الرئيسية » عالم الثقافة والفنون
مدينة إسطنبول في رمضان

أنقرة - جلال فواز


يعتمد المسلمون في تركيا هذه الأيام، رؤية الهلال على ما تطبعه رئاسة الشؤون الدينية في التقاويم الفلكية، وإن كان بعض المتنورين ممن يحرصون على الاقتداء بالسنة النبوية، يلتقطون أخبار ظهور هلال الشهر منبي الإذاعات العربية، ويتابعون بعض البلدان العربية في بداية الشهر وانتهائه.

ويحدث أحيانًا أن يبدأ بعض الناس الصوم قبل غيرهم بيوم، وتطلق المدفعية طلقات عدة لإعلان دخول الشهر، فيطوف الصغر بعد المغرب على الدور ويطلبون البشارة، فيعطون الحلوى التي تسمى حلوى رمضان "رمضان شكرى".

وتنشط حركة الأسواق في هذا الشهر، ويقبل الناس على شراء المؤن للمنزل وما يحل به من أضياف، ويجتهد أئمة المساجد في وعظ الناس، وتوعيتهم وتبصيرهم بأمور دينهم، ويلقون قبولاً حسناً من المسلمين، وما زالت باقية عادة قراءة القرآن بالمقابلة في المساجد، حيث يجتمع في مسجد الحي حفاظ القرآن بعد السحور وقبل صلاة الفجر، ويتناوبون على قراءة الجزء المقرر عن ظهر قلب.

وتمتلئ المساجد بالمصليين الذين يؤدون الصلوات الخمس، ويجتهدون في صلاة التراويح التي تصلى جماعة -عشرين ركعة- كل أربعة ركعات بتسليمة، ولا تكاد تجد لك مكاناً في هذه المساجد على ضخامتها ورحابتها، وبخاصة في ليلة الـ27 من رمضان التي يلتمسون فيها ليلة القدر.

وتأخذ برامج الإذاعة والتلفاز وقتاً من الناس في تركيا، فيتابعون البرامج الدينية التي تزداد في هذا الشهر، وتكثر من إذاعة قراءات القرآن، ويمتد إرسالها إلى قرب وقت السحور، وتجرى المقابلات مع العلماء والوعاظ لتبصير الناس، وتغطى المسلسلات التاريخية حيزًا كبيرًا من خريطة البرامج كما تهتم الصحف بنشر مقالات دينية وتثقيفية في صفحات خاصة برمضان.

واشتهر المطعم التركي منذ القدم باختلاف ألوان الطعام، ولذته، وحلاوة مذاق الفاكهة وما يصنع منها من مشروبات. والمرأة التركية تجتهد في الإعداد لمائدة إفطار رمضان قبل حلول الشهر المبارك، بتخزين المأكولات الموسمية وبتجفيفها في موسمها ليتم طبخها في رمضان.

وتنتهي مائدة الإفطار في الغالب بتناول أنواع الحلوى والفطائر المصنوعة من السكر والدقيق والحليب وغيرها، مثل "رمضان طاتليسى" والبقلاوة بأنواعها -التي يسرف الترك في تناولها- والكنافة والقطايف، والمهلبية والكولاش الذي هاجر إلى بيروت ليصبح أحد معالم رمضان بها، أو فاكهة الموسم من بطيخ وشمام وكرز ومشمش وخوخ وتين وعنب.

وتختلف وجبة السحور في تنوعها عن مائدة الإفطار ويكثرون من شرب الشاي فيه للتغلب على العطش. وتصنع في رمضان أنواع خاصة من الخبز يسمى "بيدا Pide" وهو خبز صغير مستدير ينثر عليه حب السمسم، ويكون محشوًا باللحم وكذلك يهتمون بأكلة "اللحم بالعجين" وغيرها من المعجنات.

ويكون توديع شهر رمضان أيضاً حافلاً بالدعوات والذكر والإكثار منهما، والذهاب إلى الأسواق لشراء مستلزمات العيد من الحلوى والأطعمة، والملابس الجديدة. وفي صباح العيد يخرجون للصلاة مصطحبين معهم أطفالهم في ملابسهم الجديدة، وبعد الصلاة يزفون إلى بعضهم التهاني بقضاء فرض الصوم واستقبال عيدهم الذي يسمونه "شكر بايرامي" أي عيد الحلوى، لكثرة ما يقدم فيه من ضروب الحلوى اللذيذة، وتبدو فرحة العيد الكبير والصغير، وتجتمع الأسر والأقارب ويتزاورون، ويذهب البعض إلى المتنزهات والملاهي للتروح فيها.

 وكانت إسلامبول أرض الإسلام أو إسطنبول أو إستامبول كما ينطقها العامة من الناس، عاصمة العالم الإسلامي إلى أوائل القرن الماضي وكانت تعرف قبل فتحها بالقسطنطينية، وقد راود حلم فتحها العديد من الحكام المسلمين ولكنها استعصت عليهم وأبى محمد الفاتح إلا أن يفتحها ففتحها فكان هو نعم القائد وجيشه نعم الجيش الذي بشر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

وفتحها الذي بشر به الرسول نستطيع أن ندرجه ضمن مادة في التاريخ الإسلامي نسميها المستقبل في التاريخ الإسلامي هذا المستقبل حددته أحاديث رسول (الله صلى الله عليه وسلم)، وقد تحقق منها الكثير.

ويظهر الإسلام في إسلامبول جليًا في مآذنها الرشيقة التي ترتفع إلى السماء مبشرة بفتح أوروبا، فقد كانت إسلامبول القاعدة التي انطلق منها الإسلام إلى شرق أوروبا فأسست فيه مجتمعات إسلامية لا تزال موجودة إلى يومنا هذا في ألبانيا والبوسنة والهرسك وبلغاريا وغيرها من البلاد.

