الرياض - المغرب اليوم
سجلت أسعار النفط أعلى مستوياتها منذ يوليو /تموز 2015، وتجاوز برميل خام برنت ظهر الإثنين سعر 62 دولارا. وتواصل الأسعار ارتفاعها للشهر الخامس على التوالي، بصعود نسبته 35 في المائة من أقل مستوى سجلته في منتصف يونيو /حزيران من العام 2017. واقترب سعر مزيج غرب تكساس من تسجيل أعلى مستوى له هذا العام وبلغ ظهر الإثنين 56 دولارًا للبرميل، مرتفعًا بواقع 27 في المائة عن الفترة ذاتها.
واستفاد المزيجان، لا سيما مزيج برنت، من الكثير من مؤشرات الانتعاش خلال الأسابيع الأخيرة، مثل تراجع الإنتاج وتحسن الطلب العالمي واستمرار تراجع المخزون الذي يعد من أهم أهداف منظمة الدول المصدر للنفط "أوبك"، وأخيرًا تباين إنتاج النفط الصخري وتصاعد المخاطر الجيوسياسية، وقال تقرير صادر عن قسم الأبحاث والدراسات في بنك الكويت الوطني إن "اتفاقية خفض الإنتاج بين الدول التابعة لمنظمة أوبك وبعض الدول من خارجها بقيادة روسيا، ساهمت في التخفيف من وفرة الإنتاج والمخزون في السوق، إذ تجاوز الالتزام نسبة 100 في المائة خلال معظم فترة العشرة أشهر التي استغرقتها الاتفاقية، ولعبت بعض الدول المنتجة مثل السعودية وروسيا دورًا مهمًا في التأثير على الرأي العام، حيث قامت بربط التراجع الملحوظ في المخزون التجاري بالجهود التي تقوم بها.
وتراجعت بالفعل مخزونات النفط والمنتجات منذ أعلى مستوى سُجل في يوليو /تموز 2016، ولكن بوتيرة بطيئة، حيث تراجع المخزون إلى 3.051 مليار برميل في أغسطس/آب الماضي، أي بنسبة 2.9 في المائة ٩٠ مليون برميل من أعلى مستوى، والذي بلغ 3.104 مليار برميل قبل ثلاثة عشر شهرًا، ويعد مستوى المخزون في آب بعيدًا عن متوسط الخمس سنوات البالغ 2.854 مليار برميل، وذلك بواقع 170 مليون برميل، إلا أن ذلك يعكس زيادة مستوى الهدف الذي يعد متوسطًا متحرّكًا".
اطمئنان الأسواق
وطمأنت الدول التي وقعت على اتفاقية الخفض الأسواق بعد أن بيّنت رغبتها في تمديد مدة الخفض حتى نهاية العام 2018، وستعقد المجموعة اجتماعها في الثلاثين من نوفمبر /تشرين الثاني الجاري في فيينا لمناقشة التطورات وبحث إمكانية تمديد فترة الخفض، بالإضافة إلى وضع استراتيجية مناسبة لإنهائها وتجنب عودة الإنتاج بكثرة بعد وقف الاتفاقية، ولكن ليس واضحًا ما إذا سيتم الإعلان عن ذلك قريبًا بشكل رسمي، فقد تقرر أوبك الانتظار لحين اقتراب موعد انتهاء الاتفاقية في مارس /آذار لإعلان ذلك، ومن جانب آخر سيستفيد وضع إنتاج النفط الصخري من استمرار الخفض، بسبب الحالة المطولة من عدم اليقين.
وأضاف التقرير أنه على أي حال، فإن الانتعاش الذي دام أربعة أشهر يعكس بوضوح أن الأسواق بدأت في التأقلم، في سوق العقود الآجلة، شكل المنحنى العكسي لأسعار برنت الآجلة - الذي يكون سعر التوصيل المتاح فيه أعلى من الأسعار الآجلة لصالح أوبك - دعمًا للأسعار المتاحة، وساعد على التقليل من تخزين النفط الخام، ومع تراجع أسعار النفط، يقل دور التحوّط الذي استغلته شركات إنتاج النفط الصخري بشكل فعال للحفاظ على العوائد خلال فترة تدني أسعار النفط، ويجب على أوبك ألّا تتراجع عن التزامها، إذ أن أقل تغير في الالتزام سيؤدي إلى وفرة بيع في السوق، وانتعشت عمليات المضاربة في صناديق التحوط بشكل كبير مع تضاعف مراكز الشراء والبيع، وتراكمت مراكز الشراء لمزيج برنت بقيمة لا تقل عن 34 مليار دولار، إذ يعد هذا المستوى تاريخيًا، وقد يقل مع أي خطوة غير مناسبة من قبل أوبك"
نمو الطلب
وشهد نمو الطلب العالمي قوة غير متوقعة في العام 2017، وقد يتجاوز في نهاية العام مستوى الإنتاج بنسبة كبيرة. وتوقعت وكالة الطاقة الدولية نمو الطلب في 2017 بنحو 1.6 مليون برميل يوميًا أي بنسبة نحو 1.6 في المائة، ما يعني أن هناك فارقًا بينه وبين نمو الإنتاج العالمي المتوقع بواقع 1.3 مليون برميل، ذلك إذا ما تم الإنتاج عند مستوياته الحالية، ويتراجع المخزون بحلول نهاية العام بواقع 130 مليون برميل أو 0.4 مليون برميل يوميًا.
