بغداد- نجلاء الطائي
أعلن الكاتب العراقي أحمد هاتف، أن "العراق بلغ من العمر الفني ما يقارب عشرة الاف عام، وكان من المفترض ولادة مبدعين ينهلون من هذا التراث الابداعي العظيم"، معتبرًا أنه كعراقي لا ككاتب ، يخجل حين تقارن الدراما العراقية بدراما بلدان لم تبلغ سن الرشد الحضاري الذي بلغناه اليوم".
وقال هاتف الذي عرف بانه كاتب مشاكس في حوار هاتفي مع "المغرب اليوم": إن "الدراما العراقية أصبحت موضع ارتزاق وموقعاً لانتشار الافكار السياسية وموقعاً للإعلان عن وجود بنية ديمقراطية في العراق كما انها اخيراً ، للأسف ، موقع ابداعي يقف عنده الجميع ولا يحترمه احد" .وأشار الى ان "الفن العراقي يمر بمرحلة صعبة كون التغيير الذي شهده العراق ابعد الفن عن اهتمامات السياسيين" ، مبينا ان "هذا الملف في غاية الخطورة واعتقد انه اخطر الملفات وحتى اخطر من ملف الارهاب لأنه يضع النقاط على الحروف واليد على موضع الجرح".
واعتبر الكاتب "انه في السابق كان هنالك اهتمام للفن والثقافة في زمن ما ويرصد له مبالغ من ميزانية الدولة، ناهيك عن جلب ما هو جديد من ثقافات وعلوم فنية وثقافية واحتكاك ببعض الفنانين وطرح خبرتهم للاستفادة، ولكن في هذا الوقت الذي يشهد غليانًا في الساحة السياسية نرى انه ومنذ عام 2003 لم يكن للفن اي دور او اي مؤسسة تكون حاضنة للثقافة وينصب الاهتمام في المناصب البرلمانية والكراسي".
ويبين هاتف أن "الخلل الأكبر في ذلك يقع على الإنتاج الذي لا يوفر الوقت الكافي للممثل كي يعبئ نفسه بالحدث، فالمخرج تشغله الصورة اكثر من الممثل، وبالتالي يخرج عن السيطرة والسبب الآخر هو استسهال الممثل ذاته لعملية الأداء لأنه يعلم أن ما يبذله من جهد لا يساوي قيمة ما يحصل عليه من أجور وآخرها النص الذي يبتعد عن الواقع ويبدو متشنجاً ومفبركاً" .
أما الفنان التشكيلي أمجد الكعبي فيقول هو الاخر، ان "الفن العراقي وتحديدا الفن التشكيلي لا يوجد فيه انفتاح في كل العصور لكون هذا الفن صوري وقابل للتأويل وكل المواضيع ممكن ان تذهب بك نحو الهاوية لذا ظل الفنان يراوح في اسلوبيته التي حددتها له الاعراف الاجتماعية والدينية والسياسية"، وأضاف: ان "الفن لا يستطيع ان يرسم جسم الانثى ولا يستطيع ان يغير علم بلده ولا يستطيع ان يجسد ربه ما لم يتأثر بالعكس ربما في زمن الماضي كانت مساحة الابداع للرسام اكبر ومنجزه فيه الكثير من الرموز والدلالات ترى من خلاله مشهد شاسع".
من جهته، الباحث الأكاديمي في كلية الفنون الجميلة الأستاذ جميل رماح قال لـ"المغرب اليوم": لقد نشأت الحركة الفنية في العراق عبر المسرح أولا والسينما ثانيًا، فإنها لم تغفل المواءمة بين الثقافات العربية او الأجنبية، وحدث هذا الامر بصورة واضحة وجلية من خلال عدد كبير من الأعمال السينمائية العراقية التي تلاحقت فيها الأفكار العربية، السينما صناعة قبل أن تكون فناً وهذا الأمر قاد العديد من منتجي السينما المصرية أو العراقية إلى الاشتراك في أكثر من عمل كان أولها فيلم (القاهرة بغداد) وهذا التعاون لم يكن على مستوى الحكومات بل اعتمد على الفنانين الجادين من كلا البلدين بين شركة (أفلام العراق) وشركة (اتحاد الفنانين) وصورت مناظر الفيلم بين القاهرة وبغداد ، ومثل في الفيلم من العراق الفنانة عفيفة اسكندر والفنان حقي الشبلي ومن مصر الفنانة مديحة يسري واخرج الفيلم المخرج المصري احمد بدر خان ، ثم أنتج فيلم (ابن الشرق) وغيرها من الأفلام حتى تأسست مصلحة السينما ومن ثم دائرة السينما والمسرح والتي أخذت على عاتقها إنتاج أفلام يشارك فيها أبطال مصريون وليس إنتاجا مشتركا كما هو الحال مع (مطاوع وبهية) للفنان كرم مطاوع وسهير المرشدي من إخراج صاحب حداد و(القادسية) للفنانة سعاد حسني وعزت العلايلي أمام نجوم الفن العراقي من أمثال شذى سالم وغازي الكناني وغيرهم و(بابل حبيبتي) الذي اشترك فيه الفنان يحيى الفخراني وسماح انور امام الفنانة هند كامل وسامي قفطان وغيرها من الأعمال التي لم تشكل رقما مهما لقدرة أو أداء الفنان العراقي كما هو الحال مع شراكة الفنان نزار السامرائي والفنانة سعاد عبد الله في فيلم (عيون لا تنام) لرأفت الميهي مع عمالقة الفن المصري فريد شوقي واحمد زكي و مديحة كامل .
