تونس ـ حياة الغانمي
أكد علي بوعزيزي عضو نقابة صانعي المصوغ، وعضو مجلس الحرفة في تونس، أنه من العبث الحديث عن تحرير قطاع الذهب والاستغناء عن الطابع، واعتبر أن أخر من يتكلم عن قطاع الذهب هو التاجر، فالحرفي وحده من يعرف خفايا القطاع، وهو الذي يملك طابع الذهب ويعرف أكثر من غيره مزايا طابع المطابقة.
وأضاف بوعزيزي في تصريحات خاصة إلى "المغرب اليوم"، قائلًا إن نقابتهم تطالب بتغيير شكل الطابع، وأفراد كل صنف بطابع خاص به، وأن توفير نفس شكل طابع المطابقة والمتمثل في شعار تونس لقطع الذهب عيار 9 وكذلك للقطع عيار 18 تفتح باب الغش على مصراعيه، وباعتبار أن الحرفاء لا يميزون ببن الصنفين ويمكن بالتالي أن يشتري قطعة عيار 9 على أساس أنها عيار 18، ولهذا تدعو النقابة إلى أفراد كل صنف بشكل طابع معين، مثلما في السابق عندما كانطباع الذهب عيار 9 يحمل شكل عقرب، بينما يحمل عيار 18 شكل رأس خروف.
وبالنسبة إلى مزايا طابع المواصفة، قال إنه هو الضامن الوحيد الذي يحمي الحرفاء من الغش، ويحمي الحرفيين ايضا، مضيفًا أنه في حال الغي الطابع سيندثر 1250 حرفيًا، وستغرق أسواق الذهب في الغش وسيفتح باب التوريد العشوائي والسوق الموازية. وأكد أن القطاع غارق في المشاكل ويعيش صعوبات كبيرة جدا، ومن أكبر المشاكل التي تواجه الحرفيين والتجار السوق الموازية وفوضى التهريب. وانفتح على السوق الموازية وأصبح يعيش حالة تسيب وانفلات تام حسب قوله. وأكد السيد علي بوعزيزي أن السوق الموازية أحدثت أزمة حقيقية للقطاع، وأربكته كليا، فأسواق المصوغ غرقت بذهب التهريب، فقد تسللت إليها كميات كبيرة من الذهب الوافد من الخارج.
ففي سنة 2012 تم تسجيل دخول 945 كلغ من الذهب مصنع في تركيا فقط دون بقية الأقطار الأخرى، وفي الثلاثي الأول من سنة 2013 تم تسجيل دخول 425 كلغ، في حين بلغ في سنة 2015 ما يقارب 3 طن من الذهب المصنع من نفس البلد أي تركيا، استنادا إلى أرقام تنشرها مجلة رسمية تركية تحدد الكميات التي تسوّق من تركيا إلى كل بلد.
وتابع بوعزيزي أن هذا الذهب المهرّب ساهم في انتشار التجار والمحلات غير المرخصة، إلى جانب تجار "الشنطة" الذين تكاثروا بصفة كبيرة، هذا كله جعل الحرفي والتاجر، أي أهل المهنة الرسميين والقانونين في حالة كساد وبطالة شبه تامة، بسبب غياب الرقابة والمراقبة. وطالب بتكثيف الرقابة على سوق البركة وعلى كامل محلات بيع المصوغ في كامل أنحاء الجمهورية قصد تطهير القطاع من الدخلاء والعابثين والمدلسين والمتحيلين. وأكد أنه توجد كميات كبيرة من الذهب المغشوش في جميع الأسواق. وقال إن كمية الذهب المغشوش يمكن أن تصل إلى 70 في المائة من الكميات الجملية في الأسواق. ودعا سلطة الأشراف إلى التدخل لفائدة القطاع حتى يرفع الدخلاء أيديهم عن الذهب.
وواصل رئيس الغرفة الجهوية للمصوغ في تونس ورئيس تعاضدية النجم الذهبي في تونس محمود الرعاش، أنهم متمسكون بالدراسة التي كان قد تقدم بها المهنيون، والتي تنص على تحرير الذهب بشكل تدريجي مع حماية أهل المهنة من التدخلات الأجنبية، ومنها التوريد العشوائي والسوق الموازية وتحريره من الدخلاء.
