الجزائر ـ المغرب اليوم
يبدو أن الجزائر التي تعتمد على النفط في تمويل أكثر من 95 في المائة من نفقاتها العامة، بدأت رسم استراتيجية جديدة للنمو لمواجهة الأزمة الاقتصادية وسط استمرار الانهيار في أسعار النفط الذي أرهق اقتصاد الدولة وكبدها خسائر بمليارات الدولارات؛ مما أدى إلى ارتفاع العجز المالي للبلاد، الأمر الذي أدخل الدولة منذ عامين في
مرحلة شديدة من التقشف وسط توقعات بطول فترة تراجع أسعار النفط.
وقال رئيس الجمهورية الجزائرية عبد العزيز بوتفليقة في اجتماع لمجلس الوزراء يوم الثلاثاء الماضي إن «الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية ليست محدودة على دولة واحدة على وجه الخصوص، وهي ليست (نتيجة لفشل) في النهج الاقتصادي الداخلي في الجزائر، ولكن تختلف حدة الأزمة من بلد إلى آخر، وفقا للسياسات المالية والنقدية داخل الدولة،. مؤكدًا أن البلاد تواجه مخاطر شديدة من انخفاض أسعار النفط، والموارد التي لا تزال تثقل كاهل الاقتصاد والتنمية كما هو الحال بالنسبة إلى البلدان الأخرى المنتجة للنفط.
وقال بوتفليقة: "قررنا عدم اللجوء إلى القروض الخارجية، وإدارة احتياطاتنا من النقد الأجنبي بحذر، والذي مكننا اليوم من التعامل مع الأزمة المالية وإدخال التعديلات اللازمة، مع الأخذ في الاعتبار الحقائق الخاصة بنا والخيارات الاجتماعية داخل الدولة"، ويرى الرئيس أن الأزمة الحالية ستكون فرصة لتسريع رد الفعل الجماعي لتقليل الاعتماد على عائدات النفط، مع استعادة قوة العمل في بقية القطاعات الاقتصادية التي تُسهم في تحقيق التنمية المستدامة في البلاد، وكل هذه التغييرات ستخلق بالتأكيد نموذجًا جديدًا للنمو الاقتصادي، في الأعوام الأربعة المقبلمة يركز على إصلاح النظام الضريبي لتحقيق مزيد من الإيرادات وتقليص الاعتماد على صادرات الطاقة؛ وهو المتفق عليه من قبل الحكومة والشركاء الاقتصاديين والاجتماعين.
وأظهرت دراسة للديوان الجزائري للإحصاءات نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أمس السبت، أن عدد الأشخاص العاطلين عن العمل بلغ في نيسان/أبريل الماضي نحو 198.1 مليون شخص، فيما وصل عدد العاملين 092.12 مليون شخص مقابل 932.11 مليون شخص في سبتمبر (أيلول) 2015 .ليتراجع معدل البطالة إلى 9.9 في المائة في أبريل مقابل 2.11 في المائة في أيلول/سبتمبر 2015.
والخطة جزء من خطط وضعتها السلطات في البلاد في أيار/مايو الماضي للتحرك بعيدًا عن النفط والغاز، وبموجب الخطة الجديدة؛ تسعى الدولة إلى زيادة دور القطاع الخاص، وتعزيز الاستثمارات في القطاعات القيمة المضافة العالية ذاتها مثل الصناعات الغذائية والطاقة المتجددة والخدمات والاقتصاد الرقمي والصناعة والتعدين وأنشطة المصب في قطاع النفط والغاز، فضلاً عن تحسين بيئة الأعمال في البلاد التي تعوقها البيروقراطية.
وتمثل عائدات النفط 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، و95 في المائة من إجمالي عائدات الصادرات الجزائرية، و60 في المائة من إيرادات الموازنة، وتعتمد الجزائر على عائدات النفط لتمويل خططها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفقًا لبيانات سابقة صادرة عن صندوق النقد الدولي.
وجزء من خطة الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها الحكومة الجزائرية، ومجلس الأمة الجزائري مشروع القانون المتعلق بتشجيع الاستثمار قانون الاستثمار بتاريخ 17 تموز/يوليو الحالي. ويقدم القانون حوافز جديدة للمستثمرين من ضمنها فوائد إضافية للاستثمارات في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة، وفوائد استثنائية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ذات الاهتمام الشخصي بالنسبة إلى المواطن.
وكان صندوق النقد الدولي "IMF" دعا الجزائر في وقت سابق لتنويع اقتصادها، مشيًرا إلى أن البلاد لو تم إدارتها بشكل جيد، فذلك سيتيح الفرصة لإعادة تشكيل نموذج نمو قوي. ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن بيان صدر بعد اجتماع لمجلس الوزراء قاده الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الثلاثاء الماضي أن هذا
النموذج الاقتصادي الجديد يستند إلى سياسة ميزانية تم تجديدها وتعتمد على تحسين عائدات الجباية العادية بما يمكنها مع آفاق 2019 من تغطية نفقات التسيير وكذا نفقات التجهيز العمومي غير القابلة للتقليص.
