الرباط - المغرب اليوم
هنا أربعة رؤساء حكومة مختلفي الوزن والأثر لكل بصمته، ولكل طريقته. عبد الله إبراهيم، عبد الرحمان اليوسفي، عبد الإله ابن كيران، وسعد الدين العثماني، فما الذي يجمعهم وما الذي يفرقهم جاؤوا جميعا في لحظات مفصلية من تاريخ المغرب المستقل، فعبد الله إبراهيم جاء إلى رئاسة الحكومة في زمن حاسم من مغرب الاستقلال بعد العهد الملكي الذي وعد به محمد الخامس للدخول إلى النادي الديمقراطي عام 1958. عبد الرحمان اليوسفي بعد تغيير دستوري عام 1996 تحقق حوله شبه إجماع وطني،
فعينه الملك الراحل الحسن الثاني وزيرا أول، في فترة كان يهيئ فيها لانتقال سلس للعرش عبد الإله ابن كيران عين رئيسا للحكومة بعد أن أطاح الربيع العربي برؤساء دول، وأدخلها في دوامات ما زالت تحاول الخروج من نفقها، فكانت حركة 20 فبراير فخطاب 9 مارس التاريخي، ثم دستور 2011 الذي تحقق حوله إجماع وطني سعد الدين العثماني، جاء بعد فوز ساحق لحزب العدالة والتنمية في ثاني انتخابات بعد دستور 2016 رغم كل محاولات قص أجنحته. واحترم الملك الدستور في تنصيب ابن كيران
رئيسا للحكومة للمرة الثانية، لكن تمت فرملته بأكبر “بلوكاج” عرفته الحياة السياسية في المغرب بعد مرحلة الاستثناء، فكان بمثابة ورقة لتجاوز الأزمة ضمن خيارات أخرى ما يجمع بين هؤلاء الأربعة الذين تحملوا مسؤولية رئاسة الحكومة هو أن عبد الله إبراهيم تمت إقالته وحكومته عام 1961، وعبد الرحمان اليوسفي لم يتم تعيينه للمرة الثانية رغم حصول حزبه على المرتبة الأولى في ما سمي خروجا عن “المنهجية الديمقراطية”، رغم أن الدستور لم يكن يفرض على الملك تعيين وزير أول من الحزب الحاصل على الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، أما عبد الإله ابن كيران فتم عزله بعدما بات ما يعرف بـ”البلوكاج السياسي”، وها هو العثماني يفقد أغلبيته أمام القاسم الانتخابي الذي وضع لفرملة حزبه وعدم ضمانه فوزا انتخابيا ورئاسة حكومة ثالثة، كما يتوقع جل المحللين.
لكن ما الذي يفرق بينهم؟
كان عبد الله إبراهيم مناضلا ومقاوما تعرض للاعتقال أكثر من مرة، وحكومته كانت اشتراكية وطنية، وتركت مشاريع اقتصادية كبرى مهيكلة على عهد محمد الخامس في زمن محاولة بناء الدولة المستقلة. وقد تعرض للإقالة لأن حكومته كانت لها مطالب تحررية وبرامج ارتاب منها ولي عهد المملكة. وبعد مرور 40 سنة، توصل الأستاذ الجامعي ـ بعد وساطة نبيلة من رفيق النضال اليوسفي ـ بمعاش استثنائي منذ غادر الحكومة، وصل إلى ثلاثة ملايير لكنه رفضها بأدب ولم يُقم الدنيا ولا أقعدها عبد الرحمان
اليوسفي عين كوزير أول بعد غضبته الشهيرة في 17 شتنبر 1993، وعاد إلى الحقل السياسي كبطل تعرض للاعتقال زمن الاستعمار وبعد الاستقلال وطالبت النيابة العامة بالحكم عليه بالإعدام، وظل بالمنفى لسنين عديدة، محاميا ومناضلا حقوقيا، قاد أكبر حزب في المعارضة نحو الحكومة على عهد السكتة القلبية التي أعلنها الحسن الثاني بعد تقرير صادم للبنك الدولي عام 1994. قدم خدمة كبيرة للطبقة الوسطى كما في الجانب الاجتماعي وأعطى وهجا سياسيا قويا لمنصب الوزير الأول. تخلى عن تعويضه من
هيئة الإنصاف والمصالحة، وتنازل عن تعويضات كل المهام الحكومية خارج الوطن لفائدة صندوق التضامن مع العالم القروي، وحتى بعد حصوله على معاش قانوني ظل يصرف له حتى وفاته، فإنه فعل ذلك بدون ضجيج أيضا عبد الإله بنكيران أتى إلى رئاسة الحكومة في ظل أحسن دستور، يعطي اختصاصات كبرى لرئيس الحكومة، فحرر الأسعار، وأفرغ النقابات من محتواها، وحذف صندوق المقاصة. كانت الطبقة الوسطى أكبر ضحية لسياسته الحكومية، لكنه على خلاف عبد الرحمان اليوسفي، حافظ على
الآلة التنظيمية لحزب العدالة والتنمية، وهو ما أهله للحصول على الرتبة الأولى مجددا، وبسبب عناد ما، وجد نفسه والمغرب أمام «بلوكاج» سياسي، فتمت إقالته وتعيين سعد الدين العثماني خلفا له. تلقى معاشا استثنائيا جر عليه سخطا مجتمعيا مازالت تداعيته قائمة حتى اليوم، أما سعد الدين العثماني فهو في اللحظات الأخيرة من عمر حكومته، ومازال أمر معاشه أو تعويضاته بعد ذهابه غير مطروح. حين عين عبد الرحمان اليوسفي زار عبد الله إبراهيم ليعطي لحكومته طابعها الوطني، وحين عين عبد
الإله ابن كيران زار عبد الرحمان اليوسفي لجعل حكومته امتدادا للتناوب التوافقي عبد الله إبراهيم، مراكشي من أسرة الشرفاء الأدارسة، وأستاذ جامعي تحمل مسؤوليات إعلامية منها وزارة الأنباء. عبد الرحمان اليوسفي طنجاوي، محام كان رئيسا للتحرير في جريدة «التحرير» ثم مديرا ليومية «الاتحاد الاشتراكي» عبد الإله ابن كيران، فاسي، أستاذ لمادة الفيزياء بالمدرسة العليا للأساتذة، كما تحمل مسؤولية إدارة الجريدة الناطقة بلسان حزبه. وسعد الدين العثماني سوسي من إنزكان، طبيب نفسي وفقيه، شغل منصب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ما بين 2004-2008. تقلد منصب وزير الشؤون الخارجية والتعاون بحكومة ابن كيران، ثم عُين رئيساً للحكومة في 17 مارس 2017 المقارنة هنا لا تعطي أي مفاضلة أو امتياز أو تراتبية، تماما كما هو انتقاء أربعة من ضمن باقي رؤساء حكومات المغرب المستقل، إنه انتقاء مهني للمقارنة بين سياقات متشابهة في تاريخ المغرب الحديث.
