واشنطن - المغرب اليوم
تراجعت الأسواق العالمية بداية تعاملات هذا الأسبوع بمستويات كبيرة، للدرجة التي دفعت الكثير إلى تشبيه ما حدث بسيناريو "الاثنين الأسود" لعام 1987، حينما انهارت الأسواق العالمية قبل نحو 37 عاما.
وهبطت سوق الأسهم اليابانية، الاثنين، إلى أدنى مستوياتها في 37 عاما، قبل أن تعوض جزء من خسائرها، الثلاثاء، وترتفع بنسبة 12 بالمئة. فيما ارتفع مؤشر الخوف "VIX index" في سوق الأسهم الأميركية، بثاني أكبر وتيرة منذ عام 1990، وسط حالة من الذعر بين المستثمرين، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.
ومؤشر الخوف، هو مقياس لتقلبات مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في الوقت الحقيقي والتوجهات المستقبلية بالنسبة للمتداولين، إذ يعني الارتفاع إلى تقلبات أكثر حدة في أسعار الأسهم.
وتسببت بيانات الوظائف الأميركية الصادرة قبل أيام في هذا التحول المفاجئ من سردية "الهبوط الناعم" للاقتصاد الأميركي إلى "الهبوط الحاد"، إلى جانب "المبالغة" في الدعاية حول مستقبل الذكاء الاصطناعي واحتمالية رفع أسعار الفائدة من جانب بنك اليابان بهدف تعزيز الين، وفقا لـ"وول ستريت جورنال".
والجمعة، قالت وزارة العمل الأميركية، إن الوظائف غير الزراعية زادت 114 ألف وظيفة في الشهر الماضي، وهو رقم أقل بكثير من متوسط توقعات الخبراء. كما قفز معدل البطالة إلى 4.3 بالمئة، وهو ما يقرب من أعلى مستوى في 3 سنوات.
وبحسب "وول ستريت جورنال"، فمن الأمثلة "المتطرفة" لتأثيرات الأحداث السابقة الناجمة عن هبوط الأسواق العالمية ما حدث عام 1987 المعروف بـ"الاثنين الأسود"، وانهيار شركة إدارة رأس المال طويل الأجل عام 1998، والأزمة المالية العالمية في 2008.
امتدت موجة بيع في سوق الأسهم في جميع أنحاء العالم، مع انزلاق المؤشرات الأميركية إذ دفعت المخاوف من تباطؤ الاقتصاد في الولايات المتحدة الأسهم العالمية إلى التراجع، بينما تصدرت أسهم شركات الطاقة والمرافق الخسائر على نطاق واسع.
وكان الهبوط الأكبر في "وول ستريت" التي استمرت خسائرها الكبيرة للجلسة الثالثة على التوالي، وأنهت جلسة أمس الإثنين على تراجع مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بنسبة ثلاثة في المئة، في أكبر انخفاض يومي منذ سبتمبر (أيلول) 2022، وهبوط مؤشر "ناسداك 100" بنسبة ثلاثة في المئة، ماحياً نحو 900 مليون دولار من القيمة السوقية، فيما سجلت المؤشرات الثلاثة الرئيسة "ستاندرد أند بورز" و"ناسداك" و"داو جونز"، أكبر انخفاضات لها على مدار ثلاثة أيام منذ يونيو (حزيران) 2022، وتراجع مؤشر "العمالقة السبعة"، الذي يقيس أكبر سبع شركات تكنولوجيا بالعالم بنسبة 4.3 في المئة.
واجتمعت عوامل عدة في هذا الانهيار الكبير، لكن مصدره الأساس "وول ستريت" التي بدأت تراجعاتها الخميس الماضي، ثم هوت بشكل كبير الجمعة على وقع بيانات سلبية جداً للوظائف الأميركية وارتفاع كبير في البطالة، وكان ذلك مؤشراً للمستثمرين بأن الاقتصاد قد يدخل في مرحلة ركود، فحدثت موجة بيعية ضخمة هوت بالأسواق، وسرعان ما لحقت بالسوق الأميركية أسواق الخليج أول من أمس الأحد ثم الأسواق الآسيوية فالأوروبية.
وزاد من حدة الهلع عوامل جيوسياسية مثل الخوف من نشوب حرب موسعة في الشرق الأوسط بعد تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، وهو أمر قد يؤثر في ارتفاع النفط والتضخم في اقتصادات العالم. وبسبب حالة الهلع، أغلق مؤشر "مقياس الخوف" عند أعلى مستوى منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2020.
ودفع ذلك إلى تبدل التوقعات سريعاً لخفض الفائدة، إذ ارتفعت رهانات المستثمرين بنسبة 86 في المئة لاحتمال خفض 0.5 في المئة في سبتمبر (أيلول) المقبل، بدلاً من 0.25 في المئة، وذهب بعضهم لاحتمالية عقد "الفيدرالي" اجتماعاً استثنائياً هذا الشهر إذا استمرت الخسائر، وهو أمر مستبعد حتى الآن.
وعلى رغم الهبوط القياسي، إلا أن التراجعات فتحت فرصاً عدة للشراء في الأسهم، وظهر بعضها من خلال تراجع قوي لمكررات الربحية (سعر السهم إلى ربحية كل سهم).
وشهدت الأسهم التكنولوجية الكبرى انخفاضات قوية، أبرزها أسهم "إنفيديا" التي طارت 20 في المئة من قيمتها منذ بداية هذا الشهر، بعد أن كانت الشركة نجم الصعود القياسي في "وول ستريت" على مدار أكثر من عام، علماً أن أسهمها ما زالت مرتفعة بنسبة 120 في المئة في عام.