ولرمضان في إسلامبول طابع خاص حينما كانت عاصمة للدولة العثمانية، وارتبط هذا الطابع بسلاطين الدولة العثمانية. ففي القصر السلطاني وقتئذ كان يقرأ القرآن الكريم ويفسر بحضور السلطان اذ يحضر عشرة من مشاهير المدرسين ومعهم جملة من الطلبة قبيل العصر وبعد صلاة العصر يجلس كل واحد منهم في مجلسه الخاص ويجلس الجميع على شكل هلال به أريكة السلطان فيشرع الذي عليه الدور في الدرس من هؤلاء العشرة فيقرأ التفسير ويسأله الطلبة الحاضرون عما يعن لهم من الأسئلة في الآية التي يفسرها وهو يجيب وهكذا حتى يختم الدرس.

ويتبعه في اليوم التالي أو الذي بعده على ما تقتضيه الأحوال حتى تتم عدة شهر رمضان في سماع تلك الدروس، وفي آخر شهر رمضان ينعم السلطان على الأساتذة والطلبة بهبات مالية.

واعتاد أهل إسلامبول على اتخاذ صحن مسجد بايزيد في رمضان سوقاً تعرض فيه البضائع على اختلافها ويبدأوا بإعداد هذا السوق منذ منتصف شهر شعبان فلا يأتي رمضان إلا والصحن معرض عظيم يحرم على النساء ارتياده.

وتضاء سماء إسلامبول كلها في رمضان بإضاءة تشكل من الكلمات أو الجمل المركبة وكذا ما بين المآذن الموجودة في كل مسجد بعبارات بخط جميل تقرأ مرحبا رمضان وغيرها من الشعارات الجميلة التي تضفي على المدينة جواً خاصاً في ذلك الشهر وإلى وقت قريب كانت مآذن إسلامبول تستعمل هذا الأسلوب في زخرفتها في ذلك الشهر إلا أنه بعد حركة أتاتورك تحولت الكتابة من الحروف العربية إلى الحروف اللاتينية.

ويحتفل أهل إسلامبول بليلة 27 رمضان احتفالاً خاصاً كان يحضره السلطان ويصلى في المسجد المحمدي التراويح مع أهل المدينة. وتضاء المدينة في تلك الليلة ويكثر فيها الفرح والابتهاج، وفي جامع آيا صوفيا يجتمع الناس في تلك الليلة ويقرأون القرآن.

وأعتاد أهل المدينة على إرسال الطعام لبيوت الفقراء بصفة دائمة أو تبادل الوجبات بين الأقارب وذلك لخلق جو من التآلف والتكافل الاجتماعي فضلاً عن قيام الموسرين من أهل المدينة بالتكفل بكل ما يحتاجه اليتامى في عيد الفطر من ملبس ومال حتى يعوضهم عن فقدان آبائهم كما نصت حجج الأوقاف.

 تلك كانت صورة رمضانية لمدينة إسلامية افتقدناها في ظل علمنة تركية ولكن مازال القليل من التآلف والتكافل بين أهلها باقياً إلى اليوم.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

إطلاق النسخة الأولى من "بينالي أبوظبي للفن" 15 نوفمبر…
مؤلفون غربيّون يدعون إلى مقاطعة المراكز الثقافية الإسرائيلية إحتجاجا…
وزير الثقافة يُوجيه بدعم الناشرين لجعل أسعار الكتب في…
جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية
مصر تضع اللمسات النهائية لافتتاح المتحف المصري الكبير أحد…

اخر الاخبار

مقتل عشرات الأشخاص في حادث سقوط حافلة ركاب في…
البحرية الملكية المغربية تنجح في تعويم الزورق الجانح قرب…
المغرب يستعد لتعزيز قوته الجوية بصفقة طائرات F-35 من…
البرلمان الأذربيجاني يُصادق على اتفاقية التعاون العسكري مع المملكة…

فن وموسيقى

وفاة الأب الروحي للأغنية الشعبية في مصر أحمد عدوية…
لطفي بوشناق يقدّم أغنية لبيروت ويتضامن مع المدينة الجريحة…
سلاف فواخرجي تفوز بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان أيام قرطاج…
كاظم الساهر يسّتعد للعودة للغناء في المغرب بعد غيابه…

أخبار النجوم

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن…
زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
محمد رمضان يُشعل مواقع التواصل بمسابقة وجائزة ضخمة
أزمات قانونية تنتظر عمرو دياب في العام الجديد

رياضة

المغربي حكيم زياش يشترط على غلطة سراي الحصول على…
البرازيلي فينيسيوس جونيور يُتوج بجائزة غلوب سوكر لأفضل لاعب…
المغربي أيوب الكعبي ضمن قائمة أفضل هدافي الدوريات الأوروبية
محمد صلاح بين الانتقادات والإشادات بسبب صورة عيد الميلاد…

صحة وتغذية

دراسة تكشف أن أمراض القلب تُزيد من خطر الإصابة…
المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع
نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
وزارة الصحة المغربية تكشف نتائج التحقيق في وفيات بالمركز…

الأخبار الأكثر قراءة

الغارات الإسرائيلية تهدّد المواقع التراثية في لبنان واجتماع في…
إطلاق النسخة الأولى من "بينالي أبوظبي للفن" 15 نوفمبر…
مؤلفون غربيّون يدعون إلى مقاطعة المراكز الثقافية الإسرائيلية إحتجاجا…