رؤساء حكومة جمعت بينهم التغييرات الدستورية التأسيسية:
الملفت في هذه التجارب الحكومية الثلاث لرؤساء الحكومة الأربعة، هي أنها جاءت بعد تغييرات دستورية أو وعد بإدخال البلاد في دائرة الدستور. فحكومة عبد الله إبراهيم التي نصبت في 24 دجنبر 1958، جاءت بعد إصدار الملك محمد الخامس، لما بات يعرف بالعهد الملكي في 8 ماي 1958 وبعدها تم تعيين أول مجلس دستوري انفجرت الألغام تحت أقدامه في أول الطريق لقد جاء عبد الله ابراهيم إلى الرئاسة بتكليف من الملك محمد الخامس، في سياق إخراج المغرب ـ حديث العهد بالاستقلال ـ من حالة اللا
دستور إلى حالة الدستور المؤسس لطبيعة الدولة المغربية. بينما عين عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أول بعد إصلاح دستوري عام 1996، تمت المصادقة عليه لأول مرة في التاريخ من طرف الاتحاد الاشتراكي، فيما اعتبر مصالحة وطنية كبرى، وجاءت حكومته بعد انتخابات تشريعية تمكن من خلالها حزب القوات الشعبية من الحصول على المرتبة الأولى بـ57 مقعدا في 14 نونبر 1997. لقد كان الأمر حقيقة يتعلق بعيد حب بين الدولة وحزب الاتحاد الاشتراكي، فيما أثارت النتيجة الكثير من الجدل، خاصة بعد
التزوير الذي تعرضت له لائحة حزب الاستقلال الذي عقد مجلسا وطنيا ساخنا أعلن من خلاله عن رفضه لنتائج الانتخابات وعدم تزكية جميع المؤسسات الناتجة عنها. كان الأمر أشبه بتضييق الخناق على كل الخيارات الممكنة، لكن صبر اليوسفي جعله ينجح في دفع الاستقلال لإعلان مؤتمر استثنائي سينسخ موقف مجلسه الوطني ليشارك في الحكومة عين عبد الإله ابن كيران (وقد كان إدريس البصري يهدد قيادات الكتلة في بداية التسعينيات في ما يشبه النصيحة الخالصة بأن الحسن الثاني يمكن أن يعين ابن
كيران وزيرا أول) رئيسا للحكومة في سياق وطني وعربي ساخن مع هبوب رياح الربيع العربي، الذي أطاح برؤساء دول عديدة في الجوار، وأدخل المنطقة العربية حالة لا استقرار سياسي، ومثلث حركة 20 فبراير بشعاراتها المطالبة برحيل الفساد والاستبداد مرحلة جديدة في تاريخ الاحتجاجات المغربية، رفعت من مستوى التعاطي مع الأحداث الجارية، غير أن المفاجأة كانت في ذهاب الملك حتى أعمدة هرقل، أي إلى الحد الأقصى في خطاب 9 مارس 2011، الذي وصف في الداخل والخارج «بالتاريخي»، وأنتج
لأول مرة دستورا وطنيا من إنتاج النخبة المغربية وبإجماع مختلف ألوان الطيف السياسي. دستور 2011 الذي أعطى اختصاصات غير مسبوقة لرئيس الحكومة، لم يحلم بها عبد الرحمان اليوسفي، الذي غرق في مسلسل تقديم حسن النية للقصر أما سعد الدين العثماني فقد جاء كرئيس للحكومة مفتاحاً لحل أزمة عبد الإله ابن كيران، بعد أن كانت قد مضت ست سنوات على تغيير الدستور لم يلم أحد عبد الله إبراهيم لأنه مارس اختصاصات رئيس حكومة حتى في غياب الوثيقة الدستورية، ووجهت أسهم النقد لعبد
الرحمان اليوسفي لأنه كان منشغلا بعدم إغضاب الملك، وبدا كما لو أنه قايض تاريخ الحركة الاتحادية ونضالاتها بغير ثمنها الحقيقي، حسب ما قال لي المرحوم الفقيه البصري شخصيا، وهو ذاته ما عبر عنه بنسعيد آيت يدر في مذكراته مؤخرا. لكن الانتقاد الأكبر وجه إلى عبد الإله ابن كيران بكونه لم يعمل على التنزيل الديمقراطي للدستور الذي يمنحه صلاحيات واسعة تنازل عنها بشكل طوعي. أما سعد الدين العثماني فقد وجد نفسه أمام انتقادات من كل حدب وصوب من الخصوم كما من أعضاء الحزب، ولا أدل على ذلك المذكرة التي أصدرها شباب العدالة والتنمية مسنودين بأعضاء مقربين من عبد الإله ابن كيران، والتي اعتبرت حكومته بلا طعم ولا لون، ولا سمة تميزها عن باقي الحكومات السابقة على عهد رؤساء الحكومة الثلاثة الآخرين. فعلى عهده تمت الموافقة على التدريس بالفرنسية وهو ما كاد يشق الحزب الأغلبي، وحدث التطبيع مع إسرائيل، ولم يسجل أي حدث قوي يحسب له.
