الرئيسية » عالم الثقافة والفنون
مدينة القامشلي

دمشق - لامار اركندي

لم تبخل منطقة الجزيرة الواقعة شمال شرقي سورية بسلتها الغذائية من القمح والشعير والعدس على عموم أرجاء سورية وسخت بكرامتها النفطية وآبارها الغزيرة على عصب الحياة الاقتصادية للبلاد، وتصدرت بؤرة التنوع الثقافي الأولى العائدة لـ"3-4"آلاف سنة ماضية، وتميزت مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية، بالتعدد الحضاري للمنطقة التي استمرت بالتماهي داخل بعضها وبالتواصل مع ما سبقتها ولحقتها من ثقافات أغنتها منتجة كماً هائلاً من المعتقدات والأساطير، ففيها دون الخط وعرفت الأبجدية والفن للحضارات الميدية والسومرية والأكادية والإيتانية التي تتالت على حكم المنطقة وتمازجت معها خصائص وطقوس أطيافها المتعددة، والتحمت أعيادها الدينية والقومية كعيد نوروز "رأس السنة الكردية" وعيد أكيدوا السريانية، والأربعاء الأحمر للإخوة الإيزيديين، ورأس السنة الهجرية للمسلمين .

أشاررئيس الجمعية السريانية حنا حنا أنه وعبر مراحل تاريخ التعايش السلمي أعيد بناء الحضارة مجدداً وخلق اليوم شيئاً جديداً وجميلاً لفسيفساء المنطقة بكردها وعربها وسريانها، واستذكر قصة فقدانه لوالديه وهو طفل واضطراره للعيش مع عائلة عمه السرياني، وتعرضه للظلم الذي دفعه لترك بيت أقاربه والانتقال للعيش في كنف عائلة كردية تبنته كأحد أبنائها في قرية "تل شعير" التي تبعد عن قامشلو بضعة كيلومترات .

ويمضي حنا قائلاً :"العائلة اعتنت بوالدي وعلمته, قدمت له الحب والحنان وحرية بقائه معتنقاً المسيحية، وتكفلت بتزويجه من والدتي بعد أن أصبح شاباً، ووزعت أرثها مناصفة بين أبنائها ومنهم أبي الذي توفته المنية قبل حوالي 10 أعوام، غيران ذلك لم يمنع من استمرار علاقتنا مع أعمامنا الكرد حتى الآن".

وتعدّ بهية موسى سيدة سبعينية العمر من أصول أرمنية مقيمة في حارة الأشورية بقامشلو أعادت حقبة مجازر الأرمن التي ارتكبها الأتراك إبان الحرب العالمية الأولى وبعدها وتحدثت نقلاً عن والدها "نظريان جرجس" أحد الأطفال الناجين من المجزرة حينها :"فر جدي جرجس مع جدتي ماري وأطفالهم الخمسة من مدينة قيصرة التركية إثر إعلان الأتراك فرمان الأرمن وقتها وحسب رواية والدي ذو التسع سنوات هربت العوائل الارمنية بعربات تجرها الاحصنة ضمن مجموعات مع بعضها خوفاً من الضياع وتحسباً من وصول الجنود الأتراك إليهم، والوجهة كانت إلى سورية.

وتوفيت جدتي في الطريق وأكمل البقية حتى وصلوا إلى مشارف الشمال السوري، افترقت المجموعات ضماناً لنجاة البعض وتوجهت بعضها صوب حلب وآخرون إلى دير الزور والبقية إلى "عين ديوار" القرية الكردية المطلة على شواطئ نهر دجلة المحاذية لمدينة جيزره من الجانب التركي، وتابعت بهية تفاصيل الحادث المؤلم إثر وصول الجنود الأتراك لمجموعة والدها قبل وصولهم لعين ديوار وانقضاضهم على المدنيين الابرياء ومثلوا فيهم فظائع الذبح والقتل ومنهم الوالد الطفل “نظريان” الذي طعنه أحد الجنود بخنجر ورماه بين الجثث بعد نهبه مقتنياته البسيطة من اللباس وحذائه الأسود الذي نزعه الجندي التركي عنوة من قدمه متمتماً بالتركية "أنه يناسب ابني" آخر ما سمعه نظريان الجريح المغمى عليه.