وانخفض سهم "أبل" بنحو خمسة في المئة متأثراً بالهبوط في الأسواق، وإضافة إلى ذلك تأثرت بخبر بيع شركة المستثمر العالمي وارين بافيت نحو 50 في المئة مما تملكه في "أبل" في الربع الثاني، وبحجم 80 مليار دولار تقريباً.
وقال بنك "جيه بي مورغان" إن عمليات البيع الأخيرة في أسهم التكنولوجيا انتهت تقريباً، وأن فرصة جيدة لشراء هذه الأسهم بأسعار أقل تقترب.
وفي سوق السندات أصبح العائد على سندات الخزانة القصير الأجل مدة عامين، مقارباً تقريباً لعائد 10 سنوات، إذ أدى الطلب القوي على سندات العامين إلى انخفاض العائد إلى 3.89 في المئة، بينما عائد السنوات الـ10 عند 3.78 في المئة.
وأغلقت العقود الآجلة لخام "برنت" 51 سنتاً أو 0.66 في المئة إلى 76.30 دولار للبرميل عند التسوية، بعد أن جرى تداول الأسعار في وقت سابق عند أدنى مستوياتها منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، وهبط خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 58 سنتاً أو 0.79 في المئة مسجلاً 72.94 دولار.
ووفق الصحيفة الأميركية المتخصصة في عالم المال والأعمال، فإن التاريخ لا يكون متشابها بشكل دقيق، لكن حتى الآن يبدو ما حدث هذا الأسبوع أقرب إلى نسخة "أخف" مما وقع عام 1987، مقارنة بالأزمة المالية العالمية السابقة في 2008.
وفي عام 1987، شهدت سوق الأوراق المالية أكبر هبوط لها في يوم واحد على الإطلاق، إذ انخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بأكثر من 20 بالمئة.
وجاء الهبوط الحاد بعد ارتفاعات مذهلة في الأسهم بلغت أعلى مستوى خلال أغسطس السابق من ذات العام، بعدما راكم المستثمرون على نحو مفرط من الروافع المالية (الاقتراض من أجل الاستثمار في سوق الأسهم)، بحسب "وول ستريت جورنال".
وعلى إثر ذلك، تدخل الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) من أجل ضخ سيولة في البنوك، إذ لم تتخلف شركات السمسرة عن سداد الديون، فيما استردت السوق كل خسائرها في غضون عامين.
و"الخبر الجيد" هنا، وفق الصحيفة، أن عام 1987 كان كله يدور حول أسواق الأوراق المالية، حيث ارتفعت ثم عادت إلى الانخفاض.
وخلال عام 1987، كان مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" حقق ارتفاعا بنحو 36 بالمئة خلال الأشهر الثمانية حتى ذروته في أغسطس، وهو ما يشبه ارتفاعا بنسبة 33 بالمئة التي شهدها في الأشهر الثمانية الماضية حتى أعلى مستوى له هذا العام.
وكما حدث في عام 1987، فقد جاءت مكاسب هذا العام على الرغم من السياسة النقدية المتشددة وارتفاع عائدات السندات، طبقا لـ "وول ستريت جورنال"، التي قالت إنه "كما هو الحال اليوم، كان المستثمرون عام 1987 متوترين ومستعدين للبيع لتأمين الربح غير المتوقع".
أنشئت "قاعدة ساهم" على يد كلوديا ساهم، الخبيرة الاقتصادية السابقة في الاحتياطي الفدرالي الأميركي والبيت الأبيض.
"ينبغي أن نعتبر أنفسنا محظوظين"
أما في عام 1998، كان الوضع "أسوأ بكثير" وإن كانت الأسهم تعافت بسرعة أكبر مقارنة بعام 1987، حيث انهار صندوق التحوط الخاص بإدارة رأس المال طويل الأجل "LTCM" على خلفية تخلف روسيا عن سداد ديونها المحلية.
وكان صندوق "LTCM" كبيرا بما يكفي لتهديد مؤسسات "وول ستريت" في نيويورك بالانهيار، حيث دفع ذلك الاحتياطي الفدرالي إلى خفض أسعار الفائدة 3 مرات لدعم البنوك لإنقاذ الصندوق وتقليص صفقاته ببطء.
ولم تستغرق الأسهم سوى 4 أشهر للتعافي، لكن "الأموال السهلة" (توفير السيولة بفائدة منخفضة) ساعد في تأجيج فقاعة "الدوت كوم"، التي انفجرت بعد عامين وأدت إلى "ركود معتدل"، وخسائر فادحة للمستثمرين في أسهم التكنولوجيا.
ووفق الصحيفة، يراهن المتعاملون في الوقت الراهن على أن الاحتياطي الفدرالي سوف يخفض أسعار الفائدة، مع خفض كبير بنسبة 50 نقطة أساس خلال اجتماع سبتمبر المقبل.
ويستبعد التقرير أن تكون نتيجة ما حدث في الأسواق هذا الأسبوع تكرارا للأزمة المالية العالمية عام 2008، مشيرا إلى أن "الوضع المثالي هنا هو تراجع الفائض في سوق الأسهم كما حدث عام 1987 دون إحداث مشاكل واسعة النطاق، ونأمل أن يتم ذلك بشكل تدريجي أكثر من 1987".
وأضافت الصحيفة: "إذا هدأ الذعر، وخفض الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة، ولم يحدث أي شيء في النظام المالي، فينبغي لنا أن نعتبر أنفسنا محظوظين".
قد يهمك أيضــــــــــــــا
هبوط الأسهم الأميركية وسط حذر المستثمرين قبيل قرار "الفيدرالي"