رؤساء جمعت بينهم النهايات السياسية الاستثنائية:
رؤساء الحكومة الأربعة هؤلاء، يلتقون في ما يشبه حوادث سير التمرين الديمقراطي بالمغرب، فعبد الله إبراهيم المنوه تاريخيا بتجربته الحكومية، أقيل وحكومته في 20 ماي 1960. وفي مذكراته، يشرح عبد الرحيم بوعبيد سياق إقالة هذه الحكومة قائلا: «تلقيت يوم 17 أو 18 ماي مكالمة هاتفية من لدن ولي العهد، دعاني فيها إلى عشاء ثنائي، رأسا لرأس، وكان قد مضى ردح من الزمن لم ألتق به. وصلت إذن في الموعد، بفيلاه بالسويسي، بدا منشرحا للغاية، لبقا وودودا. دام اللقاء أزيد من ثلاث ساعات وسوف
لن أقدم منه هنا سوى النقاط الأساسية: قال الأمير: لقد قرر جلالة الملك وضع حد لمهام الحكومة الحالية وهناك فريق آخر قيد التشكيل، لقد وصلنا إلى مرحلة المشاورات النهائية، وقد أمرني جلالة الملك بإخبارك رسميا. شكرته على دعوته وعلى إخباره، ولكن ذكرته بأن جلالة الملك كرئيس للدولة هو من يجب عليه القيام بهذا الإخبار». (انظر الاتحاد الاشتراكي عدد 17/1/2006) في 21 ماي 1960 صدر ظهير إقالة حكومة عبد الله إبراهيم في ظرفية جد ملتبسة، ويروي الراحل عبد الكريم الفلالي لي شخصيا
أن الدبابات العسكرية كانت على استعداد لمحاصرة مقر رئاسة الحكومة، بل إن الصحافي المخضرم مصطفى العلوي تحدث عن تحرك فعلي للدبابات لمحاصرة المقر بأمر من ولي العهد باعتباره المسؤول الأول ـ بتفويض من الملك محمد الخامس ـ عن القوات المسلحة الملكية يقول عبد الله إبراهيم عن هذه اللحظة الحاسمة في التاريخ المغربي المعاصر: «ولدى إخباري من طرف ولي العهد مولاي الحسن شخصيا بإعفائي من منصب رئيس الوزراء مساء يوم 20 ماي 1960، طلب مني تحديد الساعة التي تناسبني
من اليوم الموالي من أجل تسليم واستلام المهام في ما بيني وبينه. حددت له بعد مداولة قصيرة عبر الهاتف، الساعة الثامنة صباحا، وكنت أعرف تمام المعرفة بأن من عادته تعذر ضبط مواعيده في مثل هذه الساعة المبكرة، ولكنني عندما وصلت لمقر الرئاسة مع 8 صباحا في الموعد، فوجئت بولي العهد مولاي الحسن رفقة أحمد رضا اكديرة واقفين في انتظاري». (انظر محمد لومة «سنوات الصمود وسط الإعصار» ص 132/133) لكن المسكوت عنه في هذا الخطاب هو اختيار عبد الله ابراهيم توقيتا
يستعصي على الأمير ـ حسب ما خبره شخصيا وحسب محكيه ـ توقيتا يعرف أن ولي العهد مولاي الحسن لن يلتزم به، ليتفاجأ بحضوره في الموعد. هل هو اللاوعي يكشف عن نفسه بالرغبة في الاستمرار في رئاسة الحكومة، ولا يعلم ما في أنفسكم سوى خالقكم سبحانه. فالتاريخ ليس محكي الأشخاص، ولكنها الوقائع ذاتها التي تحكى من وجهات نظر متعددة حالة عبد الرحمان اليوسفي مختلفة تماما، حصل حزبه على المرتبة الأولى في انتخابات 2002 غير أن الدستور الذي وافق عليه حزب الاتحاد
الاشتراكي بضغط من كاتبه الأول في 1996، لم يكن ينص على ضرورة تعيين الملك للوزير الأول من الحزب الأول في الانتخابات التشريعية. في مذكراته «أحاديث في ما جرى» يقول اليوسفي: «بمجرد الإعلان عن نتائج انتخابات 2002، التقيت الملك محمد السادس بحضور مستشاره الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه، قدمت له الاستقالة من منصبي حتى يتمكن من اختيار من سيكون مسؤولا عن قيادة الحكومة المقبلة. لم يكن صاحب الجلالة على علم بأنني لم أكن أرغب في تحمل هذه المسؤولية، لكنه فضل عدم
تقديم استقالتي في هذا الوقت، ويوم 9 أكتوبر 2002 ترأس الملك آخر مجلس وزاري في مراكش، وبعد نهاية أشغال المجلس قال لي: في عدة مناسبات كنت قد أعربت عن رغبتك في الاستقالة، ونظرا لحالتك الصحية، قررت تعيين إدريس جطو وزيرا أول». ويضيف عبد الرحمان اليوسفي: «شكرت الملك، وقلت له إن دستور 1996 يمنحه صلاحية تعيين من يشاء وزيرا أول، لكن المنهجية الديمقراطية تفرض أن تتم تسمية الوزير الأول من الحزب الفائز بالانتخابات، الذي هو حزب الاتحاد الاشتراكي» منطوق
النص الذي عبر عنه المرحوم عبد الرحمان اليوسفي في مذكراته، لا يوازي منطق الوقائع، هل كان الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي «لا يرغب في تحمل” مسؤولية الوزير الأول غداة 2002، كما جاء في مذكراته لا نشك في صدقية الرجل الذي أبان عن معدنه النضالي والصوفي بعد أن عركته المحن والتجارب، ولكن يعلمنا التاريخ أن نتحلى ببعض المكر في مساءلة المحكيات والمذكرات، وتمنحنا الصحافة حدة النبش في «اللا مقول» المختبئ في ثنايا النصوص والتصريحات الذين حضروا لحظة إخبار الملك