وجاءت قوة الطلب نتيجة تحسن الاقتصاد العالمي، وفق ما أشار إليه صندوق النقد الدولي في تقريره عن الاقتصاد العالمي، وفيما يخص النفط، فساهم رفع توقعات نمو الاقتصاد الصيني في دعم مراجعة نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، حيث تشكل الصين 12 في المائة من الطلب العالمي على النفط، مع تصدر كل من غاز البترول المسيّل والغازولين والديزل قائمة أكثر المنتجات المكررة تأثيرًا على حركة الطلب.
توقعات 2018
ويتوقع التقرير أن تختلف الأوضاع في العام 2018. حيث من المحتمل أن يتجاوز الإنتاج نمو الطلب، ذلك إن صحّت تقديرات وكالة الطاقة الدولية، إذ تتوقع الوكالة أن يصل نمو الطلب إلى 1.4 مليون برميل يوميًا وأن يصل نمو إنتاج الدول من خارج أوبك إلى 1.5 مليون برميل يوميًا، ومن المتوقع أن تكون أميركا المساهم الأكبر في إنتاج الدول من خارج أوبك بنسبة 1.1 مليون برميل يوميًا، ويأتي ذلك بعد الزيادة في العام 2017 التي تبلغ 0.47 مليون برميل يوميًا، ويبدو أن إنتاج أميركا بدأ بالتعافي ليعود إلى مستويات ما قبل إعصار هارفي عند ما يقارب 9.5 مليون برميل يوميًا.
ومن المحتمل أن يتراجع إنتاج النفط الصخري بداية 2018 مع تناقص عدد حفارات التنقيب منذ يونيو "حزيران" الماضي، إذ تراجع عددها في العشرة أسابيع الماضية، ويوجد في العادة تأخرًا لفترة ستة أشهر لحين تأقلم الإنتاج مع التغير في بيانات الحفارات، وإذا جاء نمو إنتاج النفط الصخري في العام 2018 كما تتوقعه وكالة الطاقة الدولية فمن المحتمل أن يتراكم المخزون بدلًا من أن يتراجع، وقد يؤدي ذلك مرة أخرى إلى تأخير تحقيق التوازن في السوق الذي لطالما استهدفته منظمة أوبك، الأمر الذي يفسر رغبة المجموعة بتمديد خفض الإنتاج حتى نهاية العام المقبل.
المخاطر تنعش الأسعار
يذكر أن الأسعار انتعشت في تشرين الأول الماضي وبداية نوفمبر /تشرين الثاني الجاري، بفعل عودة المخاطر الجيوسياسية بعد أشهر من الهدوء النسبي، إذ أصبحت الأسواق قلقة بشأن تدفق النفط من بغداد كحل وسط في مواجهة حكومة إقليم كردستان، وذلك بعد أن قامت الأخيرة بالبدء بعملية الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، ما أغضب كل من إيران، وتركيا التي هددت بإغلاق خط الأنابيب الرئيسية لنقل النفط الكردي عبر تركيا للأسواق العالمية (والنفط الفيدرالي العراقي أيضاً من حقول نفط كركوك، وتشير التقارير إلى تراجع الصادرات من أنابيب النفط من حقول العراق الشمالية بواقع 60 في المائة خلال الشهر الماضي، من متوسط 600 ألف برميل يوميًا إلى 240 ألف برميل يوميًا.
وازدادت مخاوف الأسواق أيضًا بعد أن رفض الرئيس الأميركي دونالد ترمب المصادقة على الاتفاق النووي الإيراني المعروف أيضًا باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، ومنح الكونغرس مهمة اتخاذ القرار في شأن رفض الاتفاق أو إعادة فرض عقوبات اقتصادية على طهران. إذ أن أمام الكونغرس نحو شهرين لاتخاذ القرار، وتعد التطورات الجيوسياسية والمخاطر التي تفرض على مستوى الإنتاج جزءًا لا يتجزأ من حركة أسواق النفط.