الدارالبيضاء - شيماء عبداللطيف
صرحٌ تربويٌّ، ذو ذاكرة منتصبة، وشاهد على الزمن الذهبي لمدينة تازة، أنها ثانوية علي بن بري، التي أسهمت في تخريج رموز ثقافية وسياسية وإعلامية، منذ تأسيسها في الأربعينيات من العهد الكولونيالي، تخرج فيها أبرز الشخصيات المغربية في مرحلة ما بعد الاستقلال، كعبد الرفيع الجواهري، والتهامي الخياري، والكحص، والجنرال بناني، وعبدالهادي التازي، وآخرين.
ولقد حافظة البناية على ذاكرة المدينة شكلًا
ومضمونًا، وصمدت أمام اختفاء الاهتمام اللازم بها من قِبل المسؤولين، حتى أن أحدًا من أبنائها لم يفكر في رد الاعتبار لها، وتقع في مدينة تازة، والتي تشبه بالدرب المسدود بعد أن أغلق الطريق "السلطاني" من القاهرة حتى فاس؛ لينقطع الرواج الاقتصادي بعد إغلاق الحدود مع الجزائر.
وانقلبت مقولة بن الخطيب "من مدينة تازة إلى قرية فاس" إلى العكس، وذلك بعد انتهاء الحياة في فاس، لتقف تازة أمام كل داخل أو خارج محافظةً على المغرب كعين ساهرة؛ لتزدهر التجارة والسياحة والاقتصاد في العاصمة التاريخية على حساب وصيفتها.
أما رباط الخير أو "اهرمومو"، التابعة لمدينة تازة، فيوجد بها أكبر مدرسة عسكرية والتي تخرج منها ضباط الصف والضباط الأحرار على المستوى الإفريقي، وكانت عش أحلام أبناء المنطقة في ارتقاء سلالم الجندية، واحتلال المراتب الأولى في صفوة المجتمع.
من أهم الشخصيات التي عاشت في "تازة"، اعبابو "العاق"، والذي تخرج في كلية أركان الجيش في فرنسا، وكان عمره آنذاك 36 عامًا، عندما حمل رتبة مقدم كأصغر ضابط في الجيش المغربي، اشتهر بذكائه وصرامته وكفاءته العالية، ولم يكن يتوانى عن تطوير مستوى التدريب في المدرسة العسكرية، وتفنن في استحداث أساليب جديدة ووعرة كانت ترهق الكثير من الجنود، مستفيدًا من الدورات التدريبية العسكرية التي كان يحضرها في الخارج.
وشهدت مشاركته وجود ابنين آخرين للمدينة، هما الجنرال، المذبوح، وبوكرين، في محاولة انقلابية فاشلة بالصخيرات في العام 1972 كانت نقطة أخرى تحسب ضد مدينة تازة، التي تحمل سكانها عقابا سياسيًّا أضفى عليها طابع "الموت البطيء"، يستوجب إعادة الحياة إليها بعد أن ركد العقار والرواج الاقتصادي، واقتصر اقتصاد المدينة على نشاط الفلاحين الصغار.
اهرمومو" استبدلت برباط الخير تجنبًا للفظ اسمها الأصلي كمحاولة لتناسي "تاريخ أسود" طبع الإقليم الذي عوقب على ذنب لم يرتكبه، حيث تم تضييق الخناق من طرف الحكم المركزي على المناضلين الذين أبدو رغبتهم في مواصلة دراستهم وضمان مستقبل حسن، وهي النخبة التي ستنصاع للحكم المركزي أكثر منه لخدمة المنطقة.
وأكد أحد أبناء المدينة، أحمد الجبح، أن "الأمر وصل إلى درجة أنهم لا يصرحون بانتمائهم للمدينة، ويتنكرون لها، ليصلوا لأهدافهم بسرعة، فبمجرد ما تذكر تازة تمر إلى الخانة السوداء، وأحيانًا الاعتقال المباشر."
وأضاف الشيابري، "حتى بالنسبة للحركة الماركسية اللينينية آنذاك؛ فقد اكتسحت ثانويات علي بن بري وابن الياسمين، وتم اعتقال عدد كبير من النشطاء التازيين، ولولا تقطع سلسلة الاعترافات إذ لم يكن مسموح معرفة أكثر من 3 مناضلين، لشهدت المدينة اعتقالات عدد كبير من أبنائها".
وآخرون وفوا بقسمهم ومنهم الجنرال، عبدالعزيز بناني، الذي يتقلد أعلى رتبة عسكرية الجنرال "دوكوردارمي"، وأصبح مفتشًا عامًا للقوات المسلحة الملكية، ووزيرًا للدفاع مع "وقف التنفيذ" بتمثيله البلاد خلال زيارة وزراء الدفاع ووفود عسكرية لكثير من البلدان.
ويصفه البعض بشرطي الجيش، في إشارة إلى خبرته في جمع معلومات دقيقة عن جل ضباطه، وينعته آخرون "بثعلب الصحراء"؛ لأنه على دراية عميقة بالمنطقة الجنوبية لمشاركته في حرب الرمال، ويطلع بناني على التفاصيل الحساسة بخصوص ترسانة الأسلحة ونوعيتها وعددها وميزانيتها، هو ابن تازة أو مرآة الملك في الصحراء، إذ أبرز للحسن الثاني وللتاريخ أن ليس كل أبناء المنطقة من الانقلابيين والمتمردين.