لندن - ماريا طبراني
تسعى أجهزة الاستخبارات البريطانية على تحديد هوية الصبي الصغير والمتطرَف البريطاني البالغ في الفيديو الدعائي الذي نشره تنظيم "داعش" في الفترة الأخيرة، ويعتقد أن أكثر من 800 بريطانيًا سافروا إلى سورية والعراق للقتال لصالح التنظيم، بما في ذلك عائلات من لوتون وبرادفورد ولندن، حيث يأتي الفيديو الدعائي الجديد الذي ظهر فيه طفلًا يهدد بريطانيا بعد شهر من بدء الطائرات البريطانية في قصفها لأهداف "داعش" في سورية.
كما تحاول المخابرات الأجنبية للتأكد عما إذا كان المتطرَف جون الجديد هو المتطرف البريطاني "سيد هارتا ذر" الذي فرَ إلى سورية، وأسقط حكم الشرطة بالكفالة، واتَهم بالتشجيع على الانضمام لتنظيم "داعش" المتطرف، حيث يعرف " ذر" الذي ولد في الند بين أصدقائه باسم "سيد"، وكان سيد (32 عامًا) يحلم بأن يصبح طبيبًا للأسنان، وكان يشرب الكحول فضلًا عن علاقاته مع الفتيات.
وتقول أسرة سيد أنه كان صبيا حساسا وتغير في سن المراهقة بعد وفاة والده وتحول إلى الإسلام، وابتعد عن التليفزيون والموسيقى وكان ينام على الأرض، وأخبر والدته أنه لا يحبها لأنها ليست مسلمة، وتوقف عن الذهاب إلى المدرسة واستأجر قلعة نطاطة لحفلات الأطفال، وكان يدعم جماعة "المهاجرون" المحظورة، ويقوم بالجولات لجذب الشباب المضطرب في المدن الداخلية.
وأجبر سيد على تسليم جواز سفره بعد القبض عليه العام الماضي بسبب دعمه للتطرف ووضع على قائمة مراقبة التطرف، وعلى الرغم من عدم امتلاكه وثائق سفر لكنه نجح خلال 24 ساعة في السفر بحافلة إلى باريس ومنها إلى سورية، مع زوجته الحامل وأطفاله الأربعة.
وكتب سيد دليل للعيش في خلافة "داعش" من 46 صفحة واعدًا بحياة العطلة، ووسائل الراحة المنزلية، وأوضح سيد أن "داعش" مثل منتجع البحر الأبيض المتوسط ويتاح فيها أفخم أنواع الشوكولاتة البريطانية مثل كيت كات والحانات والكابتشينو.
ويظهر على غلاف كتاب الدليل اسمه وهو " أبو رميثة البريطاني" وصورة لقوات "داعش" وهى تطلق النار في القدس وتسير في المدن "الإسرائيلية"، كما يغطى الكتاب كافة المعلومات بداية من الطقس والطعام ووسائل النقل والتعليم والناس والتكنولوجيا، وجاء في الكتاب "سنيكرز ،كيت كات، تويكس، كيندر سيربرايز، كادبورى، نعم لدينا كل هذه الأشياء، إذا كنت قلقا من ترك قهوتك المحلية من كوستا كافية فسوف تسعد عندما تعلم أن الخلافة تقدم أفضل أنواع اللاتيه والكابتشينو".
وذكر سيد عند وصف الطقس في البلاد "يتوقف ذلك على موقعك ولكن الخلافة تقدم مناخ البحر الأبيض المتوسط الرائع الذي يتيح لك قضاء العطلة كما لو كنت في أفخم المنتجعات"، وتفاخر المتطرف بالتعليم الذي توفره الخلافة قائلا " لا يوجد فصول دراسية تسجل المثلية أو الموسيقى أو الدراما وبقية هذا الهراء الذي يدرس في المدارس غير الإسلامية، وبالتالي تستطيع حماية عقل طفلك في الخلافة". وبين أن الخلافة تشمل التنوع وأنها أصبحت جاذبة للمواهب، مضيفًا " إذا كنت تعتقد أن لندن أو نيويورك مدن عالمية فعليك الانتظار حتى تزور الدولة الإسلامية".
وذكرت كونيكا ذر شقيقة المتطرف سيد هارتا ذر الاثنين "سأقتل نفسي إذا كان شقيقي هو المتطرف جون الجديد"، ووصفت شقيقته كم كان شقيقها صبيًا مراهقًا يستمتع بكرة القدم والأفلام الرائجة ويواعد الفتيات ويشرب في المناسبات الخاصة، وكان شغوفا بفرق موسيقى الروك والمطرب لنين بارك.
