تونس ـ كمال السليمي
يتوجه ملايين التونسيين الأحد، إلى صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس الخامس منذ الاستقلال والأول بعد إقرار الدستور الجديد، في انتخابات تتميز بالحضور الأول للعنصر النسائي بترشح القاضية كلثوم كنو من بين 22 مرشحًا أبرزهم الرئيس الحالي المنصف المرزوقي ورئيس حركة "نداء تونس "الباجي قايد السبسي ورئيس حزب "التكتل" من أجل العمل والحريات ورئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر.
وأعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات شفيق صرصار، أنَّ نحو 5.2 ملايين ناخب تونسي يتوجهون نحو صناديق الاقتراع لاختيار أول رئيس منتخب عن طريق الاقتراع المباشر بعد الثورة، ويتوزع هؤلاء على 11 ألف مكتب اقتراع موزعة بين تونس والخارج.
ويمنح القانون الانتخابي مهلة ثلاثة أيام بداية من إغلاق آخر مكتب اقتراع للإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية، ولكن الهيئة ستسعى إلى اختصار هذا الأجل إلى يومين، وفي حالة عدم تحصل أي مترشح على غالبية 50 في المائة زائد صوت واحد، يتم اللجوء إلى دورة ثانية، يشارك فيها فقط المترشحان الحائزان على المرتبة الأولى والثانية في الدورة الأولى، وهو الأمر المتوقع بحسب التقديرات غير الرسمية.
ومنح المشرع الهيئة أجلًا أقصاه 31 كانون الأول/ ديسمبر 2014 لإجراء الدورة الثانية، غير أنه من الممكن إجراؤها قبل هذا الموعد إذا لم يكن حجم الطعون كبيرًا أو تم الفصل في الطعون بشكل سريع.
وفي السياق نفسه، أشار الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الوطني المقدم بلحسن الوسلاتي، إلى تعزيز المؤسسة العسكرية بمنظومة التدخل السريع برًا وبحرًا وجوًا لتأمين الانتخابات الرئاسية وتخصيص حوالي 26 ألف عسكري للتأمين المباشر للعملية الانتخابية، مضيفًا أنّه تم وضع 1600 عربة عسكرية وثماني طائرات نقل جوي و12 مروحية عسكرية و4 زوارق سريعة لنقل العسكريين والمعدات الانتخابية، كما سيكون 12 ألف آخرين مستعدّين للتدخل السريع وعند الحاجة.
وأوضح أنَّ حوالي 62 ألف عون أمن وحرس وحماية وسجون وجمارك، وكذلك 38 ألف عسكري لتأمين الانتخابات، أي 100 ألف عون مسلح أو حتى أكثر في كل مراكز ومكاتب الاقتراع والبالغ عددها 11 ألف مركز لتأمين الممرات والمسالك ومراكز التجميع وفق خطة أمنية واسعة.
إلى ذلك، كشف التقرير الأولي الذي أعدته شبكة "مراقبون" لمراقبة الاستحقاق بمناسبة الحملة الانتخابية الرئاسية عما أسمته "حالة من العزوف العام في التفاعل مع الحملات الانتخابية في جل مناطق البلاد خلال الأسبوعين الأول والثاني". موضحًا أنَّ "حالة العزوف صاحبها ضعف في التواصل مع الناخبين بشكل مباشر".
وأشاد المنسق العام للشبكة رفيق الحلواني خلال مؤتمر صحافي بـالانتشار الأمني المكثف لتأمين سير الحملة الانتخابية الرئاسية في كل جهات تونس، مبيّنًا أنَّ "هذه الحملات كانت في مجملها فاترة في الأسبوعين الأول والثاني ثم تصاعدت وتيرتها من خلال تنظيم الاجتماعات العامة والاتصال بالناخبين"، مشيرًا إلى أن "فرق المراقبين 620 مراقبًا وهم متطوعون عاينوا بعض مظاهر التلاسن والعنف اللفظي بين أنصار بعض المترشحين لاسيما حين يتجولون في المكان نفسه تقريبًا".
يُشار إلى أنَّ الانتخابات ستحسم من يكون الرئيس التونسي المنتخب الخامس في تاريخ الدولة التونسية الحديثة بعد الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي اللذين حكما البلاد لمدة 53 عامًا، فيما قاد فؤاد المبزع والمنصف المرزوقي الرئاسة الانتقالية.
وبدأت مرحلة الحكم في تونس بعد استقلالها في 20 آذار/ مارس 1956 بإجراء انتخابات المجلس القومي التأسيسي في 8 نيسان/ أبريل 1956، حيث انتخب بورقيبة رئيسًا للمجلس، قبل أن يتمّ تكليفه رئاسة الحكومة.
وشرع بورقيبة في القيام بإصلاحات عميقة وثوريّة في المجتمع التونسي، ثم تمّ إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية برئاسة الحبيب بورقيبة في 25 تموز/ يوليو 1957 وانتُخب بورقيبة أوّل رئيس بعد المصادقة على الدستور في 1 يونيو 1959.
وشهدت فترة حكم بورقيبة تجارب اقتصادية مختلفة، منها التجربة التعاضدية في الستّينات بقيادة أحمد بن صالح، وانتهت بأزمة اقتصادية خانقة، والتجربة الليبيراليّة مع حكومة الهادي نويرة في السبعينات، وشهدت فترة حكمه هزّات مختلفة كمحاولة الانقلاب الفاشلة في 1962، وأحداث كانون الثاني/ يناير في 1978 وأحداث الخبز في كانون الثاني/ يناير 1984.
وازداد تسلّط بورقيبة مع تقدّمه في السّن، وتمّ تنقيح الدستور وإسناده الرئاسة مدى الحياة في 1974، غير أنَّ حكمه انتهى في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1987 حينما أزاحه الوزير الأول زين العابدين بن علي بشهادة طبّية ليحل محله.
وكما حكم بورقيبة تونس 30 عامًا حكمها بن علي 23 عامًا، شهدت خلال فترته تقدمًا في مجالات اقتصادية واجتماعية وفي مستوى البنية التحتية، غير أنها عرفت تضييقًا على الحريات العامة، وانتخب بن علي لخمس ولايات متتالية في1989 و1994 1999 و2004 و2009 في ظل سيطرة الحزب الواحد.
وتمَّت الإطاحة به في 14 كانون الثاني/ يناير 2011 بعد انتفاضة شعبية عارمة، وتولى الوزير الأول حينها محمد الغنوشي رسميًا مهمة نائب الرئيس بشكل مؤقت لفترة لم تتجاوز 24 ساعة يومي 14 و15 من الشهر نفسه، ليتقلد بعده رئيس مجلس النواب حينها فؤاد المبزع منصب الرئاسة لمدة 11 شهرًا تطبيقًا لمقتضيات الدستور السابق.
وفي 13 كانون الأول/ ديسمبر 2011، تم انتخاب المنصف المرزوقي زعيم حزب "المؤتمر" من أجل الجمهورية من قبل المجلس التأسيسي رئيسًا لتونس تنفيذا لاتفاق المحاصصة الحزبية التي أعقبت انتخابات 23 تشرين الأول/ أكتوبر وجمعت بين أحزاب "حركة النهضة" و"المؤتمر" و"التكتّل"، وتم بموجبها تقاسم الرئاسات الثلاث.