الجزائر – إيمان بن نعجة
يعتبر المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر في الجزائر، تحفة فنية من حيث الطابع المعماري، وهو أكبرمتحف للفنون الجميلة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. كما يُعدّ مرجعًا أساسيًا لمعارض الفن الحديث والمعاصر، ومساحة إضافية لنشر الفن الحيّ منفتحة على العالم، تمثّل تفسيرًا جديدًا للأعمال الفنية، وتبوح بخطاب جمالي جديد عن أنفسنا وعن الآخرين.
ويمتاز المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر في الجزائر العاصمة، وخلافًا لبلدان عدة، بانتمائه إلى إطار مغاربي جديد، موروث عن حقبة الاستعمار، مع أنه لم يكن معدًّا لذلك في الأساس.
وتبدو الرغبة جليّة في استعادة التاريخ الثقافي، وتدوين تاريخ الفن الجزائري الحديث، لأنّ هذا المتحف يضمّ كل مجموعات الفن الحديث، من بداية القرن العشرين، والفن المعاصر الجزائري والأجنبي على حد سواء، ويعرضها على الجمهور.
ويقع المبنى في قلب العاصمة، والمألوف لدى السكان الجزائريين، محمّلاً بدلالات متناقضة، إذ يعتبر تذكيرًا بالفترة الاستعمارية. كما يمثل مصدر إعجاب واضح بالجمال المعماري وتصميم الديكور التزييني، وحنين إلى زمن كان هذا الموقع فيه متاحًا للجمهور العريض، زمن الغاليري الجزائري وغاليري فرنسا.
ويشكل المكان، الذي يجمع بين جودة الديكور وطرازه، المستوحى أساسًا من المرجع المعماري الإسباني المغاربي للمباني الأثرية الأندلسية، والمفهوم العملي الأوروبي الحديث، عملًا فنيًا يعجب به الزوار.
من وجهة النظر هذه، يعدّ هذا الخيار مضللًا بقدر ما هو مغرٍ، فهو يدمج بين القصر المغاربي والمتجر الكبير والمتحف المعتمد الهندسة المعمارية الملفتة في آن معًا، ما يصعّب وصفه لشدة ما يتعارض تصوّره المعماري مع عادات القراءة النظامية للمتحف الأكاديمي.
وكان لافتتاح متحف الفن الحديث والمعاصر في الجزائر، في كانون الأول/ديسمبر 2007، مساهمة في إغناء المشهد الثقافي في البلاد. كما أثار أيضًا عددًا من المسائل في الوسط الفني الجزائري، سمح بعضها بإعادة التفكير في مفهوم المتحف بحد ذاته في بلدن مثل الجزائر.
وشكّل مناسبة لإبراز دور المتحف في مجتمعنا كما مكانته المعاصرة في المدينة. الواقع أن المتحف، بما يمثله من مساحة للاحتفاظ بالأعمال الفنية أو عرضها، يؤدي اليوم دورًا أساسيًا في المشهد الثقافي، يضطلع بمهمة اجتماعية واقتصادية ورمزية يستحيل بموجبها منارة قيّمة لتطور المدينة ومستقبلها.
ولعل المتحف قد أنشئ بهذه الروحية في قلب العاصمة، وبالتحديد في المساحات التي كانت مخصصة للغاليري الجزائرية وغاليري فرنسا السابقة، في مبنى يعود تاريخه إلى بداية القرن الماضي وبالتحديد إلى العام 1909..
والمبنى من تصميم المهندس المعماري هنري بيتي، في شارع إيسلي - اليوم شارع العربي بن مهيدي - ويعتمد النمط المغاربي الجديد، وهو نمط معماري حديث أمر به تشارلز سيليستين جونار، هذا الحاكم العام للجزائر الذي قام بعد نيل البلاد استقلالها المالي بتوجيه سياسة الإدارة الاستعمارية نحو بناء صورة لمدينة تدّعي حماية هوية السكان الأصليين واحترامها.
من هذا المنظور، يبدو قرار تحويل هذا المبنى المغلق طوال الأعوام العشرين الماضية، والمتضرر إلى حد بعيد نتيجة لذلك، كعمل قائم على السيادة الثقافية أكثر منه إعادة افتتاح مساحة ومتحف.
و عن هذا المتحف الأول من نوعه في الجزائر وربما في العالم العربي وأفريقيا، تحدّث المسؤول عن عن إعادة تأهيله المهندس الحليم فيضي، موضحًا "أنشأنا نظامًا جديدًا، قمنا بإعادة تأهيله وليس بترميمه، فإعادة التأهيل تعني إضفاء وظيفة جديدة، ولكن المبنى لا يزال كما هو، واكتسب إحساسًا جديدًا".
وأبرز أنَّ "أعمال الديكور التي أنجزها حرفيون جزائريون معروفون، من نجارين ومزخرفين وعاملين في مجال المنمنمات مثل هاميمونا أو بلخزناجي، بما تمثله من عيّنة رائعة من الفن التقليدي المحلي، ستساهم حتمًا في فرض مواجهة جمالية مثيرة للاهتمام مع معارض الفن الحديث والمعاصر المستقبلية".
وأكّد المهندس المعماري أنه "حرص على توسيع المساحة عن طريق طلائها باللون الأبيض، وهو لون محايد، تتضح عليه الأعمال الفنية... لأنه يجدر بمتحف الفن الحديث والمعاصر أن يكون بسيطًا ومجرّدًا قدر الإمكان ليندثر أمام الأعمال الفنية".
وأبرز أنّه "يساهم المتحف نقل المستوعب الثقافي إلى مكان أقرب إلى الخطاب الجمالي المحلي في تغيير العلاقة القائمة بين ذاكرة المدينة ورؤية الناشطين الفاعلين المعاصرين فيها، لأن إعادة تفسير الرموز المعمارية الاستعمارية يحوّلها إلى موقع قوي بل إلى رمز لتملّك أو استعادة الحاضر والماضي، وأداة للنقل الإيديولوجي".
يذكر أنه منذ افتتاح متحف الفن الحديث والمعاصر في الجزائر، استضاف أكثر من عشرة معارض من بينها معارض دولية ضمن فعاليات "الجزائر 2007، عاصمة الثقافة العربية" و"مهرجان الجزائر الأفريقي الثاني" في تموز/يوليو 2009، و"المهرجان الدولي الأول للفن المعاصر في الجزائر" من 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2009 إلى 28 شباط/فبراير 2010.
وأخيرًا، حصد هذا العمل الترحيب بالإجماع كمساحة عرض أكثر منه متحف للاحتفاظ بالأعمال الفنية، ليطرح سياسة ثقافية جديدة تقوم على تخصيص مواقع جديدة للفنون الجميلة، كان تراثها يقتصر على تلك الموروثة من حقبة الاستعمار.