وأوضح أحد أصدقاء المدرسة لـ "ميل أونلاين"، "كان سيد فتًا هادئًا بشكل لا يصدق ولم يتورط في أي مشكلة من قبل"، وأضافت شقيقته "كان لديه القليل من الأصدقاء وكان وحيدا إلى حد ما، ويبدو لي أنه كان شخصا مثيرا للاهتمام"، وبعد وفاة والده عندما كان عمره 16 عامًا، ترك سيد المدرسة وعمل في بعض الوظائف منها وظائف متعلقة بالأحذية ثم عمل كبائع.
والتقى سيد زوجته "عائشة" (23 عامًا) وتزوجا وأنجبا خمسة أطفال وأحدهم يدعى أسامة على غرار أسامة بن لادن، ولفت جيران سيدهارتا ذر السابقين في والتهامستو شمال شرقي لندن أن زوجته وأخرين ساعداه على أن يصبح متطرفا.
ويذكر أن زوجته " عائشة طارق" أثرت على شقيقتها الكبرى من والتهامستو ودفعتها للسفر إلى منطقة الشرق الأوسط مع زوجها وأطفالها الأربعة في أغسطس/آب، وكان المتطرف "سيد" يذهب إلى مسجد فينسبري بارك لسماع رجل الدين المتطرف عمر بكري محمد، حيث كان سيد وجها مألوفا في المسيرات المناهضة للغرب في لندن، كما كان من المشاركين في الاحتجاجات التي اندلعت خارج السفارة الأميركية في الذكرى العاشرة لأحداث 11 سبتمبر/ أيلول.
ويعتقد أن سيد الملقب باسم " أبو رميثة" التلقى وربما أرشد مايكل أديبولاجو أحد قتلة "لى رجبى"، وانضم إلى جماعة "السلمين ضد الصليبيين" التي تضم بعض المتطرفين البريطانيين ومنهم "أبو عز الدين" و"عبد الحق"، واعتقل عز الدين لأكثر من أربعة أعوام بسبب جرائم متطرفة، وقبض عليه مؤخرا في أوروبا أثناء محاولته الوصول إلى سورية، بينما ساعد "عبد الحق" أصحاب المتاجر المتطرفين في شرق لندن والذين أرادوا بيع المشروبات الكحولية.
وأطلق سراح "ذر" (32 عاما) بكفالة بعد اعتقاله في أيلول/ سبتمبر 2014 وطلب منه تسليم جواز سفره، لكنه استقل حافلة إلى باريس بعد أقل من 24 ساعة واتجه إلى منطقة الحرب في "داعش" مع عائلته الصغيرة، وكان ذر من بين تسعة رجال اعتقلوهم للاشتباه في تشجيعهم للتطرف ودعم جماعة "المهاجرون" المحظورة.
ونشر "ذر" لاحقا صورة له يحتضن أحد أطفاله ويلوح بالبندقية في نوع من التهكم على الأجهزة الأمنية التي سمحت له بالهروب، وتهكم ذر على السلطات التي سمحت له بالهروب مغردا " سمحت لي السلطات البريطانية بالسفر إلى الدولة الإسلامية عبر أوروبا".
وتباهى ذر بأنه استطاع خداع أجهزة المخابرات البريطانية قائلا "سخر الله من المخابرات البريطانية وتمكنت من الهجرة. ضع ثقتك في الله"، ويبدو أن ذر تطوع ليصبح جلاد "داعش" بعد قتل المتطرف جون بصاروخ من طائرة أميركية في ديسمبر/ كانون الأول.
وطلبت عائلة "ذر" منه العودة إلى بريطانيا والتخلي عن التطرف لكنهم اعترفوا أنهم ربما يهاجموه بأنفسهم، حيث قالت شقيقته كونيكا ذر "إذا كان هو المتطرف الجون سأقتله بنفسي، إذا عاد سأقتله بنفسي، إذا كان ارتكب كل هذه الفظائع، لا أستطيع أن أصدق الأمر صادم لي، أعرف ما تقوم به السلطات لتأكيد هويته، وأريد أن أعلم ما إذا كان هو أم لا".
وأعربت والدة ذر "سوبيتا ذر" عن صدمتها مضيفة أنها غير متأكدة، من كون هذا المتطرف هو نجلها، مشيرة إلى أنها لم تعلم بصلته بالجماعات المتطرفة ووصفته بأنه خجول وحساس، مضيفة وهي تتحدث من منزلها "هذه أصعب أسئلة أواجهها، أنا لست متأكدة بنفسي ما إذا كانت هذه هي الحقيقة أم لا، لقد شاهدته لأخر مرة قبل ذهابه إلى سورية منذ عامين".
