الرباط - رشيدة لملاحي
كشف الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان المغربي، مصطفى الخلفي، أنّ "الإصلاحات التي أرساها دستور 2011، والمتعلقة بالديموقراطية التشاركية كمكوّن حيوي للبناء المؤسساتي، في تكامل مع الديموقراطية التمثيلية، ولاسيما مع أعمال القوانين التنظيمية لكل من الملتمسات التشريعية والعرائض الموجهة إلى السلطات العمومية وهيئات التشاور العمومي على المستوى المحلي والإقليمي والمحلي، والتي تحتاج الْيَوْمَ إلى تعزيز قدراتها وتفعيلها، وهي القوانين ونصوصها التطبيقية التي صدرت بين 2015-2017 ونحن الْيَوْمَ في مرحلة تفعيلها".
وأضاف الخلفي أنّ "السياق التنموي الذي يهم دعوة الملك محمد السادس لبلورة نموذج تنموي جديد يمكن من تحقيق الإنصاف والعدالة، إذا كان المغرب قد حقق تقدما ملموسا، يشهد به العالم، إلا أن النموذج التنموي الوطني أصبح الْيَوْمَ، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية كما جاء في خطاب افتتاح السنة التشريعية الثانية في أكتوبر 2017"، مبرزا الحاجة إلى "التنفيذ الجيد للمشاريع التنموية المبرمجة" و"القيام بالمتابعة الدقيقة لتقدم تنفيذ البرامج الاجتماعية والتنموية" و"مواكبة الأشغال بالتقييم المنتظم والنزيه"، معتبرًا أنّ ذلك يطرح تحديات كبيرة على الفاعلين في المجتمع المدني لمساهمة فعالة في تجديد النموذج التنموي.
وبيّن الخلفي، أنّ "المؤشرات الرقمية تكشف عن حيوية معتبرة لجمعيات المجتمع المدني لكنها تبقي محدودة في إنتاج الثروة أو في المساهمة في التوزيع العادل لها، مما يطرح آفاقا واعدة لدور مستقبلي في ذلك ويتوجه إلى أكثر من 150 ألف جمعية، 93 % منها محلية، 350 ألف متطوع شريك للجماعات الترابية بدعم يناهز 700 مليون درهم إلى 13 ألف جمعية فاعلة في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بدعم مباشر لأكثر من 14 ألف جمعية بتغطية مالية 4 مليار درهم في 10 سنوات، ومشرف عن منظومة مؤسسات الرعاية الاجتماعية والتي يتجاوز عددها 1100 مؤسسة مرخصة، مع منظومة للدعم العمومي عير قطاع التضامن والأسرة والمساواة والتنمية الاجتماعية بتغطية مالية في 2018 بلغت 370 مليون درهم، في مجالات حماية الطفولة والمسنين ورعاية الأشخاص في وضعية إعاقة والنساء في وضعية صعبة، وهناك مبادر في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الأمية بأكثر من 4000 جمعية ضمنها 1300 في مجال الأمية الوظيفية وبميزانية تفوق 400 مليون درهم، وشريك في برامج دعم التمدرس واحتضان الطلبة ومكافحة الهدر المدرسي وخاصة في العالم القروي بتغطية مالية تفوق 500 مليون درهم، ويفوق الدعم العمومي 6.4 مليار درهم دون ذكر مجالات أخرى ذات أبعاد ثقافية وفنية وإبداعية"، مشيرًا إلى أنه رغم ذلك فنحن إزاء مساهمة محدودة في النموذج التنموي ورغم هذه الحيوية الدالة، فإن المساهمة في إنتاج الثروة الوطنية ما تزال محدودة وتواجهها عدة معيقات وقيود، كما تفتقد الاعتراف والمواكبة والتحفيز، وهو ما تكشفه معطيات الحسابات الوطنية للمندوبية السامية للتخطيط والتي تعتمد كأساس البحث الوطني للجمعيات لسنة 2008".
