بيروت - فادي سماحة
انعقدت، الأربعاء، الجلسة الاولى من الجولة الحوارية الثالثة منذ عام 2006، في لبنان؛ لمواجهة التظاهرات الشعبية والانتفاضة ضد الفساد وأزمة النفايات؛ لكنها لم تخرج عن كونها جلسة "إعلان نيات" أولية للمتحاورين حيال البنود المطروحة، لا سيما منها بند الأزمة الأم المتمثلة بالفراغ الرئاسي، الأمر الذي عكسته المداخلات المعدة سلفًا للمتحاورين في الجلسة.
ولو لم تشتعل فيها مواجهة كلامية حادة بين رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون ووزير الاتصالات بطرس حرب لكانت مرت برتابة.
وعلى المستوى الاحتجاجي في الشارع، بدا ميزان القوى منعدمًا بين المتظاهرين والإجراءات الأمنية البالغة التشدد التي أحاطت في المنطقة الأمنية في محيط مجلس النواب والشوارع والساحات المؤدية اليه أشبه بطوق يستحيل اختراقه، ومع ذلك مر اليوم المشهود من دون اشكالات تذكر، وإذا كان حجم المتظاهرين تراجع نسبيًا قياسًا بتظاهرة 29 آب/اغسطس الماضي؛ فان ذلك لا يقلل من أهمية استعادة الحشد الذي شهدته ساحة الشهداء مساء، على الرغم من التأثير السلبي القوي للعاصفة الرملية.
أما على المستوى الحكومي؛ فيمكن القول إن انجاز خطة النفايات بعد مخاض عسير ومعقد يشكل الانجاز الملموس الأساسي في سجل تطورات، الاربعاء، وأيضًا في مسار تبريد الأجواء العامة المحمومة؛ نظرًا إلى التداعيات الشديدة السلبية التي أثارتها أزمة النفايات منذ اكثر من شهر ونصف شهر.
وعكست موافقة مجلس الوزراء، على خطة الوزير أكرم شهيّب على التوصل إلى توافق سياسي شامل على الخطة ترجم بالتوصل إلى مخرج لموضوع المطامر، وتوزيعها على المناطق، علمًا أنّ النقاش حول المطامر؛ استغرق وقتًا طويلًا استمر حتى الـ11 ليلًا، وتعتمد خطته، كما شرحها مطولًا، بعد الجلسة، على مرحلتين انتقالية ومستدامة، وتتسم بتوازن توزيع المطامر على المناطق، وتزامن التنفيذ المرحلي كما بإعادة الدور إلى البلديات واتحادات البلديات في المرحلة المستدامة بما يترجم مبدأ اللامركزية.
وتبعا لذلك جرى التوافق على اعتماد مطمرين صحيين في منطقة سرار في عكار ومنطقة المصنع في السلسلة الشرقية، واعتماد معمل معالجة النفايات في صيدا، والعمل على تأهيل مكب رأس العين في صور ومعالجة مكب برج حمود، كما تقرر نقل النفايات المتراكمة في بيروت إلى مطمر الناعمة لسبعة أيام فقط، يبدأ بعدها التخضير والزراعة وإنتاج الكهرباء التي توزع مجانًا على القرى المحيطة، وتقرر ابلاغ "سوكلين" عدم تجديد عقود التكنيس معها كما تقرر توزيع حصص البلديات من واردات الخليوي.
وفي موضوع الحوار، كشفت مصادر شاركت في الجلسة، عن أنّ حصيلة جولته الأولى لم تثمر شيئا ملموسا في استثناء ملف النفايات الذي كان جزءا أساسيًا من مداخلات المشاركين في الحوار، ما أعطى دفعا سياسيًا مهمًا للحكومة؛ كي تمضي قدمًا على طريق إيجاد حلول له، وفي هذا الاطار سُمع راعي الحوار رئيس مجلس النواب نبيه بري، يقول لأحد المشاركين حول الطاولة: "صار لي من مبارح أقول للرئيس سلام شدّ همتك في النفايات اضرب على الأرض وامشِ"؛ لكن مصادر متابعة للاتصالات التي سبقت الجولة الحوارية الأولى؛ لفتت إلى أنّ رئيس الوزراء تمّام سلام استبق دخوله الجلسة الحوارية بإعلانه دعوة مجلس الوزراء إلى جلسة استثنائية مساء الأربعاء، الأمر الذي عكس انجاز سلام معظم الاستعدادات مع وزير الزراعة شهيب؛ لاستكمال الموافقات السياسية على قرار تأييد خطة شهيب.
