القاهرة ـ المغرب اليوم
بينما ينشغل الجميع في مصر بموجة «أغاني المهرجانات» والمعركة المشتعلة بين نقابة الموسيقيين، ومطربي هذا النوع الشعبي، فإن قصر المانسترلي التاريخي يعمل على نشر الموسيقى الكلاسيكية بين فئات عدة من الجمهور المصري، عبر دورات تدريبية ومحاضرات متنوعة، يقدمها المايسترو والمؤلف الموسيقي هشام جبر، مدير المركز الدولي للفنون بقصر المانسترلي. ويحاول جبر نشر ثقافة الاستماع والاستمتاع بالموسيقى الكلاسيكية عبر برنامج فني يتم وفقاً لمواعيد ثابتة ومنتظمة، ويشمل تنظيم سلسلة محاضرات «التذوق الموسيقى لغير المتخصصين»، وتضم كل دورة منها 13 محاضرة علمية متنوعة، تُعد في مجملها من المحاولات الإبداعية النادرة والجادة في مصر، التي تحاول أن تجتذب المستمع إلى نقلة «تذوقية» من الموسيقى اللحنية وحدها إلى الكلاسيكية والموسيقى المجردة من الكلمات، إضافة إلى مجموعة من النشاطات الأخرى، من بينها تنظيم عروض موسيقية لعازفين عالميين لم يكن باستطاعة الجمهور متابعتهم إلا في كبرى المسارح العالمية.
ويزيد من تميز تجربة قصر المانسترلي، أنه يتمتع بمزايا معمارية وصوتية ومكانية، قلما تتوافر في مكان آخر؛ ما يضعه على قائمة الأماكن التاريخية الملائمة لاحتضان الموسيقى الكلاسيكية والفنون الرفيعة؛ فبينما تستمع آذان جمهور المحاضرات التي ينظمها المايسترو هشام بالثقافة الرفيعة تنهل عيونهم من روعة تفاصيل التحفة المعمارية النادرة المطلة بشموخ على النيل، مستعيدين صفحات من تاريخ هذا القصر العتيق الذي أنشأه حسن فؤاد باشا المانسترلي سنة 1850م على أطلال ثريا النجم صالح الدين أيوب في حي المنيل العريق، وهو ما يعلق عليه جبر قائلاً: «يتيح القصر للجمهور أجواء مناسبة ذات علاقة مباشرة بنشأة وتطور الموسيقى الكلاسيكية؛ لأنه كما هو معروف وُلدت الموسيقى الكلاسيكية وتمت رعايتها في قصور عريقة شبيهة بقصر المانسترلي».
يتناول جبر في سلسلة محاضراته المتصلة نشأة الموسيقى الكلاسيكية ومفهومها وقوالبها وأشكالها، والفروق بين الأعمال المختلفة لها بداية من عصر الباروك في بداية القرن الـ17 حتى منتصف القرن العشرين، وعلاقة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالتأثير والتأثر بالموسيقى الكلاسيكية؛ وذلك «بهدف التوسع في قاعدة جمهورها، وهو ليس من الرفاهية؛ ذلك أن تحضّر المجتمعات إنما يقاس بمدى استهلاكها للفنون الرفيعة، وإذا كان عدد سكان مصر نحو 100 مليون نسمة، فعلى الأقل ينبغي أن يكون هناك نحو مليون منهم قادرون على الاستماع وتذوق الموسيقى الكلاسيكية بشكل منتظم»، وفق جبر الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «في مختلف أنحاء العالم يوجد محاولات ومبادرات لنشر هذه الثقافة، إلا أنه في مصر والمنطقة العربية لا يحدث ذلك، في الوقت الذي يرى فيه الفنانون والأكاديميون أن الاهتمام بهذا اللون الموسيقي غير كافٍ».
المحاضرات تساعد المتدربين على فهم الموسيقى الكلاسيكية؛ ما يساهم في تذوقها والاستمتاع بها وتنشيط حركة النقد في هذا المجال، حيث يستطيعون من خلال المحاضرات التعرف على شرح مبسط لمفاهيم وتعريفات الموسيقى الكلاسيكية بشكل عام وأهميتها، وشكل الأوركسترا الخاص بها، وتأثر الموسيقى بالجوانب كافة التي شهدها العالم خلال هذه الحقبة، وأكثر السمات المميزة للسيمفونية والكونشرتو والفرق بينهما، وتاريخ كل منهما وأهم المؤلفين الذين برعوا في تلك الأنماط الموسيقية منذ بداياتها، ونشأة موسيقى (الباروك) وتطورها باعتبارها نتاج فنون عصر النهضة في أوروبا، والأساليب والأشكال المختلفة المميزة لها ومنها أسلوب «الفوجة»، ويستطيع الحضور التعرف على عمالقة من أمثال: مونتفيردي، كوريللي، إسكارلاتي، فيفالدي، وباخ، وهاندل، وغيرهم.
وفي العاصمة المصرية القاهرة تتيح أكثر من 10 مراكز ومؤسسات تعليمية تعلم الموسيقى لجميع الفئات، من بينها استوديو «شابلن للفنون»، ومركز «الإشعاع» التابع لكلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان، بحي الزمالك الراقي وسط القاهرة، بجانب مركز تنمية المواهب في دار الأوبرا المصرية.
قد يهمك أيضًا
أحمد بدير يؤكد أن الدراما الصعيدية تعيد إلى الأسرة القيم الجميلة