وأشار الخلفي إلى أنّ "إنتاجية الجمعيات غير الربحية تقدّر بنحو 4.8 مليار درهم في 2012 وانتقلت الى 6.95 مليار درهم في 2016 وتقدر القيمة المُضافة ب 1.283 مليار درهم في 2012 وانتقلت الى 1.8 مليار درهم في 2016ومجموع التعويضات والاجور المقدمة تبلغ 1.216 مليار درهم في 2012 وانتقلت الى 1.7 مليار درهم في 2016 وتبلغ موارده 9.364 مليار درهم في 2012 الى 10.023 مليار درهم في 2016وهي معطيات رغم نسبيتها لكنها معبرة ودالة تكشف عن مساهمة جد محدودة وضعيفة في الناتج الداخلي الخام القادمين 0.2%، وبموارد محدودة لا تتجاوز 2% من الميزانية العامة للدولة بمجموع مرافقها ومؤسساتها، فضلا عن وجود ضعيف جدا في التحفيزات الضريبية لا تتجاوز 186 مليون درهم ضمن غلاف مالي يفوق 33 مليار درهم مجموع قيمة الاستثناءات الضريبية، كما ان دوره كقوة مشغلة يتسم بالهشاشة وعدم التثمين وغياب شبه كلي للحماية الاجتماعية".
وبخصوص محاور مستقبلية لمساهمة فعالة للمجتمع المدني، شدّد الخلفي على أن "مشروع تجديد النموذج التنموي طموح وطني يقتضي تعبئة كافة الطاقات، وهو مشروط باندماج أقوى للمجتمع المدني بما يجعله منه رافعة مستقبلية ضمن مجموع رافعات النموذج التنموي المطلوب وهناك يمكن الاشتغال على محاور 5 نعتبرها اطارا للنقاش والحوار والتشاور من خلال الاعتراف بدور المجتمع المدني كقوة مشغلة، والتحفيز على ذلك، مما يقتضي اعتماد إطار قانون للتطوع وتوفير أنظمة الحماية الاجتماعية للفاعلين، وتثمين المكتسبات المحققة في إطار أنظمة التكوين المستمر، واعتماد مقتضيات ضريبية منصفة وتحقق على الأقل المساواة مع الامتيازات الضريبية الممنوحة للمقاولة في هذا المجال، إلى جانب تعزيز الشراكة مع المجتمع المدني في مشروع تجديد النموذج التنموي، وخاصة في تنزيل الرافعات السبع التي طرحها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومنها رافعات تثمين الرأسمال البشري، واعتماد ميثاق اجتماعي جديد، وإعادة الاعتبار للثقافة، وهو ما سيمكن من ناحية أولى من جعل الجمعيات فاعل في سياسات المساواة، والحماية الاجتماعية، وإدماج الأشخاص في وضعية اعاقة، وإدماج الشباب وتعزيز الثقة كضمانة للتماسك الاجتماعي، كما سيتيح من ناحية ثانية تقوية مساهمة الجمعيات في النهوض بالمستوى المعرفي العام للمجتمع وتسريع الدخول الى مجتمع المعرفة، ويتطلب ذلك تطوير منظومة الدعم العمومي وارساء منظومة خاصة بالجهات، تتيح التعاقد المنتج والمثمر في مختلف تلك المجالات، واستثمار رصيد عمليات تقييم تجارب الشراكات، وتعبئة الموارد المالية الأزمة".