محمد السادس عبد الرحمان اليوسفي بتعيين جطو، يقولون إن الرجل خرج غاضبا، وفوق هذا وذاك، فإن بيان المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي الذي ورد فيه ”أن التقدم الديمقراطي الذي حققته بلادنا يقتضي مراعاة نتائج الاقتراع الشعبي والمنهجية المترتبة عنها، وأن لا شيء يبرر الابتعاد عن المنهجية الديمقراطية»، وهو الأمر ذاته الذي عبر عنه اليوسفي أمام الملك محمد السادس ثم لنعد بالذاكرة إلى ما أسفرت عنه نتائج اقتراع 27 شتنبر 2002، التي منحت 50 مقعدا للاتحاد الاشتراكي و48 مقعدا لغريمه
حزب الاستقلال. فقد هرول حزب الاتحاد الاشتراكي بشكل مبكر لتشكيل أغلبية حكومية مريحة، حيث جمع حوله حزب التقدم والاشتراكية (11 مقعدا)، وجبهة القوى الديمقراطية (12 مقعدا)، والحزب الاشتراكي الموحد (6 مقاعد)، والتجمع الوطني للأحرار (41 مقعدا). وصرح محمد اليازغي الكاتب الأول بالنيابة «أن حزب الاستقلال لا يوجد على رأس أجندة الاتحاد الاشتراكي»، وهو ما دفع بحزب الاستقلال أن يجمع حوله أغلبية موازية تتكون من العدالة والتنمية (42 مقعدا)، والحركة الشعبية (27 مقعدا)
والحركة الديمقراطية الاجتماعية (7 مقاعد) واندلعت معارك ساخنة بين جرائد الاتحاد الاشتراكي بقيادة اليوسفي، وحزب الاستقلال الذي كان يرى نفسه أنه «مول نوبة” في قيادة الحكومة، لذلك جاء تعيين التقنوقراطي إدريس جطو في 9 أكتوبر 2002 فيما يشبه الصفعة في وجه اليوسفي أولا، لأنه انطلق باكرا للبحث عن أغلبية تعيده إلى الوزارة الأولى. ثم كيف يمكن قراءة خطاب عبد الرحمان اليوسفي الشهير في بروكسيل كانت قد مرت 100 يوم على تعيين حكومة إدريس جطو، حين وجهت لوريت
أونكيلينكس نائبة رئيس الحكومة البلجيكية وعضو مجلس الشيوخ جان كورنيل دعوة لعبد الرحمان اليوسفي لحضور منتدى الحوار السياسي الحضاري الذي أشرف على تنظيمه الحزب الاشتراكي البلجيكي، للحديث عن تجربة التناوب التوافقي بالمغرب، وذلك بين 24 و26 فبراير 2003 ألقى اليوسفي خطابا تاريخيا مليئا بالنقد الذاتي حول تجربته الحكومية وحول طبيعة السلطة بالمغرب والآلة الحزبية. فكان أشبه بخطاب المهدي بن بركة حول الأخطاء الثلاثة للحركة الاتحادية في بداية الستينيات، فيما بات
يعرف بـ»الاختيار الثوري” السياق وحده يختلف مع عبد الإله ابن كيران، فقد بادر الملك محمد السادس إلى تعيين الأمين العام لحزب العدالة والتنمية رئيسا للحكومة، لولاية ثانية، بعد مرور 48 ساعة فقط على الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر 2016. لكنه طيلة 5 أشهر لم ينجح في تشكيل أغلبيته الحكومية، بسبب «البلوكاج السياسي»، ليعلن بلاغ الديوان الملكي عن إعفاء الملك لعبد الإله ابن كيران يوم 16 مارس 2017، «بمقتضى الصلاحيات الدستورية للملك، بصفته الساهر على
احترام الدستور وعلى حسن سير المؤسسات والمؤتمن على المصالح العليا للوطن والمواطنين، وحرصا من جلالته على تجاوز وضعية الجمود الحالية، فقد قرر أن يعين كرئيس حكومة جديد، شخصية سياسية أخرى من حزب العدالة والتنمية” دخلت البلاد حالة استثنائية من الجمود السياسي الذي كانت له انعكاسات خطيرة على الاقتصاد الوطني بحكم تأخر مصادقة البرلمان المغربي على ميزانية 2017 في الدورة الخريفية لعام 2016. ظل بنكيران يطوف على زعماء الأحزاب، ويستقبل قيادات أخرى في
مقر إقامته. انتخب عزيز أخنوش خلفا لصلاح الدين مزوار على رأس التجمع الوطني للأحرار الذي رفع سقف شروطه السياسية، وانتهت الجولة الأولى من مفاوضات ابن كيران بلا طائل، ليعلن عن انطلاق جولة ثانية وثالثة ورابعة، حتى تعب الرجل أو الرئيس بلا حكومة واعتكف بمنزله «في انتظار غودو» هل يتعلق الأمر بمحض عناد شخصي غير مفهوم حين رفع عبد الإله ابن كيران البطاقة الحمراء في وجه حزب الاتحاد الاشتراكي، لدرجة أنه أقسم أنه لن يكون ضمن مكونات أغلبيته الحكومية التي
كانت في وضع «الراكد» الذي ولد ميتا؟ هل هو تعالي ابن كيران وعدم فهمه طبيعة اللعبة السياسية بالمغرب، حيث ظل يلمح إلى إعادة الانتخابات التشريعية، في إشارة إلى يقينه التام باكتساح البرلمان أكثر من السابق؟ ولكن هل كان حزب التجمع الوطني للأحرار مستقلا في إملاء شروطه التي أدت إلى بلوكاج سياسي نوعي في المغرب لم يعان سعد الدين العثماني كرئيس حكومة من الضغوطات التي تعرض لها رؤساء الحكومات الثلاثة المعنية في ملفنا هذا، لكنه كان «سلسا وظريفا». وحتى حين هدد باستقالته من رئاسة الحكومة فقد كانت الرسالة موجهة لأعضاء حزبه بعد عملية التطبيع التي كانت أشبه بسلخ جلد الحزب الذي يقدم القضية الفلسطينية كقضية دينية تشكل جزءا من هويته. لكن أخطر قرار اتخذته «حكومته» ضد حزبه كان هو «القاسم الانتخابي» الذي يعد سابقة في التمرين الديمقراطي الذي دخله المغرب، حتى أنه سيعد ما تبقى له في سبحة أيام هذا العام ليقيل ذاته بـ«القانون» وبأغلبية جديدة غريبة انبثقت خلفا للأغلبية التي أتت بها صناديق الاقتراع.