صراخ الضحايا دفع العنديوريون الكرد من التوجه صوب الصوت لكن بعد فوات الأوان وانسحاب الجنود الأتراك، نظريان الوحيد الناجي بين الجثث التي لم ينفك القرويون من التأكد مراراً آملاً في العثور عن ناجين آخرين، واختتمت بهية رواية الوالد بصوت مخنوق ودموع حفرت مجراها الموجوع على خدود السيدة العجوز وابتسمت قائلة :"والدي تبناه مختار عين ديوار موسى اسماعيل واعتنق نظريان الإسلام عن طيب خاطر وأتقن الكردية لغة عائلته الجديدة التي منحته اسمها وزوجته أحد بناتها وهي أمي "زينب" وبنت له بيتاً ولم تحرمه من ميراث العائلة كبقية أبناء جدي الذي ربى والدي مصطفى اسمه الجديد الذي اختاره هو، أنهم عائلتي وعلاقاتنا ما تزال متينة مع الأبناء والأحفاد وستستمر لأنهم عائلتي. 

وكشفت زهرة العلي كردية من قامشلو متزوجة من سمير الجاسم طياوي عربي عن عائلتها التي بنتها بعد قصة حب دامت عامين وكللت بزواج دخل عامه الثلاثين أنجبت خلاله بنتين وسردار وشفكر، وتضيف زهرة :"أولادي يتقنون الكردية والعربية وبنتي الكبرى كردية والصغرى عربية".

ليلى جميل من الحسكة عربية جمعها بولات خالد من قامشلو بعد هيام حب رافقهما طيلة أيام الدراسة في الجامعة في كلية الحقوق قبل 10 أعوام فالجامعة كما تقول ليلى شهدت قصص حب جمعت القلوب ولم تبالي بالأصول والقوميات، فالتعايش السلمي المشترك حالة طبيعية وليست جديدة على المنطقة وهي ما حفظت أمنها وأمانها وكانت بمثابة الرادع في وجه النعرات الطائفية والقومية التي عصفت في العديد من المناطق السورية بعد عسكرة الثورة السلمية.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

إطلاق النسخة الأولى من "بينالي أبوظبي للفن" 15 نوفمبر…
مؤلفون غربيّون يدعون إلى مقاطعة المراكز الثقافية الإسرائيلية إحتجاجا…
وزير الثقافة يُوجيه بدعم الناشرين لجعل أسعار الكتب في…
جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية
مصر تضع اللمسات النهائية لافتتاح المتحف المصري الكبير أحد…

اخر الاخبار

المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يستقبل مستشار أمير دولة…
السكوري يلتقي وفداً عن الاتحاد الوطني للشغل في المغرب
سفير روسيا في الرباط يؤكد أن موقف المغرب متوازن…
حزب العدالة والتنمية المغربي يسّتعرض ملاحظاته حول تعديلات مدونة…

فن وموسيقى

لطيفة أحرار تؤكد أن الجمهور الذي يعرفها فقط كفنانة…
وفاة الأب الروحي للأغنية الشعبية في مصر أحمد عدوية…
لطفي بوشناق يقدّم أغنية لبيروت ويتضامن مع المدينة الجريحة…
سلاف فواخرجي تفوز بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان أيام قرطاج…

أخبار النجوم

مدحت صالح يُعلن عن بدء تحضيراته لإطلاق ألبومه الغنائي…
ياسمين عبد العزيز تودّع عام 2024 بطريقة طريفة ومميزة…
كريم عبد العزيز يُعرب عن سعادته بنجاح مسرحية "الباشا"
محمد هنيدي يكشف عن المفاجآت التي تنتظر الجمهور في…

رياضة

المغربي حكيم زياش يشترط على غلطة سراي الحصول على…
البرازيلي فينيسيوس جونيور يُتوج بجائزة غلوب سوكر لأفضل لاعب…
المغربي أيوب الكعبي ضمن قائمة أفضل هدافي الدوريات الأوروبية
محمد صلاح بين الانتقادات والإشادات بسبب صورة عيد الميلاد…

صحة وتغذية

وزير الصحة المغربي يُطالب باليقظة لمواجهة مضاعفات داء الحصبة…
دراسة تكشف أن أمراض القلب تُزيد من خطر الإصابة…
المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع
نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

الأخبار الأكثر قراءة

الغارات الإسرائيلية تهدّد المواقع التراثية في لبنان واجتماع في…
إطلاق النسخة الأولى من "بينالي أبوظبي للفن" 15 نوفمبر…
مؤلفون غربيّون يدعون إلى مقاطعة المراكز الثقافية الإسرائيلية إحتجاجا…