مدريد _المغرب اليوم
من ضمن النماذج المغربية التي استطاعت التغلب على فترة الحجر الصحي وكونها من المغاربة العالقين بإسبانيا بشكل إيجابي، الفنانة التشكيلية فاطنة شعنان، التي افتتحت معرضا خاصا بمدريد عبارة عن 32 لوحة أنجزتها خلال فترة الحجر الصحي بمازاغان بإسبانيا. شعنان، والتي استطاعت أن تتغلب على الأزمة التي عاشتها عن طريق فنها الراقي، روت لهسبريس تفاصيل الحجر الذي عاشته رفقة ابنها، وكيف ساهم الرسم في تجاوزها للمحنة، بداية من استغلالها لوسائل بسيطة في إنتاج اللوحات كالقهوة وأدوات المكياج وصولا إلى إنتاج لوحات عرضت انطلاقا من يوم الجمعة ضمن معرض فني، حاملة "رسالة حب وسلم وسلام وتعايش"، تقول: "لا نستطيع تجاوز المحن والصعوبات إلا عبر الفنون".
وتقول شعنان: "جئت إلى إسبانيا رفقة ابني الذي كان من المفترض أن يجتاز اختبارا للانضمام إلى فريق لكرة القدم؛ وهي الدعوة التي كانت ما بين 9 و14 مارس المنصرم، مرت الأمور بسلام إلى حدود يوم الـ13 من مارس الذي حمل لنا خبرين: الأول يهم اجتياز ابني للاختبار بنجاح، والثاني يرتبط بإغلاق الحدود". وتتابع الفنانة التشكيلية: "تقبلنا الخبر بكثير من الإحباط، وذهبنا إلى الجزيرة الخضراء من أجل إيجاد حل؛ إلا أننا حين وصولنا وجدنا الأجواء رهيبة وعدد من المغاربة ينتظرون أمام القنصلية لمعرفة ما يقع، فيما موظفو القنصلية لم تكن لديهم أية رؤية؛ وهو ما اضطرنا للعودة إلى الفندق في مازاغان، وتكلف الفريق الذي دعانا بتكاليف أربعة أيام من الحجز، فيما باقي الأيام كانت على حسابنا الخاص لمدة شهرين".
الأسبوع الأول من الحجر مر صعبا جدا على شعنان وابنها، وتقول: "هذا نظرا لكوني لم أتقبل فكرة أننا محتجزان في إسبانيا، وعززها حالة عدم اليقين السائدة"، إلا أنها سرعان ما تحلت بنوع من الإيجابية. وتشرح: "عقب هذا الأسبوع، فكرت أنني لا بد أن أتحلى بقليل من الإيجابية وأن أستغل وقتي في شيء مفيد.. تعلمت اللغة الإسبانية التي لم أكن أعرفها إطلاقا، وبدأت في ممارسة الرياضة والرسم على الرغم من أنني لم أكن أملك الأدوات اللازمة". في بداية المرحلة، استغلت شعنان القهوة وأدوات المكياج وطلاء الأظافر فوق ورق عاديّ لإعداد لوحاتها، إلا أنه من بعد أن بدأت الأوضاع تستقر في إسبانيا وفتحت المحلات التجارية كان أول ما قامت به هو التوجه إلى ويلبا واقتناء كل ما يلزمها.
وتقول: "لم تكن لي فكرة إقامة معرض فني في البداية كنت فقط أرسم لمساعدة نفسي، فالفن له دور كبير في مداواة النفس ويساهم في إخراج الإنسان من عزلته وتعزيز الشعور بالفرح وهذا شيء أساسي"، مردفة: "أحمد الله أن لي هذه الموهبة التي استطعت من خلالها تخطي هذه الأزمة التي كانت صعبة على الجميع". وتزيد الفنانة التشكيلية: "كنت فقط أحاول ملء وقتي لأنني حين أرسم لا أحس بمرور الوقت وأسافر بالروح والعقل إلى عوالم أخرى... أحيانا تمر خمس ساعات دون أن أقوم بشيء ولا حتى أن آكل شيئا ووصل الأمر إلى حد إنتاج ثلاث لوحات في اليوم، وكنت أتمنى لو توفرت لي الوسائل منذ البداية لكنت أنتجت أكثر من 32 لوحة".
وتشير شعنان إلى أن الرقم الذي استطاعت إنتاجه ليس بالسهل قائلة: "أحيانا أتساءل: كيف قمت بذلك؟!" أما عن فكرة إقامة معرض على الأراضي الإسبانية، فتقول شعنان: "كنت أشارك بعضا من إنتاجاتي عبر صفحتي الشخصية على "فيسبوك" وشاهدها المسؤول التجاري للفندق الذي أقطن به وهو الذي اقترح فكرة المعرض". وتتحدث اللوحات التي أعدتها شعنان عن الثقافة الإسبانية، من قبيل الفلامينكو والموسيقى وأيضا عن البحر والصدف والطبيعة بشكل عام، وتقول: "حاولت من خلال اللوحات التعبير عن كثير من الأحاسيس التي كانت تخالجني أثناء الحجر الصحي... فالفن يروي قصصا تتخطى الحواجز الجغرافية والثقافية".
بعيدا عن الفن، استطاعت شعنان الاستفادة من أزمتها، سواء على الصعيد الاجتماعي أو الثقافي وحتى النفسي. وتقول: "كسبت أصدقاء جددا.. وكما يقال، ينبع من كل محنة منحة، أنا ربحت الكثير من المنح ربحت أصدقاء جددا، وتعرفت على ثقافة جديدة؛ وهي ثقافة غنية جدا. كما تعرفت على مناطق تاريخية... أنا محظوظة لأن الحجز كان في منطقة تطل على البحر وبطبيعة خلابة تمنحننا الكثير من الإلهام". شعنان هي فنانة تشكيلية من الدار البيضاء اشتغلت على عدة مدارس فنية وتقنيات ومواضيع مختلفة طيلة مسارها الفني، كما كان لها العديد من المشاركات في معارض فنية بالمغرب ومثلث البلاد في أوروبا عدة مرات وفي كندا، وكان من المقرر أن تشارك ضمن معرض بنيويورك في غشت المقبل إلا أن إلغاء جميع التظاهرات الفنية بسبب جائحة كورونا حال دون ذلك، ولها مشاركات في عدة معارض فنية افتراضية. وتبرز شعنان أن "الفن هو مصدر إلهام لتعزيز الصمود وتجاوز المحن". لا تزال شعنان من العالقين بإسبانيا نظرا لكونها سافرت على متن سيارتها الخاصة، واستطاع ابنها المغادرة على متن الطائرة فيما هي تنتظر الرحلات البحرية.
قد يهمك ايضا
76 مليار درهم قيمة خسائر السياحة المغربية بسبب تداعيات "كورونا"
30% من عائلات المغرب حافظت على مستوى إنفاق الاستهلاك الغذائي