هذا ما قاله كل رئيس حكومة لحظة تعيينه من طرف الملك قل لي كيف تفسر الأشياء، أقول لك من أنت. لعل شيئا من هذا يمكن أن يصدق في تأمل ما قاله كل رئيس حكومة من هؤلاء الأربعة قبل أو أثناء أو بعد تكليفه من طرف الملك لتشكيل فريقه الحكومي قل لي كيف تفسر الأشياء، أقول لك من أنت. لعل شيئا من هذا يمكن أن يصدق في تأمل ما قاله كل رئيس حكومة من هؤلاء الأربعة قبل أو أثناء أو بعد تكليفه من طرف الملك لتشكيل فريقه الحكومي كان عبد الله إبراهيم زاهدا في كل المناصب الحكومية
التي أسندت له، من منصب وزير الأنباء إلى رئاسة الحكومة. ويحكي في سيرته الذاتية للباحث محمد لومة: «شرع محمد الخامس في مفاوضتي لقبول منصب رئيس الوزراء، استمرت المناقشات فيما بيننا حوالي شهرين، وعندما تعذر علينا التفاهم والاتفاق، قال لي الملك بنبرة حادة وصبر نافذ، إذا لم توافق، فأنا سأذهب إلى مكة المكرمة وسأعتصم هناك ولغاية إيجاد مخرج من هذه الأزمة. وبالطبع فإن قبولي لهذا المنصب كان بشروط، وفي طليعتها أن أتمتع بصلاحيات كاملة للعمل في كافة القطاعات
الوزارية، وهذا ما يفسر ما كنت أقوله لولي العهد مولاي الحسن فيما بعد بأن دخولي للحكومة تم بشروط مع والده، وعليه أن يحترم هذه الشروط. وأنه في حال الإخلال بها سأكون مضطرا للانسحاب فأنا لا ألهث خلف المناصب على أية حال، بقدر ما تلهث المناصب من خلفي». (محمد لومة: «سنوات الصمود وسط الإعصار: أبرز المحطات النضالية في حياة الأستاذ عبد الله إبراهيم» ص 110) ولحظة تعيين عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أول في فبراير 1998، قال حسب ما ورد في مذكراته: «وقبل وداعه
ونحن واقفان في مكتبه، اقترح علي جلالته أن نلتزم معا أمام القرآن الكريم الموجود على مكتبه» ويضيف اليوسفي أن الملك تلا قسما حينها «على أن نعمل معا لمصلحة البلاد وأن نقدم الدعم لبعضنا البعض». فرددته معه (…)، كان هذا القسم بمثابة عهد التزمنا به لخدمة البلاد والعباد بكل تفان وإخلاص، كان قسما فعليا، بشأن التعاضد سويا لفائدة حاضر ومستقبل المغرب» لكن كما للناس في ما يعشقون مذاهب، لرؤساء الحكومة المغربية أغاريب وأعاجيب، من بينها ما سودت به الصحف صفحاتها لحظة إعلان
الملك عن استقباله عبد الإله ابن كيران رئيسا للحكومة، بعد فوز حزبه في الانتخابات في 25 نونبر 2011، فقد تحدث رئيس الحكومة الجديد عن مشكلته مع ربطة العنق، وقال مباشرة بعد استقباله زوال يوم الثلاثاء 29 نونبر من طرف الملك محمد السادس بميدلت: «لقد وجدت أمامي رجلا إنسانيا لطيفا، وعلى كامل الوعي بما يحتاجه الوطن»، ثم توالت قفشاته حين روى أنه كاد يحكي بعض النكت للملك أثناء تعيينه على رأس الحكومة خلال 8 دقائق من عمر اللقاء، لكنه أجلها إلى لقاءات قادمة. وهذا غني
عن كل بيان على تبدلات السياسة بالمغرب من خلال تبدلات زعمائها الكبار في كل مرحلة. من جهة أخرى، كان سعد الدين العثماني أول رئيس حكومة في تاريخ المغرب يدلي بتصريح باللغة الأمازيغية، حيث قال يوم 17 مارس 2017 بعد تعيينه من طرف الملك: «أحس كثيراً بتشريف الملك لي، وبأن المهمة صعبة.. ونحن في حزب العدالة والتنمية نقول دائماً إن الوطن هو الأول، وسنقوم بكل شيء في مصلحته». ورغم أن الظروف كانت أخف سياسيا في لحظة توليه رئاسة الحكومة، بخلاف سلفه ابن كيران،
فإن الوقائع التالية من انفجار حراك الريف، ومقاطعة اقتصادية طويلة النفس، حتى جائحة كورونا المستمرة، ألقت بظلالها على تجربته، لكن الأحداث التي ما زالت آثارها قابلة للتداعي والتناسل هي قرار تطبيع العلاقات مع إسرائيل والقاسم الانتخابي بالإضافة إلى مشروع قانون تقنين عشبة الكيف عبد الله ابراهيم رفض 3 ملايير كمعاش بدون جعجعة على خلاف العثماني الذي مازالت ولايته مستمرة حتى اليوم، كان عبد الله إبراهيم اشتراكيا وحداثيا، لكنه كان صوفيا أيضا، زاهدا في علاقته بالسلطة
والمناصب وامتيازاتها، وهو رئيس للوزراء استدان ألف فرنك من مدير ديوانه ناصر بلعربي ولم يمد يده إلى صندوق أسود ولا أبيض، وهو الذي يوقع على فواتير الصرف. هذا القرض الزهيد والبخس، سيدفع ناصر بلعربي ثمنه غاليا، إذ لم يكن معه هذا المبلغ البسيط، فاستدانه من أحد موظفي رئاسة الحكومة ليسلمه لعبد الله إبراهيم، فشمله الاعتقال ضمن ما سمي بقضية الوزراء والكتاب العامين والمدراء في عام 1971، وأمضى شهورا عديدة في السجن بسبب هذا الاقتراض الحكاية كما يرويها عبد الله
