الدارالبيضاء -زينب القادري
قد تتعرض الذاكرة أحيانًا للنسيان لظروف تختلف حسب طبيعتها، إما اجتماعية أوصحية قد تؤدي إلى تناسي أونسيان شخصيات عرفناها عبر الزمن، والامر يتعلق بالميدان الفني وبالتحديد شخصيات مسرحية وتلفزيونية وسينمائية، هم فنانين وفنانات كسبوا نجومية واسعة وعاشت معهم اجيالًا واستطاعوا في سنوات طويلة إبراز إمكاناتهم الإبداعية، وبالرغم من قلة الإمكانيات استطاعوا من اللا شيء أن يخلقوا الشيء، ومع مرور الوقت بهت حضورهم، ومنهم من اختفى عن الساحة الفنية لم نعرف عنهم اَي خبر، ومنهم من هو طريح الفراش يصارع المرض في صمت، لكن تاريخهم ظل في مخيلة الجمهور ومحفوظا في الذاكرة.
من منا لا يتذكر الفنانة زهور لمعمري التي رسمت طريقها نحو النجومية في فترة السبعينات والثمانينات، إلى بداية التسعينات حتى اصبح المغاربة يرددون إسمها في كل مكان، وقد شاركت في مجموعة من الاعمال نذكر منها "أمي تاجة" لعبد الحي العراقي، و"ملاك البحر "للمخرج البلجيكي فريديريك ديمون، فضلا عن مجموعة من الاعمال المغربية والأجنبية، ليُطفئ نورها وتغيب عن الركح والشاشة الصغيرة والكبيرة، وتظهر في إحدى البرامج التلفزيونية لتكشف عن واقعها المرير وهي تعاني في صمت من ظروف مادية وصحية صعبة، ولم تستطع تلقي علاجها بشكل يليق بها كمواطنة مغربية اولاً وكفنانة ضحت بشبابها من اجل اداء رسالتها بصدق.
الامر لا يقل قسوة بالنسبة للذاكرة المسرحية "الحاج احمد الصعري" الذي طالما دافع عن الفنانين من خلال مهمته بإدارة مكتب النقابة الوطنية لمحترفي المسرح في مدينة الدارالبيضاء، هو ذاكرة المسرح بدون منازع لأكثر من نصف قرن، هو الذي انخرط في فرقة مسرح المعمورة مباشرة بعد استقلال المغرب، وعمل كأستاذ مادة الدراما بالمعهد البلدي في الدار البيضاء كما برز اسمه لمشاركاته المتميزة في مجموعة من الاعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية، ليجد نفسه الآن على كرسي متحرك وإصابته بشلل نصفي أفقده القدرة على النطق والحركة في ظل غياب أذن صاغية لصرخة فنان أعطى الكثير للمشهد الفني وتجاهل اصحاب الشأن الثقافي والفني .
وفي نفس درجة المعاناة تعيش الفنانة فاطمة الركراكي التي بدأت مسيرتها في منتصف الخمسينات، كانت رائدة من رائدات التشخيص في المغرب، تجربتها التي فاقت ستة عقود في مجال المسرح والتلفزيون والسينما والإذاعة، مشاركاتها المستمرة جعلها مدرسة للشباب العاشق للفن، كما حصلت على مجموعة من الجوائز الوطنية والعربية والدولية من بين أعمالها "شمس الربيع" للطيف لحلو والسراب لاحمد البوعناني و"يا ريت"لحسن بن جلون، لتجد نفسها تعاني من مرض مزمن ولتعيش هي الاخرى ظروف صحية مزرية ليطفئ نورها كفنانة ويشعل ضوء المعاناة والألم.
هؤلاء فقط نماذج من بين فنانين وفنانات سطع نجمهم في زمن الفنون وصاروا محط حديث الناس عنهم قبل ان يخدلهم الزمن ليعيشوا حياة التهميش والتجاهل، ليطرحوا السؤال :" أهاكذا نُجَازِي فنانين اضحكونا وابكونا بإبداعاتهم وضحوا بأسرهم ووقتهم وشبابهم من أجل تقديم رسائل بأمانة وصدق ؟!!؟"