واشار الرماح الى أن "مشاركة الفنان العراقي بعد ذلك في أدوار هامشية وبسيطة لا تلائم حجم ومكانة الفنان العراقي وقدرته على نيل الجوائز في مهرجانات المسرح العربي، وحدث هذا الأمر مع الفنان القدير يوسف العاني في فيلم (اليوم السادس) للمخرج يوسف شاهين .
وأمل الباحث الاكاديمي الرماح ، أنه بعد 2003 يكون المشهد الثقافي في العراق أفضل حالاً من ذي قبل، لاسيما أن أجواء الحرية والانفتاح الإعلامي اصبحت ليس لها حدود ما شجعنا على هذا الأمل ، لكن الذي حصل كما يقول الرماح "أننا بدلنا عاقلاً بمجنون " ، فبعد التحجيم والتضييق على الحريات، وانعدام الرأي الآخر ، أصبحنا نعيش انفلاتا لا يرضي الجميع ، لكنه من جهة أخرى أزعج الكثير من القوى الدينية المتزمتة فراحت تلعب خلف الستار من أجل إجهاض تلك الحرية المنفلتة وتدجينها، وقدمت بدلا عنها افكاراً سوداوية مليئة بالحس الطائفي والرجعي والمحاصصة التي اصطف معها الكثير من رجال السياسة المحسوبين على الثقافة ذاتها، ما زاد من سوء الوضع الثقافي وجعله أسيراً لمعطيات أخرى.
بدوره النجم الدرامي كاظم القريشي رأى ان "الدراما العراقية استطاعت التلاقح مع تجارب عربية عديدة بل حتى عالمية وهذا ما حصل في أعمال عربية وعالمية لم يكن الفنان العراقي يحلم بتواجده بها بسبب (التابوهات) التي كان يفرضها النظام السابق على كل المشاركات العراقية ولا زلت أتذكر حادثة طريفة رواها المخرج العربي المنصف السويسي حين قال طلبت من صدام حسين في مواجهة معه أن يعيرنا نجوما عراقيين لتمثيل مسرحية عربية مشتركة إبان الحرب العراقية الإيرانية فردّ عليّ صدام بالقول إن العقول العراقية لا تصدر فقلت له بالحرف الواحد وهل الفنان لديه عقل".
وبين القريشي مشاركة نجوم الدراما العراقية في أفلام عالمية والتجربة الأهم والاكبر هي البطولة المطلقة للفنان الكبير فلاح إبراهيم ودوره المؤثر والكبير في الفيلم العالمي "معركة حديثة" للمخرج نيك برومفيلد المعروف بأفلامه التسجيلية المثيرة للجدل حيث استطاع هذا الفنان أن يقدم شخصية محلية بكل آلامها ومعاناتها في دور استحق وبجدارة أن تكون صورته تتوسط بوستر الفيلم العالمي.
وتابع القريشي أن مشاركة الفنان العراقي فلاح إبراهيم ويحيى إبراهيم في بطولة الفيلم الايطالي "زهور كركوك" الذي جرى تصوير بعض مشاهده في مدينة كركوك ومدينة أربيل وشارك فيه ممثلون عراقيون إلى جانب ممثلين عرب وأجانب، وهو من انتاج كبرى شركات الإنتاج السينمائي في ايطاليا، ومن تأليف وإخراج الايطالي فاري بوس كمكاري .
ويسرد القريشي عن فرصة الظهور للفنان العراقي في الفضائيات العربية بعد ان كان محاربا من قبل دول عدة تشترط على المنتج عدم وجود فنان عراقي في العمل للموافقة على تسويقه في زمن الحصار، لافتا الى اضطرار الفنان العراقي بفعل الظروف الأمنية ان يتواجد في دول عربية عدة بسبب غياب الإنتاج الدرامي العراقي، وكما يقال (رب ضارةٍ نافعة) تحقق للفنان العراقي التواجد في اعمال خليجية كما هو الحال مع الفنانة آلاء شاكر وسلامة سالم وناهي مهدي كما كانت الحصة الأكبر لتواجد الفنانين العراقيين في سوريا من خلال الإنتاج الدرامي للفضائيات العراقية والتي استعانت بالمهارات السورية من خلال الإخراج والديكور في اعمال ملحمية أبهرت القاصي والداني بقدرة مخرجي الشام على امتلاك زمام المبادرة في المنافسة الصورية والحكاية في المشهد الدرامي العربي وأصبحت منافسا كبيرا للدراما المصرية التي تصيدت المشهد الدرامي العربي لسنوات عدة.