وبيّن "ذر" قبل أسبوع من اعتقاله لأحد المذيعين أنه على استعداد للتخلي عن جنسيته البريطانية لو كان ذلك يعنى السماح له بالسفر، وزعمت مجلة VICE الإلكترونية التي أجرت مقابلة مع ذر عام 2014 أن صوت وطريقة كلام منفذ الإعدام في الفيديو تتشابه كثيرا مع المتطرف البريطاني الهارب بالفعل، وتحدث ذر في فيلم وثائقي بعنوان "الهروب إلى الدولة الإسلامية" مشيرا إلى عمله السابق في لندن في بريطانيا قبل أن يصبح متطرفًا. وأثار العديد من مستخدمي "تويتر" بما في ذلك مراسل قناة "الراى" "إيليا مانغيير" إلى احتمالية أن يكون هو ذاته القاتل المسلح.
ومن المحتمل استخدام صوت أخر مختلف للتعليق على لقطات الفيديو بعد تصويرها، إلا أن خبير اللغويات "جين سيتر" يعتقد أن المتطرف كان يتحدث بالفعل فى الفيديو، وأضاف البروفيسور في جامعة Reading University" " "على عكس المتطرف جون تبدو حركات فك المتحدث المتطرف أكثر تميزا، ما يجعلني أعتقد أنه يتحدث بشكل حي بالفعل وأنه لم يتم تركيب التعليق الصوتي لاحقا".
وتزايدت التكهنات بأن الطفل الصغير الذي ظهر في الفيديو الدعائي لإعدام خمسة جواسيس مرتدين ملابس برتقالية يمكن أن يكون ابن العروس المتطرفة من لندن "خديجة دارى" حسبما أفاد والدها، وظهر الطفل في الفيديو مرتديا زيا عسكريا ووشاح أسود يحمل علامة بيضاء تشير إلى "داعش" وتصرح "سوف نقتل الكفار". كما أكد جد الطفل ويدعى "هنرى دارى" أن الطفل البالغ من العمر أربعة أعوام هو حفيده ونجل العروس المتطرفة ابنته "خديجة دارى" التي نشأت في لويشام جنوب لندن لأبوين مسيحيين من نيجيريا، وأنها اعتنقت الإسلام عندما كانت مراهقة.
وأضاف السيد هنري الذي يعمل سائق ميني كاب للصحيفة "فوجئت عندما رأيت الصورة بالتأكيد أنه حفيدي، بالطبع أن قلق ولكن لا يوجد شيء يمكنني فعله، أنا لست غاضبا ولكنى لم أكن أتوقع أن يحدث ذلك، وأتمنى أن يعيدهم شخصا ما".
وتوسل السيد هنري في لقاء له مع القناة الرابعة إلى ابنته للعودة إلى بريطانيا قائلا " يمكنها العودة ومواجهة الأمر لأنها عرضت نفسها للخذلان، عندما كانت تتصل بي كنت أتجاهل اتصالاتها لأنها جلبت العار للعائلة ولنفسها".
ونشرت خديجة دارى صورة صادمة لابنها "عيسى" (أربعة أعوام) عبر حسابها على "تويتر" في عام 2014 وهو مبتسما ويحمل بندقية AK-47، وتزوجت خديجة من مقاتل سويدي يدعى "أبو بكر" الذي تحول إلى الإسلام وكان يحضر سابقا في مسجد جنوب لندن، كما أن هناك شقيق أخر لعيسى يتراوح عمره بين عامين إلى ثلاثة أعوام وتشير إليه والدته باعتباره "المجاهد الصغير".
وظهرت العروس المتطَرفة البريطانية "خديجة دارى" في فيديو وثائقي لتنظيم "داعش" منذ عامين، وأشادت خديجة في الفيديو الذي بثته القناة الرابعة للأخبار بفضائل دينها الإسلامي المتعددة، مضيفة "أنا لست مظلومة، وإذا كنت من المظلومين، لم أكن مسلمة حتى الآن، وإذا كنت أعتقد أن الإسلام دين قمعي، لكان تركته ولكن الإسلام جعلني حرَة". كما حثت المسلمين خلال الفيديو على التوقف عن الأنانية، داعية جميع المسلمين للانضمام للجهاد في سورية. وشوهد زوجها " أبو بكر" وهو يدخل إلى المنزل حاملا بندقيته AK-47 والتي علقها بجانب أسلحة أخرى في غرفة المعيشة.
ويروي الزوج أثناء جلوسه على الأرض عن قتاله الليلي من أجل "داعش" التي دفعت له فقط 150 دولارًا في الشهر لذبح الأبرياء، وتزوج أبو بكر السيدة "دارى" بعد الهروب إلى سورية عام 2012 وتوفي لاحقًا في إحدى المعارك.