إبراهيم لكاتب «سيرته» محمد لومة، أنه لحظة إقالته، جاء ولي العهد رفقة صديقه المفضل أحمد رضا اكديرة لتسلم السلط، وكان مدير ديوان رئيس الوزراء، ناصر بلعربي، هو من يسهر على تسليم الملفات إلى عبد الله إبراهيم، فأعجب ولي العهد بحنكته ودقة عمله الإداري، فخاطبه بلهجة آمرة: «يجب عليك أن تبقى في منصبك إلى جانبي، إنني أطلب منك ذلك”. فأجابه بلعربي أمامي: «سميت سيدي، إني أطلب إعفائي من ذلك، وإني أعتذر» هذا الجواب ـ يعلق عبد الله إبراهيم ـ لم يعجب ولي العهد، ويبدو أنه صدمه
بعمق، فسكت على مضض وإمارات الغضب الشديد بادية عليه. ولم أكن أتوقع أيضا هذا الجواب المباغت على لسان بلعربي «نتيجة هذا الموقف من مساعدي بلعربي كنت أتوقع عاصفة معينة، وهذا ما حدث بالفعل، فلم تمر فترة قصيرة حتى اعتقل الرجل بتهمة الفساد المالي!» ظل أقدم رئيس وزراء في المغرب على بساطته، أستاذا جامعيا ينتقل بين الرباط وإقامته بالدار البيضاء، يركب القطار دون أن يشكو عوزا ولا فقرا، وحسب ما أفادت به مصادر مطلعة لـ»الأيام»، فإن عبد الرحمان اليوسفي لحظة تعيينه
وزيرا أول في فبراير 1998، لاحظ عسر حال أسرة رئيس الوزراء السابق وتدخل لدى الحسن الثاني لصرف معاش لعبد الله إبراهيم، وقد وافق الملك الراحل بأريحية على الأمر، حيث توصل إبراهيم بشيك به حاولي 3 ملايير سنتيم، توازي مجموع مستحقات معاشه منذ إعفائه من رئاسة الحكومة عام 1960. وحسب ما أكده الأمين العام لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فإن عبد الله إبراهيم رد على اليوسفي الذي اتصل به لإخباره بصدور قرار تمتيعه بالمعاش الاستثنائي وصرف مستحقاته كاملة بقيمة تقرب
من 3 ملايير، برفض قبول الأمر شاكرا له خطوته وكرم الملك ولم يتسلم الشيك ولا المعاش الاستثنائي.. إنها نخوة الكبار مع مجيء عبد الرحمان اليوسفي إلى الحكومة، اتخذ تدابير عديدة منها تخفيض أجور وزراء حكومته، وحذف 10 آلاف درهم كان قد سنها الحسن الثاني دون وجود ظهير أو مرسوم يعطيها طابعها القانوني، فتكلف وزير الشؤون العامة للحكومة أحمد لحليمي بحذفها، خاصة مع بداية العهد الجديد، وأدخل تقنينا على ظهير شريف صادر في 10 شتنبر 1993 يهم معاش الوزراء منذ الاستقلال
كان يشمل 82 ملفا على عهد حكومة التناوب التوافقي وبرغم اعتقاله أكثر من مرة على عهد الاستقلال، وكاد يصدر حكم بالإعدام في حقه، فإنه لم يتقدم بطلبه لهيئة الإنصاف والمصالحة قصد تعويضه، وقرر التخلي عن تعويضاته كوزير أول عن زياراته للخارج لصالح صندوق التضامن مع العالم القروي، وحين انتهاء مهمته كوزير أول ظل الراحل عبد الرحمان اليوسفي، يتلقى معاشه دون أي ضجيج، فلا أحد كان يمكنه أن يطعن في مصداقية الرجل ونزاهته ولا تشويه صورته مع عبد الإله ابن كيران،
تغيّر الوضع، فقد اشتكى رئيس الحكومة السابق من أنه لم يعد في رصيد حساباته البنكية الأربعة سوى 10 آلاف درهم، «أقل من بغل وأكثر من حمار»، وأنه توصل بمعاش استثنائي بمبادرة من الملك. كان الأمر يمكن أن يمر في صمت، لكن الزمن تغير، فهناك يقظة كبرى في وسائل الإعلام التي أصبحت «كل شاذة وفاذة» تعرف طريقها إليها، وهناك حسابات سياسية يضعها عبد الإله ابن كيران في الحسبان، لذلك بادر بالحديث عن المعاش الاستثنائي الذي تلقاه من الملك محمد السادس. اختار التوقيت الذي رآه
مناسبا، خارج أي استحقاق انتخابي، لكن حساباته خانته، لأن الأمر جر عليه سخطا وغضبا عارما من طرف الجمهور، خاصة وأنه ظل يرفض معاش الوزراء، وذات يوم قال في سؤال وجهه لفتح الله ولعلو وزير الاقتصاد والمالية في حكومة اليوسفي محتجا على معاشات الوزراء: «نحن بكل صراحة دولة إسلامية ومبادئ الإسلام تبنى على أن الدولة أول ما تهتم به هو الضعفاء والفقراء والمحتاجين، وسيدنا عمر كان كيقول لكرشو مللي كتبدا تغرغر: غرغري أو لا تغرغري فلن تذوقي سمنا ولا زيتونا حتى