الدراما العراقية قدمت اعمالا مهمة ومؤثرة أغنت المكتبة الفيلمية العراقية كما يقول الفنان كاظم القريشي بأعمال كبيرة ومهمة الى جانب ممثلين سوريين مهمين كما هو الحال "في مسلسل السيدة الى جانب الفنانة القديرة منى واصف أمام نجوم الدراما العراقية أمثال كريم محسن وإياد راضي وبهجت الجبوري وغيرهم إلى جانب نجوم الدراما السورية فشكلت اعمال مثل الدهانة واعلان حالة حب والحب والسلام وغيرها من الاعمال منعطفا مهما وكبيرا في مسيرة الممثل العراقي الذي كان يجد نفسه امام النجوم العرب وكأنه ضيف شرف.
وظهر الخلل فيما بعد كما يقول القريشي في ضعف الدراما العراقية وشخصت اسبابها بضعف بالإنتاج وقلة التلاقح وإمكانية المخرج العراقي الفقيرة للصورة الدرامية.
بينما يسأل المؤلف حامد المالكي مخرجينا من فاز بجائزة "اوسكار" لأفضل مخرج وهل شاهدت عمله؟ من منكم يقرأ الجريدة يوميا؟ ما هي اخر رواية قرأتها؟ هل تتوقعون أجوبة لهذه الأسئلة؟ مخرجونا للأسف لا يشاهدون... لا يقرأون... لا يتابعون... لا يسمعون... لا يتكلمون... أدعو الصحفيين أن يسألوهم هذه الأسئلة وسوف نرى الحقيقة.. في عقد وقعته مع المنتج العربي الكبير صادق الصباح وضعت فيه شرطاً يقول (على ان لا يكلف مخرج عراقي بإخراج أعمالي) موضع العقد، الرجل وافق واعطى الحب والسلام الى مخرج سوري شاب في أول تجربة إخراجية له، تصوروا وافقت على مخرج شاب في اول تجاربه ولم أوافق على مخرج عراقي.
بينما يرى الكاتب الكبير صباح عطوان ان المشهد الفني لم يعش ما متوقع له بعد التغيير بل ظل أسيراً لمزاجية المؤسسة الثقافية الرسمية التي تعاملت بطريقة فوقية مع المثقفين والأدباء والفنانين والصحفيين ، ما خلق فجوة كبيرة بينهما .وبين عطوان مشاركة الدراما العراقية في الدراما المصرية فقيرة جدا وكل المعلومات تشير الى تسيد الفنان كنعان وصفي في أفلام الستينات وبحكم تواجده هناك المكانة الواسعة في المشاركة الأكثر تأثيرا ،وكما بعدها توالت المشاركات (المجاملة) بسبب العلاقات او السياسات التي كانت تحكم البلدين بالمشاركة الفنية .
ويرى عطوان ان الحضور الهام والمؤثر هو مشاركة الفنان بهجت الجبوري في الفيلم المصري (عمر حرب ) بمشاركة نخبة كبيرة من نجوم الدراما المصرية وبإدارة مخرج قدير وكبير هو خالد يوسف الابن الفني للمخرج الكبير يوسف شاهين فقد اشاد كبار النقاد المصريين بقدرة هذا الممثل على تقمص الدور بشكل مبهر في الاداء والتمكن من ادواته كممثل كبير وخطير ولهذا كان اختيار المخرج خالد يوسف لهذه الشخصية في الفيلم لتكون الشخصية المحورية التي يؤسس عليها البناء الدرامي للعمل برمته، الا ان الفنان بهجت الجبوري تعرض الى انتقادات لاذعة وقوية بسبب شخصيته في المسلسل الاخير .
ويتذكر عطوان دور الفنان مهند هادي في فيلم (معلش احنه بتبهذل ) هذه الشخصية البغدادية البسيطة التي تحوي بطيبتها روح وحقيقة الانسان العراقي الغيور والشهم وكان لهذه الشخصية مساحتها الدرامية المؤثرة في العمل عل خلاف المشاركات العراقية السابقة التي كانت تعتمد المحاباة والظهور بمشهد غير مؤثر او فاعل .
ويؤكد الكاتب العراقي ان الدراما العراقية وعلى الرغم من غيابها عن البيئة العراقية في تصويرها كمكان الا انها استطاعت ان تنهل وتعطي الكثير من الابداع في مجال الانتاج المشترك بعد السقوط .