برلين - المغرب اليوم
ربما تحقق ألمانيا هذا العام رقمًا قياسيًا في مجال التوظيف وتُسجل في كتاب «غينس»، إذ إن إجمالي عدد فرص العمل الشاغرة قد يتخطى المليون حتى نهاية 2018. وهذا مستوى تاريخي لم تشهده ألمانيا منذ عملية توحيدها المكلفة جدًا في عام 1989. ويعزو الخبراء الألمان هذا العدد الهائل من الوظائف الشاغرة إلى نتائج خروج بريطانيا من فضاء الاتحاد الأوروبي وكأن مصائب قوم عند قوم فوائد.
وفي هذا الصدد، تقول كريستيانه هنكل، الخبيرة في سوق العمل، إن كثيرًا من الشركات متعددة الجنسيات تستعد لمغادرة المملكة المتحدة مما يجعل هذه الشركات في حاجة ماسة إلى يد عاملة كفؤة على جميع المستويات ومن مختلف الجنسيات في أوروبا وبالأخص في ألمانيا.
وتتابع الخبيرة «في المقام الأول توجد المجموعات المصرفية الكبيرة التي تهمّ بنقل مقراتها الرئيسية من لندن إلى عواصم أوروبية أخرى. وتأمل هذه المصارف مباشرة في هجرتها التجارية خلال الربيع. لذا ينبغي على إداراتها إنجاز جميع المعاملات اللازمة ومن ضمنها التحضيرات اللوجيستية والخطوات الإعلانية والإعلامية والعمالية بأسرع ما يمكن».
ووفق تقديراتها، تعتبر مصارف «غولدمان ساكس» و«جي بي مورغان» و«مورغان ستانلي» من بين أبرز هذه المجموعات، وها هي اليوم في مرحلة اختيار وتوظيف موظفين جدد لها في ألمانيا بهدف تنفيذ عملية الانتقال الجغرافية بأدنى التكاليف والصدمات المحتملة.
ومن المتوقع أن تفتح هذه المصارف الأميركية أهم مكاتبها في مدينة فرانكفورت خلال الأشهر القليلة المقبلة، علمًا بأن تكاليف نقل جميع طواقمها العمالية من لندن إلى ألمانيا باهظة جدًا، لذا، فإنها خططت لاختيار نخبة منهم للعمل في فرانكفورت إلى جانب تعيين موظفين جدد في ألمانيا لديهم خبرات عميقة، خصوصًا في مجال إدارة المخاطر المالية وإدارة المكاتب الخلفية وإدارة الالتزام وتقنية المعلومات المصرفية. وسيتم اختيار من لديهم كفاءة عالية في التجارة والصيرفة الاستثمارية وإدارة الأصول الدولية.
ووفق الخبيرة الألمانية، فقد اتخذت السلطات التنظيمية الأوروبية موقفًا واضحًا وصريحًا فيما يتعلق بالقطاع المصرفي، لا سيما في موازاة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي يضم اليوم 28 دولة. فالمجموعات المصرفية الأجنبية المتمركزة في لندن عليها الفصل بصورة واضحة ومستقلة بين مكاتبها الأمامية والخلفية من جهة وإداراتها الموجودة في لندن من جهة ثانية. بمعنى آخر لن يُسمح لهذه المصارف بنقل موظفيها من لندن إلى ألمانيا أو إلى أي دولة أوروبية أخرى دون العمل على توفير فرص عمل جديدة تستوطن في وجهاتها التجارية الأوروبية الجديدة.
ولمجاراة هذه القوانين يخطط مصرف «غولدمان ساكس»، على سبيل المثال، لمضاعفة عدد موظفيه في فرانكفورت، الذي يرسو عددهم الإجمالي على 400 موظف. وقد بدأت آلية التوظيف الأولية عملها، ولكن بصورة بطيئة. أما مصرف «مورغان ستانلي» فهو ينوي توطيد وجوده في فرانكفورت عن طريق توظيف ما لا يقل عن مائتي موظف، خصوصًا في مجال إدارة مخاطر السيولة المالية.
في سياق متصل، يقول توماس غودوين، الخبير المالي في فرانكفورت، إن ما يتوافر من وظائف شاغرة في القطاع المصرفي الألماني ينبغي إضافته إلى كثير من الوظائف الجديدة المتوفرة هنا. في الوقت الحاضر يصل إجمالي عدد العاملين في القطاع المصرفي إلى 60 ألفًا في فرانكفورت مقارنة بـ360 ألفًا في لندن. ما يدفع كثيرًا من الألمان المقيمين في لندن إلى التفكير في العودة إلى وطنهم بسرعة لاقتناص وظيفة إستراتيجية قد تكون فرصة العمر لهم.
ويضيف هذا الخبير أن نمو الطلب على التوظيف سيكون له صدى إيجابيًا في ألمانيا. فتدفق خبراء المال إلى فرانكفورت سوف ينشط قطاعات حيوية كثيرة، حيث سيجلب معه زيادة في الطلب على الخدمات والسلع ابتداء بتأجير الشقق والتسجيل في المدارس ورفع وتيرة حركة السوق والرعاية الصحية.