وجمدت الجزائر بالفعل عدة مشروعات في البنية التحتية لتخفيف الضغوط المالية منذ أن بدأت أسعار النفط في التراجع في منتصف 2014 .وكانت الحكومة قد سجلت عجًزا قياسيا في الميزانية بنحو 16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015 ومن المتوقع أن تهبط الاحتياطيات من النقد الأجنبي إلى 116 مليار دولار بنهاية
2016 من 9.136 مليار دولار في أيار/مايو.
وقال البيان إن النموذج الجديد يهدف إلى تعزيز الاستثمارات في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية» مثل الصناعات الغذائية والطاقة المتجددة والخدمات والاقتصاد الرقمي والصناعة والتعدين وأنشطة المصب في قطاع النفط والغاز. ولم يذكر مزيدا من التفاصيل. وأضاف أن الجزائر ستحشد أيضا الموارد الإضافية في السوق المالية المحلية، بما في ذلك إصدار سندات.
وفي تحرك واضح لإصلاح نظام الدعم رفعت الجزائر أسعار البنزين والكهرباء هذا العام للمرة الأولى خلال نحو عشرة أعوام، حيث ارتفعت أسعار الوقود بنحو 35 في المائة وزادت ضريبة القيمة المضافة على الكهرباء من سبعة في المائة إلى 17 في المائة، ووافقت أيًضا على قانون جديد للاستثمار يهدف إلى تحسين مناخ أنشطة
الأعمال في القطاع غير النفطي.
ويأتي الإعلان عن استراتيجية النمو الجديدة بعد التدني الكبير في القوة الشرائية للمواطن الجزائري مما أدى إلى زيادة الاحتجاجات، التي لم يعد النظام قادًرا على امتصاصها من خلال ضخ أموال للتخفيف من حدتها، أو من خلال الإعلان عن وعود تتضمن إنجاًزا سريعًا لمشاريع التنمية؛ فمنذ أن استمر التراجع في أسعار النفط وتراجعت عائدات النفط الجزائري 41 في المائة بنحو 7.35 مليار دولار في عام 2015.
وكانت الحكومة قد نجحت إلى حد كبير في خفض الميزانية وإيجاد مصادر إضافية للدخل للتعامل مع هذا المأزق. ولكن هذه الحلول مؤقتة لأنها تعتمد على السحب من احتياطيات النقد الأجنبي (اللازمة لدفع ثمن الواردات، خصوصا المواد الغذائية)، وقد تم بناء هذه الاحتياطيات لتصل إلى نحو مائتي مليار دولار قبل عام 2013، وفي عام 2015 انخفضت هذه الاحتياطيات 22 في المائة إلى 143 مليار دولار.
والأوضاع الاقتصادية المتأزمة في الجزائر تُشير إلى أن البلاد تواجه مأزقا اقتصاديا خطيرا،ُمشابها للأزمة التي حدثت في عام 1986 والمترتبة على الانهيار الكبير لأسعار النفط، وما نتج عنه من أزمة اقتصادية حادة آنذاك، وتلت الأزمة النفطية لعام 1986 .أزمة اقتصادية حادة في الجزائر، بسبب انهيار القدرة الشرائية للمواطنين
وفقدان المواد الغذائية في المحلات التجارية، والتضخم الكبير الذي تجاوز 42 في المائة، ما دفع إلى انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 1988 التي أنهت نظام الحزب الواحد، وأحلت محله نظام التعددية السياسية.
وأعلنت الحكومة الجزائرية برنامجا للتقشف وترشيد النفقات العامة لتفادي تسجيل عجز مالي كبير خلال العام المالي المقبل. ومن غير المستبعد أن تلجأ الحكومة إلى تقليص أجور الموظفين والإطارات، ولو بنسب ضئيلة، استكمالاً لإجراءات موازية لوقف التوظيف، إلا في حدود ضيقة، وقال جان فرنسوا دوفين رئيس قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي، إن الجزائر لديها القدرة على إجراء التحول الاقتصادي بشكل سلس ولكن
ينبغي تسريع التنويع الاقتصادي من خلال الإصلاحات الُمعلن عنها من قبل الحكومة. وأشار دوفين إلى أن الجزائر نجحت في مواجهة انهيار أسعار النفط نتيجة سياسات سابقة اتخذتها من بينها زيادة احتياطيات النقد والمدخرات الضريبية إلى جانب تسديدها المسبق للديون الخارجية؛ وهو ما أعطاها هامشا كبيرا للتحرك يجعل نموها
الاقتصادي صامدًا نسبيًا.