وأكد الخلفي على أهمية إرساء آليات مشاركة الجمعيات في ضمان التقائية السياسات العمومية، باعتبار ان غياب الالتقائية يمثل نقطة ضعف مركزية تحد من أثر السياسات العمومية في انتاج الثروة والتوزيع العادل لها، وهو ما يتطلب من جهة تعزيز المقاربة التشاركية بين الهيئات المنتخبة والسلطات العمومية من جهة وجمعيات المجتمع المدني من جهة أخرى، تضمن مشاركة فعلية في التشاور والاقتراح وفِي تفعيل وتنفيذ السياسات وتحديد الاولويات ثم في تقييم أثرها ونتائجها، كما يتطلب دورا أكبر للجمعيات في الحكامة المسؤولة التي تعترف بها معنيا بضمان نجاعة النفقات العمومية وترشيدها والاستثمار الأمثل لها.
وأشار الخلفي إلى أن "هناك تطلعًا قويًا لانخراط فعال للجمعيات وفقا لأحكام الفصول 139/15/14/13/12 من الدستور، وذلك عبر هيئات التشاور العمومي المحدثة بمقتضى القوانين التنظيمية للجماعات الترابية والآليات المتعلقة بالعرائض والملتمسات التشريعية وغيرها وذلك على صعيد 5 مستويات منها التفاعل مع مسار إعداد وتنفيذ وتقييم المخططات التنفيذية السنوية لبرنامج محاربة الفوارق المجالية والاجتماعية، والممتد على سبع سنوات، بغلاف مالي قيمته 50 مليار درهم. والتفاعل مع مسار إعداد وتنفيذ وتقييم برامج التنمية المحلية والبرامج الإقليمية والمحلية، والتتبع والتقييم لبرامج الاستثمار العمومي والتي تمثل التنزيل ذي الطابع المالي للسياسات والبرامج والاستراتيجيات الوطنية والموزعة بحسب الجهات والتي يصدر بشأنها تقرير سنوي يحدد تفاصيل هذا التوزيع ويقدم للبرلمان كجزء من التقارير المرافقة لمشروع قانون المالية، والترافع أمام مؤسسات الديموقراطية التشاركية بمناسبة تقييم السياسات العمومية، والمبادرة لرفع عرائض أو ملتمسات تهم مخرجات عمليات التقييم أو اقتراح قضايا أو مبادرات جديدة، وتملك المعطيات الإحصائية المتاحة وخاصة المتعلقة بالإحصاء العام وإسقاطاته المحلية، أو خريطة الفقر ومؤشراتها، أو المعطيات التخصصية بحسب مجالات الفعل التنموي، باعتبار ذلك شرط لترافع فعال واستباقي ومستقبلي، وتأهيل قدرات هيئات التشاور العمومي وعموم الجمعيات في مجالات الديموقراطية التشاركية والتعاطي مع السياسات العمومية والترافع التنموي، مع مواكبة ذلك بالإسراع باعتماد قانون للتشاور العمومي، وإصلاح شمولي للمنظومة الضريبية والمحاسباتية، لتصحيح التعاطي غير العادل وغير المنصف للنظام الضريبي الحالي، واعتماد إجراءات للتخفيض الضريبي الجزافي والاعتراف بنظام محاسباتي ملاءم ومبسط يأخذ بعين الاعتبار الطابع غير الربحي للجمعيات".
وجدد الوزير الخلفي تأكيده على أن اعتماد نسبة مخفضة للضريبة على التعويضات الممنوحة للمكونين للموارد البشرية العاملة في الجمعيات بنسبة 17% مثلما يتم لفائدة مكونين لأطر مؤسسات التعليم الخاص وذلك عِوَض 30% الحالية، واعتماد تخفيض ضريبي جزافي بقيمة %20-25% عن التعويضات مثلما هو الشأن مع عدد من الفئات كقطاع الاعلام، وايضاً مراجعة نظام الضريبة على القيمة المُضافة على الجمعيات باعتبارها لا تمثل المستهلك النهائي حيث تضطر لتقديم خدماتها مجانا، وايضاً ما يتعلق بالحق في تلقي التبرعات وخصمها من الضريبة وفق نسبة معينة، وغيرها من الإجراءات التي اقترحها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره حول الحياة الجمعوية.