الرئيسية » عالم الثقافة والفنون
تمثال حبيب بن أوس الطائي

القاهرة - أسامة عبد الصبور

انفرد الشاعر حبيب بن أوس الطائي بأسلوبه الذي لم يبلغه شاعر آخر، إذ لم يتبع أبو تمام أساليب القدماء في بناء القصيدة وخرج بذلك على عمود الشعر التقليدي وبلغ من الإجادة والروعة المبتكرة.

وولد حبيب بن أوس الطائي في قرية جاسم من أعمال دمشق عام 804 م. ويكنى بأبي تمام ، سافر أبوه إلى دمشق ليحترف الحياكة وعندما ترعرع أبو تمام سافر إلى مصر فكان يسقي الماء بجامع عمرو ويستقي من أدب العلماء والشعراء . حفظ الشعر منذ طفولته وصار يقلد الشعراء حتى أبدع في هذا المجال وتفرد فيه بعبقرية نادرة فأصبح شاعرًا مطبوعصا لطيف الفطنة دقيق المعنى له استخراجات عجائبية ومعان غريبة حتى فضّل الكثيرون بينه وبين المتنبّي والبحتري.

وغادر أبو تمام مصر يغشى منازل الكرماء ويتفيأ ظل النعيم فأقبل عليه عشاق الأدب والمدح إقبالاً لم يترك لغيره مجالاً فيه، وله في ذلك مواقف طريفة تدل على ذكائه الحاد وسرعة بديهته ومن هذه المواقف أنه أنشد أحمد بن المعتصم فقال:

ما في وقوفك ساعة من بأس ..... تقضي ذمام الأربع الأدراس

إقدام عمرو في سماحة حاتم ..... في حلم أحنف في ذكاء اياس

فقال أبو يوسف الكندي الفيلسوف وكان حاضراً: " الأمير فوق ما وصفت وإنك شبهته بأجلاف العرب" . ، فأطرق أبو تمام قليلاً ثم قال فوراً:

لا تنكروا ضربي له مَن دونه ... مثلا شروداً في الندى والباس

فـالله قـد ضـرب الأقـل لنـوره ... مثلا من المشكـاة والنبــراس

وقال الخليفة أحمد بن المعتصم في دهشة: " مهما يطلب فأعطه فإن فكره يأكل جسمه كما يأكل السيف المهند غمده ، ولا يعيش كثيرًا وولاه بريد الموصل " .

وحمل العصر العباسي بذور التغيير والتجديد على المستويات كافة، ما أدى إلى تطور الأذواق، فاتجه الناس ينهلون من معطيات الحضارة الجديدة، ويتفاعلون معها، وكان من أثر ذلك التغير ابتعاد القارئ العربي عن مطالعة المطولات الشعرية، واستعاض عنها بالمقطوعات القصيرة التي تتلاءم مع ذوقه من حيث الشكل والمضمون .

وصار الشعراء يهتمون بالمقطعوات القصيرة، وأكثر من ذلك أخذ بعض كبار الأدباء والنقاد يجمعون من هذه القصائد ما يحلو لهم تلبية لرغبات الجمهور، ورتبوها حسب المعاني الشعرية لتشمل أغراض الشعر المختلفة، وأقدم ما عرفناه من هذه الاختيارات ما جمعه أبو تمام واشتهر عن المتأخرين وعرف باسم الحماسة تسمية له بأول أبوابه ، ويليه أبواب أخرى مثل " المراثي، والأدب، والنسيب، والهجاء، والأضياف والمديح، والصفات، والملح، ومذمة النساء."

ويبدو أن الباب الأول أي باب "الحماسة" هو أغزر الأبواب وأهمها، ويجدر بنا أن نذكر بأن أبي تمام قد قصر اختياراته على شعراء الجاهلية وصدر الإسلام والعصر الأموي، وقد تقبل أهل الأدب حماسة أبو تمام تقبلا حسنا، فاهتموا بقراءتها وتدريسها، وشرحها وتفسيرها.

