعمال الأميركيّة الدراميّة، الأجواء الخاصة الخارجة عن المألوف التي تقدم بطريقة حرفية تجعل هذه الأجواء مألوفة ومحببة للمشاهد رغم غرابتها، ومن الأعمال المميزة الأخرى التي تتمتع بتيمات خاصة مسلسل "desperate housewives" (الزوجات البائسات)، الذي يعالج قضايا المرأة الأميركيّة ومشاكلها، ورغم أنّ هذا الطرح قد يراه البعض مكرراً ولا يملك صفة مميزة، ولكن طريقة المعالجة التي قدّم بها هذا العمل حوّلت التيمة العادية (قضايا المرأة) والتي عالجتها العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية، إلى تيمة خاصة، من خلال الأجواء التي قدمها العمل لمنطقة ريفية معزولة وهادئة تجري فيها الأحداث، وتحويلها إلى نموذج لمجتمع كامل والاستفادة من التفاصيل الصغيرة الموجودة في أنحاء هذه المنطقة كالحدائق والساحات والكراجات والأسوار وحتى النوافذ والأبواب لخدمة القضية الأساسية، ليقدم مشاكل المرأة الغربية في العمل والحب والزواج والأولاد من خلال مجموعة من القصص المثيرة المليئة بالأحداث والمواقف لخمس نساء داخل هذه المنطقة والمرفقة بمسحة كوميدية خفيفة أضافت روح الدعابة والمرح.
ترافق حرفيّة النص وطرق المعالجة غالباً في المسلسلات الأميركيّة حرفية الإخراج، حيث يتسم كل عمل بطريقة إخراج مختلفة عن الآخر، ولكنها تشترك جميعاً بصفة التشويق والقدرة الكبيرة على جذب انتباه المشاهد منذ الدقيقة الأولى وحتى الدقيقة الأخيرة، من الأعمال المميزة على الصعيد الإخراجي في الدراما الأميركية مسلسل "lost"، والذي تجري أحداثه في جزيرة كانت مكاناً لأبحاث علمية، تسقط فيها طائرة مسافرين، يحولون البقاء والاستمرار بالحياة ويصدمون بسكان الجزيرة الموجودين منذ انتهاء التجارب العلمية قبل 50 عامًا، ثلاثة مواقع رئيسية تنتقل فيها الكاميرا خلال مواسم العمل شاطئ الجزيرة "الموجود فيها المسافرين"، وداخل الجزيرة الموجود فيها سكان الجزيرة، والولايات المتحدة الأميركيّة حيث يستعيد العمل قصص المسافرين، ورغم التنقلات الكثيرة بين هذه المواقع الثلاثة والذي يتم أحياناً لأكثر من مرة في الحلقة الواحدة، إلا أنه لم يؤثر على تسلسل الأحداث، نتيجة الحرفية العالية في هذا التنقل الذي اعتمد اللحظات والمواقف المناسبة للقيام بهذه التنقلات، بل على العكس ساهم بشكل كبير في زيادة الإثارة والتشويق، فاعتمد المخرج على هذه القطعات في تحفيز خيال المشاهد لربط الأحداث والتفكير في الأحداث المقبلة والتي غالباً ما تكون مفاجئة وغير متوقعة، كما استفاد المخرج من طبيعة الجزيرة ومناظرها الخلابة في كوادر التصوير بطريقة موظفة وبعيدة عن المجانية، وأرفقها ببعض اللقطات البعيدة التي أضفت حالة من الجمالية على صورة العمل.
وتقدم الأعمال الأميركيّة مفهومًا مختلفاً عمّا تقدمه معظم الأعمال العربية للممثل الثانوي والكومبارس، وتستخدم هذه التسمية في الأعمال الأميركية للتعبير عن حجم الدور وليس عن قدرة الممثل، حيث يعتمد على ممثلين أكفاء لتقديم الأدوار الكبيرة والصغيرة على حد سواء وحتى الكومبارس يقوم بأداء أدوارهم ممثلين مختصين، فيشعر المشاهد أنّ الممثلين في المُسلسل الأميركي من نجوم الصف الأول رغم أن ذلك غير صحيح على أرض الواقع، ولكن حرفية المخرج والطاقم الفني المرافق في اختيار الممثل المناسب لأداء الدور وتوظيف التقنيات والمؤثرات تكون فاعلة ومؤثرة، فمثلاً نتابع في مسلسل "prison break"، عددًا كبيرًا من الممثلين، فضلاً عن عدد هائل من الكومبارس في خلفية معظم مشاهدة، ورغم الكتل البشرية الكبيرة من ممثلين وكومبارس نجد أنها موظفة لخدمة العمل، وأيضاً نتابع في مسلسل "friend"، الذي قدّم في عشرة مواسم خلال 10 أعوام، حالة مختلفة، حيث اعتمد هذا المسلسل في معظم حلقاته على الممثل الضيف، والذي قد لا يتجاوز وجوده في الحلقة على دقائق قليلة وفي بعض الحالات ثواني معدودة ولكنه مع ذلك يختار هذا الضيف من نجوم السينما والدراما، وهذا ما يعطي العمل (التلفزيوني) طابع الحرفيّة.
وتختلف الدراما الأميركية في طريقة عرضها عن الدراما العربية، فمعظم الأعمال العربية تحشد في شهر واحد (شهر رمضان)، وتبث بشكل يومي، فيما تبث الدراما الأميركية بطريقة مختلفة تماماً حيث تبث الأعمال بمعدل حلقة أسبوعياً أو حلقة كل 15 يوماً، فيمتد العمل إما لـ6 أشهر أو لعام كامل، وطريقة البث هذه تعتمدها شبكات البث الأميركية كـ(fox، abc ، وغيرها)، ومنذ بداية بث هذه الأعمال على الشاشات العربية انتهجت هذه الشاشات طريقة الشبكات الأميركية ذاتها، حيث بدأت ببث حلقة أو حلقتين أسبوعياً لهذه الأعمال، وهذا ما زاد الإثارة ودفع المشاهد لانتظار الحلقات الجيدة من مسلسلاته المفضلة لمتابعتها بشكل دوري دون ضغط الوقت والموعد.
ومما لاشك فيه، أنّ ظروف الإنتاج والمعدات وطرق العمل والطاقات البشرية والأموال المصروفة تختلف بين الدراما العربيّة والأميركيّة، ولكن هذا لا يمنع من الإطلاع على الدراما الأميركيّة والاستفادة منها، فالمشكلة الأساسية للدراما العربية بأن المقارنة تقتصر على ما تنتجه الدرامات العربية، وغالباً ما يكون الكلام بشأن تفوق الدراما السورية على المصرية والدراما الخليجية أو العكس، ولكن هذا المقارنات لم تعد تفيد خصوصًا أنّ أجواء هذه الدرامات العربية أصبحت متشابهة، فضلاً عن أن العاملين فيها بدؤوا بالتنقل فيما بينها فأصبحنا نشاهد المخرج السوري في مصر والخليج، والممثل المصري في سورية، والممثل السوري في الخليج وغيرها من التنقلات، مما حوَّل الدراما العربية إلى دارما متشابه في شكلها الخارجي مع اختلاف بالجوهر، وهذا ما يدعوا إلى تغيير منطق المقارنة والنظر إلى التجارب الأهم في العالم على الصعيد الدرامي للوصل بالدراما العربية إلى العالمية ولخروج من النطاق الضيق التي حصرت نفسه به خلال العقود الأخيرة، وربما الدراما الأميركيّة هي الأفضل بين الدرامات العالمية والتي يجب الاستفادة منها على الأصعدة المختلفة.