تونس - حياة الغانمي
يؤكد العديد من الخبراء أن توسع نشاط التهريب في المنطقة الحدودية الجنوبية حوّل مدينة "بن قردان" التي تُعَدّ نقطة ارتكاز مهمة في التجارة الموازية إلى ما يشبه الدولة داخل الدولة، ما أدى إلى احتجاج تجار الوقود المهرب مؤخرًا على أساس انهم أصحاب حق، مطالبين الدولة بتسهيل عملهم "غير الشرعي".
ويقول رئيس غرفة محطات توزيع الوقود محمد الصادق البديوي، إن أغلب محطات الخدمات في ولايات الجنوب قد أغلقت أبوابها ما عدا عدداً قليلاً من الشركات الحكومية التي تكتفي بتزويد السيارات الإدارية وأسطول النقل الحكومي، لافتا إلى أن الدولة لن تستطيع السيطرة على مهربي الوقود. وأضاف أن تهريب الوقود يتم عبر شبكات محكمة التنظيم حيث تسيطر كل مجموعة على منفذ وتتواصل مع أجهزة الدولة من أمن وجمارك. وأبرز البديوي أن الساتر الترابي الذي أقامته الحكومة على الحدود الجنوبية قلص من تحركات المهربين، ما جعلهم يحتجون علنًا رغم نشاطهم غير القانوني.
ويُعَد المساس بمصالح مهربي البنزين بمثابة الخط الأحمر بالنسبة إلى أهالي بن قردان الذين قايضوا تعطل مشاريع التنمية في منطقتهم مقابل النشاط في التجارة الموازية. وحسب بيانات رسمية نشرها البنك الدولي في تقرير حديث، يشتغل نحو أربعة آلاف شخص من أبناء المنطقة ممن تتراوح أعمارهم ما بين 20 و35 عاما في السوق السوداء والتهريب.
وقال البنك الدولي إن "هذا النوع من التجارة له دور اقتصادي واجتماعي مهم في المناطق الحدودية حيث التجارة غير الرسمية من الأنشطة الاقتصادية المهمة". وارتفعت وتيرة عمليات التهريب بين ليبيا وتونس بعد الإطاحة بنظامي الحكم في البلدين عام 2011، ومع دخول ليبيا في حالة فوضى أضعفت الدولة ما جعل التجارة الموازية في المحروقات وغيرها من أهم مصادر الكسب لأهالي منطقة بن قردان وغيرها من المدن المجاورة للمعابر الحدودية.
وأكد تقرير سابق للبنك الدولي ، أن الاقتصاد التونسي يتكبد سنوياً خسائر بقيمة 1.2 مليار دينار بسبب التجارة الموازية مع الجارة ليبيا. وذكر أن التهريب والتجارة غير الرسمية يمثلان أكثر من نصف المبادلات التجارية مع ليبيا، وأن 328 ألف طن من السلع المهربة تمر سنويا عبر راس الجدير في بن قردان. ويعتبر التهريب صمام أمان في تونس التي تعاني من ارتفاع نسب البطالة والفقر.
وتكشف الدوريات المشتركة بين الأمن والجمارك على فترات متقاربة عن شبكات منظمة للتهريب الحدودي حيث تقوم بحجز كميات كبيرة من الوقود المهرب. كما نجحت الدوريات منذ العام الماضي في الإطاحة بأشهر شبكات التهريب في الجنوب ومصادرة سلعها على غرار عائلة "وشواشة "، والمهرب حسن معيز الملقب بـ"أمير الحدود" الذي فضّل إنهاء حياته برصاصة أطلقها على نفسه عندما قامت قوات الأمن بمداهمة منزله.