واعتبر أن الحرفيين تواجههم العديد من العراقيل التي يضعها أمامهم إداريون لا علاقة لهم بأهل المهنة ولا بالذهب على غرار تكليف إداري بوزارة المالية لدراسة ملف المصوغ والحال أن الصناعات التقليدية لم تعد من مشمولات المالية أصلا. ودعا إلى مراقبة رخص التجار ومراقبة الأسواق. وقال إن الدراسة التي تقدموا بها تنص على أن الفاتورة ضرورية وأنه لا بد من المراقبة بالآلات الحديثة مع تغيير شكل الطابع وأفراد كل صنف بشكل معين.
وقال الحرفي خيار الدين الهيشري، إنه من المعروف في مجال المصوغ أنه يخضع لرقابة دقيقة تكون عن طريق "طابع دار الضمان"، وعن طريق المخبر المركزي؛ حماية له من الغش والتزوير، لكن الأمر تغير كليا حسب ما أكده لنا؛ فالمراقبة غابت كليّا في السنوات الماضية، ولم تفعّل إلا قبل أشهر، ولكنها بقيت رقابة محدودة وغير مجدية، في ظل إغراق السوق بالذهب المهرب والمغشوش. فمراقبة المصوغ باعتماد "طابع المطابقة"، لم تعد ذات فاعلية، ولم تعد قادرة على حماية السوق، بل يجب أن تتغير إلى مراقبة "العيار" وطابع العرف، لأنه أدق وأكثر مصداقية وحماية للمصوغ وللقطاع، فالطابع المعتمد في رقابة المصوغ، أي المطابقة، تم اختراقه ووقع تزويره، وصنع نظائر له انتشرت في عديد المناطق والأسواق، فنصبت معامل مغشوشة تستقطب الذهب خليطا من مختلف العيارات ومن مختلف المصادر الداخلية والخارجية، أي من الحرفاء ومن المهربين، وانتشر التصنيع بعيدا عن أي رقابة استنادا إلى ذلك "الطابع" المدلس.
وهذا ما أغرق السوق بالذهب المغشوش الذي يفتقد إلى "العيار" السليم الرفيع، واعتبر أن تغيير الطابع أربك القطاع وأضرّ به وهمّشه كليا، بعد أن فتح أبواب الغشّ والتحيّل على مصراعيها. والمعروف والمعمول به في قطاع المصوغ أن الحرفي يقتني المادة الخام من الذهب من البنك المركزي في نظام حصص شهرية منظمة ومحددة كمّا ونوعا، ويقدر نصيب الحرفيين البالغ عددهم 1250 حرفي بالجمهورية التونسية بـ 200 كلغ شهريا ثم تقلصت فيما بعد لتصبح 100 فقط حسب ما أفادنا به الهيشري، وهذا الأمر بعثر عملهم وأفقده فاعليته، فالنقص كبير ومؤثر للغاية حين يكون بهذا الحجم. وأضاف أنهم عقدوا في هذا الصدد عدة لقاءات واجتماعات، وتواصلوا مع كل الأطراف، لكن لم يصلوا إلى أي حل.
ويشتكي الحرفيون والتجار من ارتفاع الأداءات وتراكم الديون، خاصة في ظل كساد كبير يشهده القطاع بسبب تلك المشاكل المذكورة، أي النقص في المادة الخام والفوضى والتهريب والغش والتزوير وغيرها من المشاكل الأخرى، وأكد السيد حرفيي المصوغ أن المديونية والكساد عمّقت أزمة القطاع، خاصة في ظل عمليات مضاعفة الضريبة في حال الـتّأخر على الدفع لسبب ما، فمثلا كل حرفي مطالب بدفع مبلغ 10 دينار في حال عدم الإنتاج، وإن تأخر على دفعها يتم ترفيعها إلى 35 دينارا في بضع أيام.
وأمام هذه الأوضاع المعقدة والصعبة اضطر العديد من الحرفيين إلى الانقطاع عن المهنة وغلق محلاتهم، والركون إلى البطالة أو التوجه إلى قطاعات أخرى، كما أن عددا كبيرا أفلس ودخل في مشاكل مالية ومديونية عالية وقضايا عدلية. وفي حين واصل البقية التمسك بمهنتهم والصبر والتواصل مع الأطراف المعنية، وحثها ومطالبتها بالإسراع في التدخل لإنقاذ القطاع