ومن يقرأ لأبي تمام يدرك أثر التقدم العلمي الذي ساد في عصره من العلوم المترجمة والفلسفة والحضارة الراقية فقد استوعب هذه الآثار واستنبط من ذلك طريقته في تجويد المعنى فجنح إلى الاستدلال بالأدلة العقلية والكنايات الخفية ، وتلاحظ كذلك في شعره ألفاظا متخيرة ضمّنها من الأمثال والحكم مما زاد من ثروة الأدب العربي ، وقد اختلف الناس حول شاعرية أبي تمام ، منهم من تعصب له وأفرط حتى فضله على كل سلف ، ومنهم من عمد إلى جيده فطواه والى رديئه فرواه ، وقد فضله الرؤساء والزعماء والأمراء في المدح وأجزلوا له العطايا .

ومن نصوصه المشهورة:

نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفـه الفتى ... وحنينـه أبـدا لأول منــزل

ومن قصائده التي تعتبر سجلاً لبطولة العرب وتاريخهم النضالي حين مدح المعتصم بعد فتح عَمّورية (إحدى حصون الروم) وكان المنجمون يدعون أن الزمان غير مناسب للفتح ولكن لم يبال المعتصم وغزا المدينة وحقق نصراً كبيراً ولذلك قال أبو تمام :

السيف أصدق أنباء من الكتب .... في حَدّه الحَدّ بين الجِدّ واللعبِ

بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهن جلاء الشك والريَبِ

وتوفي أبو تمام عام 846 ميلادي ، 228 هجري في مدينة الموصل في العراق ودفن بها، تاركًا شعره الذي جعل منه رقمًا صحيحًا في معادلة الشعر العباسي، مخلدًا إسمه بين الكبار في تاريخ الشعر العربي، تلك القيمة التي لا ولم يدركها أصحاب العقول الظلامية ممن أقبلوا على هدم تماثيله في المرة الأولى في مسقطه رأسه في مدينة "جاسم" في منطقة حوران السورية، وفي المرة الثانية في مدينة الموصل العراقية حيث توفي ودفن مما يمثل حلقة من ذلك الصراع الأبدي بين النور والظلام.

 

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

معرض الشارقة للكتاب يضم مشاركة 112 دولة والمغرب يحل…
حاكم الشارقة يعلن اكتمال المعجم التاريخي للغة العربية والانتهاء…
وزارة الثقافة المغربية تدعم 412 مشروعاً في قطاع النشر…
وزارة الثقافة السعودية تحصد وسام أخلاقيات الذكاء الاصطناعي 2024
المؤلفون غير البيض يشعلون شغف الطلاب بالقراءة

اخر الاخبار

وزير الخارجية السعودي يؤكد أن العدوان الإسرائيلي على غزة…
خامنئي يحث حزب الله اللبناني على الموافقة على مخطط…
الشعب المغربي يُخلد اليوم الذكرى التاسعة والستين لعيد الاستقلال…
فاطمة الزهراء المنصوري تضع اللمسات الأخيرة على مشروع إعداد…

فن وموسيقى

المغربية فاتي جمالي تخوض تجربة فنية جديدة أول خطوة…
حاتم عمور يُؤكد أن ألبومه الجديد "غي فنان" عبارة…
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يُكرّم "الفتى الوسيم" أحمد عز…
هيفاء وهبي تعود إلى دراما رمضان بعد غياب 6 سنوات وتنتظر…

أخبار النجوم

شيرين عبد الوهاب تشعل حماس جمهورها في الكويت استعدادًا…
مروان خوري يحيي حفلا غنائيا في الكويت 12 ديسمبر
عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

رياضة

محمد صلاح يتصدر ترتيب أفضل خمسة لاعبين أفارقة في…
كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية
محمد صلاح على رأس قائمة جوائز جلوب سوكر 2024
الهلال⁩ السعودي يتجاوز مانشستر يونايتد في تصنيف أندية العالم

صحة وتغذية

وزير الصحة يُشير أن نصف المغاربة يعانون من اضطرابات…
نظام غذائي يُساعد في تحسين صحة الدماغ والوظائف الإدراكية
الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء…
هل تختلف ساعات نوم الأطفال عند تغيير التوقيت بين…

الأخبار الأكثر قراءة

معرض الشارقة للكتاب يضم مشاركة 112 دولة والمغرب يحل…
حاكم الشارقة يعلن اكتمال المعجم التاريخي للغة العربية والانتهاء…
وزارة الثقافة المغربية تدعم 412 مشروعاً في قطاع النشر…
وزارة الثقافة السعودية تحصد وسام أخلاقيات الذكاء الاصطناعي 2024
المؤلفون غير البيض يشعلون شغف الطلاب بالقراءة