وفيما يهم الموضوع الرئيس للحوار، أي ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية؛ لوحظ أنّ موقف "حزب الله" الذي عبّر عنه رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة"النائب محمد رعد لم يتغيّر إذ قال: "عندنا شخص وطني سيادي له حيثية كبيرة وهو مرشحنا الذي لا نتخلى عنه".
بدوره خاطب رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجيه الرئيسين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي قائلًا: "هل تقبلان أن يكون رئيسا للوزراء موظف فئة أولى؟"، فيما مضت النقاشات في إطار هادئ، خرقتها مشادة مفاجئة بين العماد عون والوزير بطرس حرب الذي طرح في مداخلته اسم عون مرشحا للرئاسة فرد عون: "أنا منّي مرشّح"، فتابع حرب: "أنا عم احكي مع الرئيس بري"، فأجابه عون: "عم تحكي عني وأنا هون".
وتصاعدت الردود بين الرجلين مما اضطر الرئيس بري الى التدخل لتهدئة الموقف، ووصفت المصادر هذا الجدل بأنه كان عابرا، وحدّد موعد الجولة الثانية للحوار الأربعاء المقبل.
وعن جلسة الحوار، صرح رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط: "يبقى الحوار ضروريا ومطلوبا، على الرغم من التشكيك المحق وغير المحق من المجتمع المدني، وفي النهاية لا نستطيع الذهاب إلى الفراغ وممارسة التشكيك المطلق"، وكان الرئيس بري السباق والساعي إلى الحوار منذ عام 2006 إلى اليوم.
وعن المناقشات الساخنة التي رافقت الجلسة، وتهديدها الحوار، بيّن جنبلاط: "المهم أن تكتسب هذه المناقشات الصدقية المطلوبة والدخول في التفاصيل لحل أزماتنا بدءا من ملف النفايات الذي تفجر أخيرا وفجر نفايات أخرى، وأيا كان قرار الحكومة حيال هذا الملف، يجب أن يلتزمه كل الفرقاء والقوى السياسية".
وعن حديثه القليل في الجلسة، أشار إلى أنّه: "كلا، ادليت برأيي وألتزم عدم تسريب ما دار في الجلسة. وأقول ان لا مهرب من الحوار، وسأشارك في الجلسة المقبلة، وكفانا تشكيكا للوصول إلى العدم".
وقالت مصادر في التحرك المدني، إن إقرار مجلس الوزراء مشروع النفايات يريح بعض الشيء الاجواء في البلاد شرط أن يمضي المشروع بعد إقراره قدما في اتجاه التشريع النيابي المتصل بأموال البلديات، وإلا فإن الأمور في حال المماطلة ستعود إلى الوراء، ولفتت الى أن أي تظاهرة جديدة كبرى لم يتحدد موعدها بعد إذ سيعود المنظمون إلى اللقاء للتشاور في المرحلة المقبلة؛ لكن ذلك لا يعني أن جمعيات معينة ستوقف تحركها؛ بل ستواصل التحرك على طريقتها.
وقدّرت المصادر، حجم تظاهرة، الأربعاء، بأنها تعادل تقريبا ثلثي تظاهرة 29 آب وهذا حجم مهمّ نظرا إلى الظروف التي أحاطت بها لاسيما منها المناخية في ظل العاصفة الرملية، وأشادت بالحضور الشبابي الواسع الذي كان منضبطا ولم تقع أية أعمال مخلة بالأمن، وهذا إنجاز لا يستهان به.
وكرر المتحدثون باسم التحرك في تظاهرة ساحة النجمة، مطالب التحرك بحل فوري بيئي لإزالة النفايات وتحرير أموال البلديات كما طالبوا باستقالة وزير البيئة ومحاسبة وزير الداخلية وانتخابات نيابية في أسرع وقت.