وأفاد ذر من قبل بأنه يريد العيش في ظل حكم "داعش" في سوريا، وذكر جار سابق له لم يرد ذكر اسمه أنه شعر بأن شيء ما خطأ عندما شاهد ذر في الاحتجاجات في التليفزيون ضد الجنود البريطانيين العائدين من جولات في الشرق الأوسط، موضحًا "علمت أنه شخص سيء عندما شاهدته في التليفزيون بعد عودة الجنود البريطانيين، وكان ذلك بعد عام من انتقالنا إلى المنطقة التي يعيش فيها، في البداية كان يبدو شخصا طبيعيا، وذات مرة كنت أرمى القمامة وعثرت على نشرات في سلة المهملات لجماعة المسلمين ضد الصليبيين، وتحدثت المنشورات عن تطبيق قانون الشريعة في والتهام فورست، وحاولوا إقناعنا بأنها منظمة سلمية لكنها ليست كذلك"
وأضاف الجار "لقد كان يخبر النساء بأهمية التستر ويقول للشباب المثلى أن يتوقفوا عن المثلية، ولم يكن يعمل وكان دائما يأتي بسيارة مع معدات القلعة النطاطة لكننا كنا نعتقد أنها مجرد حيلة، وكان يأتي إلى منزله شخصيات مراوغة ومنهم رجال في لباس ديني، وعندما جاء مستأجرًا أخر للمنزل وجدوه مليئا بالمنشورات".
وتحدث "ذر" في مقابلة مع Vice News عام 2013 عن اعتناقه للإسلام بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر واصفا ديفيد كاميرون والنواب البريطانيين بالدعاة الحقيقيين للكراهية والعنف الذين يسمحون بإطلاق النيران على الأطفال والنساء في أفغانستان، مضيفا "نعتقد أنه مع تأسيس الشريعة ستتواجد الدولة الإسلامية النقية في العراق أو سورية، ويومًا ما سنشن الجهاد على بريطانيا، ولن ننسى أوروبا أو بريطانيا، وسيتم إرسال جيوش إلى هناك للسيطرة على هذه الأراضي".
وظهر في الفيديو الدعائي ظهر خمسة أسرى معترفين بجرائمهم بالإكراه وأخذوا إلى منطقة صحراوية وأمروا بالركوع، وصاح المتطرف الذي تحدث بالإنجليزية " الله أكبر" أقبل أن يبدأ مع أربعة من زملائه بإطلاق النيران على الرجال الأسرى من مسافة قريبة، وانتهى الفيديو بمتطرف شاب أسمر اللون محذرا البريطانيين من الفظائع المقبلة.
وزادت المخاوف بعد قيام الطفل الذي ظهر في الفيديو بقتل أحد الأشخاص أمام الكاميرا، وقال المتطرف قبل قتل الأسرى بدم بارد " هذه رسالة إلى ديفيد كاميرون عبد البيت الأبيض وحمار اليهود". كما وصف رئيس الوزراء البريطاني بالأبله وحذره قائلا "أطفالك سيدفعون ثمن الغارات الجوية البريطانية على أهداف داعش في سورية"، ويمكن القول أن منفذ الإعدام في الفيديو يشبه المتطرف جون واسمه الحقيقي محمد إموازى والذى ظهر في فيديو قتل عمال الإغاثة البريطانيين "ديفيد هاينز" و "آلان هينينج" والصحافيين الأميركيين ستفين سوتلوف وجيمس فولى وعامل الإغاثة الأميركى بيتر كاسيج والصحافي الياباني كينجى غوتو.
وقٌتل إموازى في غارة أميركية من دون طيار بالقرب من برج الساعة الشهير في معقل "داعش" في سورية، في مدينة الرقة في نوفمبر/ تشرين الثاني، ويعتقد خبراء الأمن أن عمليات الإعدام الجماعي نتيجة مطاردة داعش لمن ساعدوا القوات الغربية لقتل إموازى، ويعتقد أن الرجال الخمسة الذين قتلوا رميا بالرصاص في الفيديو يشتبه في توفيرهم معلومات عن تحركات ومظهر إموازى.
وأعلن الضحايا في الفيديو مُكرَهين أسمائهم مع ذكر موجز لجرائمهم، ومن بين الضحايا " عمر حمود جعفر" (30 عاما) من الرقة والذى أفاد أنه أدلى بمعلومات عن تضاريس المدينة، والضحية آبى محمد عبد الغنى (26 عاما) والذى كان يتولى المراقبة السرية، وأفاد الضحية فيصل حمود جعفر (25 عاما) من الرقة أن تم دفع المال له لفتح مقهى أنترنت في المدينة، وأوضح الضحية مهيار محمود عثمان أنه تلقى مبلغ 300 دولار في تركيا لفتح مقهى أنترنت، كما اعترف الضحية حائل مروان عبد الرازق (40 عاما) أنه التقط صور لنشاط المتطرفين المسلحين.