الرباط - المغرب اليوم
ينتمي إقليم اشتوكة آيت باها إلى جهة سوس ماسة، ويطلق عليه “رئة المغرب الغذائية”، بالنظر إلى حجم الصادرات من الخضر والبواكر وتمركز مئات الضيعات الفلاحية بسهل اشتوكة، إقليم يمتص عمالة مهمة في المجال الزراعي، إذ يشكل منطقة استقبال لآلاف المغربيات والمغاربة العاملين في تلك الضيعات، ما حوله إلى منطقة استقرار أيضا لهؤلاء، استقرار أفرز ارتفاع الكثافة السكانية، مع ما يواكب ذلك من ضغط على الخدمات الأساسية، لاسيما في مجالي الصحة والتعليم.
وإذا كان سهل اشتوكة فرض تحديات كبرى، تتعلق أساسا بحجم الاستثمارات في القطاع الفلاحي التي تجلب تدفقات بشرية أفرزت حاجتها إلى سيل من الخدمات والبنيات الأساسية، فإن المنطقة الجبلية للإقليم عانت لعقود من الزمن من عزلة ومن خصاص مهول في مختلف البنيات، لاسيما الطرقية والصحية والتعليمية، أملتها الطبيعة الجغرافية للمنطقة، فضلا عن تصورات للتنمية من طرف مدبري الشأن المحلي أظهرت السنوات عقمها وغياب النجاعة وبعد النظر لديهم.
ولأجل تجاوز كل تلك النقائص والتحديات التنموية، وتماشيا مع العناية الملكية بالعالم القروي، مع إطلاق الملك برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، الذي يشكل ترجمة للاهتمام الكبير الذي يوليه العاهل المغربي لساكنة العالم القروي، انخرطت السلطة الإقليمية، منذ سنة 2017، في تنزيل عدد من المشاريع الهادفة إلى فك العزلة عن الساكنة القروية بالإقليم وتحسين ظروف عيشها، وولوجها إلى الخدمات الأساسية في مجال الطرق والمسالك القروية والماء الصالح للشرب والتعليم والصحة.
فوفقا لمعطيات رسمية بلغت التكلفة الإجمالية لمشاريع تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بإقليم اشتوكة آيت باها، منذ سنة 2017 إلى اليوم، أزيد من 65 مليار سنتيم، همت 125 مشروعا، حظيت فيها الطرق والمسالك القروية بأكثر من 90 في المئة بإنجاز نحو 520 كيلومترا بمختلف جماعات الإقليم. أما في المجال الصحي فجرى تشييد 5 مراكز صحية و4 مستوصفات و16 مسكنا وظيفيا، مع اقتناء 9 سيارات إسعاف.
أما في مجال التعليم فتم تشييد 3 مؤسسات تعليمية ابتدائية، وداخلية واحدة، فضلا عن 32 حافلة للنقل المدرسي. وفي مجال تزويد الساكنة بالماء الشروب جرى تنفيذ البرنامج بـ 5 دواوير، تم ربطها بالماء الشروب؛ وكلها مشاريع جاءت ممولة بالأساس من صندوق التنمية القروية في إطار برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، فضلا عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وجهة سوس ماسة.
عبد السلام موماد، عن فيدرالية النسيج الجمعوي بمنطقة “إدوكاران”، بجماعة واد الصفا، اعتبر ضمن تصريح لهسبريس أن برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بإقليم اشتوكة آيت باها، الذي تشرف على تنزيله السلطة الإقليمية، “نجح في إخراج مجموعة من الأوراش التنموية الكبرى والمهيكلة إلى حيز الوجود في مجالات فك العزلة الطرقية والتعليم والصحة والماء الشروب، وأبرز ما يميزه بالإقليم هو نجاحه في تحقيق العدالة المجالية، إذ شملت المشاريع الممولة من طرفه مختلف جماعات الإقليم، سهلا وجبلا”.