يشبع فقراء المسلمين، ولهذا مزيان الاهتمام بالوزراء السابقين، ولكن يجب أولا وقبل كل شيء الاهتمام بعموم المواطنين الذين ليس لديهم أي شيء، فالقضية سياسية وبغينا المواطنين يعرفوا هذا الشيء، لأن الكلام كثير عن أجور الوزراء وتعويضاتهم في الوقت اللي البلاد في هذه الوضعية، والفقر في هذه الوضعية لكن ابن كيران المعارض، هو غيره ابن كيران رئيس الحكومة، فمعاشات الاستثناءات التي كان يعتبرها ريعا وفسادا بعباراته «غير مقبولة سياسيا ومبدئيا»، أضحت كرما وحلالا، كما علق على ذلك
الفايسبوكيون! ولننتظر ما سيجود به الزمان بعد نهاية ولاية سعد الدين العثماني، لنرى في أي خانة سيضع نفسه الأحداث الكبرى التي أحاطت بمسار حكومات الرؤساء الأربعة جاء عبد الله إبراهيم إلى رئاسة الحكومة في ظروف استثنائية بعد الاستقلال، مباشرة بعد أزمة حكومة بلا فريج، والهجوم الإسباني الفرنسي على جيش التحرير في معركة «إيكونيون»، ووجود جيشين لدولة واحدة. زد على ذلك بداية التوتر بين القصر من خلال ولي العهد والحركة الاستقلالية، وما إن تم تنصيب حكومة عبد الله إبراهيم
حتى وقع أكبر انفجار حزبي في تاريخ المغرب، حيث تم الإعلان عن ميلاد الجامعات المتحدة المستقلة عن حزب الاستقلال في يناير 1959 التي ستحمل اسم حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، زيادة على هشاشة استقرار المملكة وبروز مشكل التصفيات الجسدية بين رموز المقاومة، وافتقاد المغرب للأطر في الإدارة، وحل الحزب الشيوعي، وتعرض مناضلي حزب الشورى والاستقلال للتصفية الجسدية والتعذيب والاختفاء القسري في معتقلات سرية (دار بريشة مثلا) ولم ينج رفاق عبد الله إبراهيم
بدورهم من حملة الاعتقالات، إذ تم اعتقال عبد الرحمان اليوسفي والفقيه البصري دون استشارة رئيس الوزراء. كانت السلطة غير مضبوطة ولا نص دستوري ينظم العلاقات بين مؤسسات الدولة، لكن أكبر محك كان مع انتفاضة الريف بين 1958 و1959 بقيادة الحاج سلام أمزيان والتي ووجهت عسكريا بقمع وحشي. ومع ذلك أنجزت حكومة عبد الله إبراهيم مشاريع اقتصادية كبرى: لاسامير، معمل الصلب بالناظور، العملة النقدية الوطنية، جلاء القوات الأمريكية من الأراضي المغربية، بداية تكوين الأطر،
وضع قوانين تأسيسية في مجالات عديدة، وإصلاح زراعي تم وأده في بداية الطريق مع إقالة الحكومة في اللحظة التي عين فيها عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أول، كان تقرير لصندوق النقد الدولي قد أنذر المغرب بما وصفه الحسن الثاني بـ»السكتة القلبية»، وكان المرض قد طال جسد الملك الراحل، فبدأ الحديث عن التراضي والتوافق، والتناوب الديمقراطي أو التوافقي، ويعتبر العديد من المراقبين أن حكومة اليوسفي ساهمت في إنجاز انتقال سلس للعرش، وحققت مصالحة وطنية، وأطلقت آمالا عريضة
في المجتمع دامت حكومة التناوب التوافقي أربع سنوات من مارس 1998 إلى أكتوبر 2002، وقد فتحت أوراشا كثيرة خاصة في مجال حقوق الإنسان وتقليص المديونية وإطلاق مشاريع النهوض بتنمية العالم القروي. لكن مع ذلك لم ترق حكومة اليوسفي إلى مستوى الانتظارات التي علقها عليها الشعب المغربي، لا على مستوى الحكامة أو ميثاق حسن التدبير ومحاربة الفساد واجه اليوسفي أزمات عديدة، من الجفاف إلى ارتفاع أسعار البترول إلى الاحتجاجات الاجتماعية، خاصة في صفوف الدكاترة والمجازين
المعطلين، بالإضافة إلى عدم تجاوب الإدارة مع برامج حكومته. فقد طلب من الحسن الثاني أن يعقد اجتماعا مع مسؤولي الإدارة الترابية من عمال وولاة، وأذن له الملك الراحل بذلك، ولكن بإخراج مسرحي من وزير الدولة في الداخلية إدريس البصري، حيث استمعوا إلى كلمته وصفقوا له وانفض الجمع، وفهم الوزير الأول الرسالة أكبر إحراج وقع فيه اليوسفي هو تكريم إدريس البصري بعد إقالته، وهو ما وضعه وجها لوجه مع الحركة الحقوقية بالمغرب، ولعل أكبر حكم على تجربة التناوب التوافقي، هو
ما قاله عنها عبد الرحمان اليوسفي في كلمته الشهيرة ببروكسيل، وانتهى الكلام عبد الإله ابن كيران الذي بدأ حياته متعاطفا مع حركة 23 مارس من بعيد، واقترب من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ورغب في الانتماء لحزب الاستقلال وانتهى به المطاف في تنظيم الشبيبة الإسلامية قبل أن ينفصل عنها في 1981، قبل أن تندمج الحركة الجديدة: الإصلاح والتجديد في حركة الخطيب عام 1996 جاء إلى رئاسة الحكومة في سياق صعود الإسلاميين في دول الربيع العربي، وفي ظل دستور جديد يمنح الحكومة