المتحدث، الذي استفادت المنطقة التي ينتمي إليها من مشاريع ممولة من طرف البرنامج، تابع تصريحه حول وقع وتأثير برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية على الفئات المستهدفة، موردا في الصدد أن “هذه المشاريع تم تنزيلها في ظروف أجمع المستفيدون والمستهدفون بها على نجاعتها وتحقيقها مبدأ الإنصاف الترابي، فضلا عن دقة تحقيق الأهداف المتوخاة منها، فكان الوقع إيجابيا ومباشرا”.
وفي السياق ذاته، أضاف موماد أن “رؤية السلطة الإقليمية، المستوحاة من الرؤية الملكية السديدة بخصوص هذا البرنامج، أنقذت مناطق عديدة من شبح العزلة القاتلة، التي ظلت تعيش تحت وطأتها لعقود من الزمن، فعدد منها، لاسيما المناطق الجبلية، لم تكن تحلم بذلك الكم من الطرق المعبدة ومشاريع الماء الشروب المنجزة من طرف برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية باشتوكة آيت باها”.
“كانت بعض مراكز إقليم اشتوكة آيت باها محظوظة بخصوص إنجاز مشاريع للبنيات التحتية، خاصة في مجال البنيات الطرقية والتعليمية والصحية والماء الشروب، في حين كانت المناطق القروية والجبلية تعيش تحت كنف الهشاشة والتهميش، وبعد انطلاق البرنامج على مستوى اشتوكة آيت باها، استطاع تحقيق طفرة تنموية غير مسبوقة بالإقليم، فتحولت الأحلام إلى واقع وحقيقة، خاصة في مجال تعبيد الطرق القروية، ما سهل ربط القرى بمختلف الحواضر بالجهة، وتحسين ظروف الولوج إلى مختلف الخدمات”، يستطرد المتحدث ذاته.
وفي وقت يشكل الولوج إلى الخدمات الصحية في الإقليم تحديا متواصلا، بما يعرفه من ارتفاع متزايد بارتفاع الكثافة السكانية، بفعل استمراره في استقبال العمالة الفلاحية، لاسيما أن المركز الاستشفائي الإقليمي الوحيد ببيوكرى يفتقد إلى بنية استقبال تساير حجم التدفق البشري عليه، أبرزها غياب قسم للعناية المركزة، فإن هذا البرنامج استطاع مؤخرا أن يشيد عددا من المراكز الصحية، فضلا عن مشروع هام يتعلق بتوسيع مصلحة المستعجلات بالمستشفى الإقليمي ومصلحة الإنعاش، وغيرها من البنيات الصحية، وفقا للفاعل الجمعوي ذاته.
وخلص المتحدث إلى كون مستوى التشاركية التي اعتمدتها السلطة الإقليمية في تنزيلها لبرنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، في إطار صندوق التنمية القروية، ووقعه الإيجابي على المواطن الشتوكي، أدى إلى تحسين ظروف عيش الساكنة القروية ورفع براثن التهميش المفروض عليها لعقود، فاستطاع تغيير معالم القرى والمداشر بالإقليم، مردفا: “نتمنى أن تستمر المجهودات نفسها في السنة المقبلة، في مجالات الطرق والتعليم والصحة، وهي قطاعات اجتماعية تترك الأثر المباشر على الساكنة”.
برنامج إذن حقق منجزات كبيرة منذ انطلاقه في إقليم اشتوكة آيت باها، أبرزها تحسين مؤشر الولوجية إلى الخدمات الأساسية في العالم القروي؛ وفي المقابل، تطمح الساكنة إلى استمرار تنفيذ البرنامج بالوتيرة نفسها، على أن يشمل قطاعات أخرى كالشباب وتوسيع شبكة استفادة الساكنة من الماء الشروب انطلاقا من محطة تحلية مياه البحر والتطهير السائل والقضاء على المطارح العشوائية وغير ذلك.
قد يهمك ايضاً