اختصاصات واسعة، وبفوز انتخابي بوَأ حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى لكن أكبر أزمة واجهت حكومة عبد الإله ابن كيران هي إفلاس صناديق التقاعد وصندوق المقاصة، وكان طبيعيا أن تتضرر الطبقات الوسطى خاصة من تأدية فاتورة الإصلاح. غير أن الحكومة ـ حسب إجماع المحللين ـ لم تنجح في التنزيل الديمقراطي لبنود الدستور، ورفعت شعار «عفا الله عما سلف» أمام الفساد، فكانت الحكومة الأكثر إثارة للجدل بين كل حكومات المغرب حراك الريف كان أحد التحديات الكبرى التي واجهت
الدولة المغربية بعد تعيين عبد الإله ابن كيران بعشرة أيام، وما ترتب عن البلوكاج السياسي من ضرر اقتصادي وجمود سياسي كاد يعيد عقرب الزمن إلى ما قبل 20 فبراير 2011 أما سعد الدين العثماني فقدم له سلفه ابن كيران رئاسة الحكومة على طبق من ذهب، هذا المحلل النفسي والفقيه صاحب «كتاب السياسة والدين»، وجد الطريق سالكة إلى الحكومة وإلى الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بسبب البلوكاج السياسي، وحين قدم إلى الحكومة كان الرجل ذو الابتسامة السعيدة يبذل قصارى جهده لتقديم
حسن النية، فقد رفع كل الشروط التي وضعها عبد الإله ابن كيران لتشكيل الحكومة، ولأن سلسلة التنازلات تبدأ بالخطوة الأولى، فقد رأى أعضاء حزبه أنه أفقد العدالة والتنمية هويته، فقبل باللغة الفرنسية كلغة تدريس للعلوم في التعليم على خلاف مرجعية الحزب، وقبل التطبيع مع إسرائيل خانعا، وحين أحس بأن المعارضة تتصاعد داخل حزبه ضرب الطاولة وهدد بالاستقالة ونجح في تجاوز معارضيه خاصة حين قدم له غريمه عبد الإله ابن كيران، بتدخله الشهير حول ما حدث بعد توقيع العثماني على اتفاقية
التطبيع، طوق النجاة لكن في اللحظة التي كانت الحكومة تتهيأ للمصادقة على مشروع قانون الاستعمالات القانونية لنبتة الكيف، وضع ابن كيران العصا في عجلة العثماني وجمد عضويته في الحزب حين صادقت الحكومة على مشروع القانون، وهو ما خلق شرخا بين قياديي حزب العدالة والتنمية وقواعدهم التي انحاز إليها عدد من الأطر الوازنة في الحزب، وهو ما سيضع أثقالا جديدة على عاتق رئيس الحكومة والأمين العام لحزب المصباح أكبر حدث وقع على عهد حكومة العثماني، هو «جائحة كورونا»
التي مازالت تداعياتها قائمة حتى اليوم. جائحة ستميز بقوة فترة ترؤس العثماني للحكومة، وإن كانت المصائب تهون إذا عمت. لكن الضربة التي كانت تنتظر حزب العثماني وبآليات قانونية ومشاريع تقدمها الحكومة التي يرأسها، هي ما سمي بالقاسم الانتخابي، الذي لا يعني سوى «باسْطا للعدالة والتنمية» لا ولاية ثالثة، ولا اكتساح انتخابي فهل يمكن تحقيق الديمقراطية بآليات قانونية غير ديمقراطية موقف صعب يجد فيه حزب العدالة والتنمية نفسه، لكنه لن يتخلى عن الحكومة أو يقاطع الانتخابات، لأنه بنى مصالح
قوية في المؤسسات الانتخابية وراكم تجربة قوية في التسيير وإدارة الشأن العام، ولن يفرط في ذلك نتيجة غضبة سياسية من القانون الانتخابي الجديد ولن يتم اللجوء إلى الفصل 103 لإسقاط الحكومة بحكم الأغلبية الجديدة التي أفرزها التصويت على القوانين الانتخابية ويعرف سعد الدين العثماني أن عليه أن يودع رئاسة الحكومة، فالتقاليد الدستورية في المملكة لا تسمح بامتداد رئاسة حكومة لثلاث ولايات من 2011 إلى 2016، كما عبر مصطفى السحيمي، المحلل السياسي وأستاذ القانون الدستوري بجامعة
محمد الخامس بالرباط، الذي قال: «إن ترؤس حزب العدالة والتنمية لولاية حكومية ثالثة أمر صعب، بالنظر إلى طبيعة نظام الحكم بالمغرب والمشهد الحزبي والسياسي». وأضاف: «ولاية حكومية من 2011 إلى 2026، أي 15 سنة، لا يمكنها التحقق على المستوى السياسي»، لأن الثقافة الدستورية برأيه «لا تقبل بوجود حزب يقود الحكومة لـ15 سنة، فهذا الأمر غير مقبول سياسيا في المغرب، بالإضافة إلى أن الأمر لو حدث، سيعني أنه مفروض على المؤسسة الملكية وكأن البيجيدي بات ينافس دور الملك».
قد يهمك ايضا:
مجلس الحكومة المغربية يصادق على انشاء وكالة لمواكبة المؤسسات العمومية
سعد الدين العثماني يترأس الاجتماع السادس لمجلس إدارة "وكالة الأمن والسلامة"