الرباط -المغرب اليوم
اتّهم تقرير "مشروع القانون رقم 22.20" بكونه "ينتهك الحق في حرية الرّأي والتعبير بالمغرب"، ويطرح "تساؤلات جدية حول مساحة حرية الرأي والتّعبير على المنصّات الإلكترونية والرّؤى الحكومية لتقيِيدِها".ويرى تقرير "المرصد المتوسطي لحقوق الإنسان" و"إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان" أنّ من دلائل الاتجاه السلبي لمشروع القانون رقم 22.20، المتعلّق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البثّ المفتوح والشّبكات المماثلة، أنّ أكثر من نصف موادّه تضمّنَت عقوبات بالحبس لمدد تتراوح بين ثلاثة أشهر وخمس سنوات، مع فرض غرامات مالية باهظة على أمور تتعلّق بالنّشر الإلكتروني تحت ذرائع مختلفة.
ويضيف التقرير أنّه "رغم إعلان وزارة العدل المغربية تأجيل النّظر في مشروع القانون بسبب حالة الجدل الواسع التي خلّفتها تسريبات منه، إلا أنّ كونه مازال قائما ولم يتمّ إلغاؤه بشكل كامل يشكّل تهديدا لحريات الرأي والتّعبير في المملكة، ومن الممكن أن يمهّد لحالة من تكميم الأفواه والتّرهيب المستمرّين".ويذكر المصدر نفسه أنّ مشروع القانون هذا "تضمّن تهما فضفاضة، مُشَرعِنا الرقابة، ومحوّلا مزوّدي خدمات الإنترنت إلى مخبرين وجهات ضبطية، دون سند قانوني، في حين غيَّب دور القضاء إجمالا لصالح قرار الجهة المختصّة التي أعطيت صلاحية واسعة في ملاحقة النّشر على المنصّات الإلكترونية وحتى الفردية منها".
كما تثير بعض نصوص مشروع القانون المتعلّق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي مخاوف من وجود علاقة مصالح بين الدّولة ورأس المال، وفق التقرير، وهو ما يبدو "من خلال تجريم الدّعوات إلى مقاطَعة البضائع أو الحديث في جودتها، رغم أنّ ذلك ينطوي على التمييز، من خلال منح أصحاب المال الحقّ في التّرويج لبضائعهم دون منح الجمهور الذي يشتري من ماله الخاصّ حقّ التّعبير عن رأي في هذه البضائع".
ويذكر تقرير "المرصد المتوسطي لحقوق الإنسان" و"إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان" أنّ التّصديق على مشروع القانون رقم 22.20، في 19 من شهر مارس الماضي، جرى "في توقيت مريب ينشغل فيه الجمهور بالجائحة"، ما يثير "علامات الرّيبة حول دلالة التّوقيت، واستغلال ظروف غير عادية لتمرير قانون يمسّ بالحقوق الفردية والجماعية ويمسّ بسيادة القانون ودولة المؤسّسات".
ويقول التقرير إنّ مشروع القانون يعتبر أنّ المنظومة القانونية الحالية غير كافية لردع بعض ممارسات وسلوكيات المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي والشّبكات الأخرى، بسبب وجود فراغ قانوني، ولهذا يذكر أنّه "يهدف إلى مواءَمة القانون المغربي مع المعايير الدولية المعتمدة في مجال محاربة الجريمة الإلكترونية، خاصة بعد المصادقة على اتفاقية بودابست بتاريخ 29 يونيو 2018".
ويعلّق التقرير على هذا التوضيح الحكومي لمقصد مشروع القانون المتعلّق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البثّ المفتوح والشّبكات المماثلة بالتّذكير بأنّ اتفاقية بودابست لا تحتوي على نصوص متعلّقة بحريّات الرأي والتعبير على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم يضيف: "يبدو أنّ أحد أسباب سنّ القانون يكمن في إضعاف تأثير الحملات والاحتجاجات عبر مواقع التّواصل الاجتماعي، خاصّة بعد أن أصبحت أداة قوية بيد المواطنين، بعد نجاح حملات المقاطعة الاقتصادية عبر مواقع التواصل الاجتماعي عام 2018".
ولاحظَ التقرير أنّ مسودّة مشروع القانون لا تحترم الدستور المغربي، وما تضمّنه من حقوق وحريات مكفولة لمواطني المملكة المغربية، مع وجود تناقض حول الجهات التي يسري عليها القانون؛ بعدم وجود وضوح حول كيف سيجري التعامل مع المنصّات الاجتماعية لوسائل الإعلام التّقليدية، والصّفحات الشخصية الخاصّة بالصّحافيين التي ينشرون عليها الأخبار والموادّ الصحافية.
كما يلاحظ التقرير أنّ القانون يتوسّع في الجهات التي يسري عليها، ويصل إلى حدّ المتفاعلين مع المحتويات المنشورة، دون تحديد طبيعة هذا التفاعل؛ كما يتوسّع إلى حدّ أنّه يسري على المنصّات المخصّصة للتّواصل الفردي، إضافة إلى شرعنَتِهِ الرقابة على محتوى النشر، من خلال ما ورد في مادّته الخامسة، التي تحدّثت عن تولي إدارة أو هيئة مهامّ الإشراف والرقابة على الخدمات المقدّمة من شبكات التواصل الاجتماعي.
كما تعطي المادة الثامنة، وفق قراءة التقرير، للإدارة صلاحية مباشِرَة دون قرار قضائي في تصنيف الموادّ بأنّها مشروعة وغير مشروعة، وتمنحها صلاحية الحذف والحظر والتّوقيف، وهو "ما يمسّ مباشرَة بحرية الرّأي والتّعبير".ويتحدّث التقرير عن استعمال مشروع القانون مصطلحات فضفاضة في مادّتِه الثامنة لحديثها عن "التهديد الخطير"، و"النّظام العامّ"، و"ثوابت المملكة"، ويضيف: "الخطير أنّ هذه المادة تُلزِم بحذف وحظر المحتوى المخالف دون وجود قرار قضائيّ، يُفترَض أنّه يحدّد ما إذا كانت تُمَثِّلُ المادة المنشورة خرقا أم لا؛ وهو ما يتيح للسلطات حجب المحتوى المعارض لتوجّهاتها تحت هذه الذّرائع".
كما رصد التقرير استخدام المادة السابعة عشرة من مشروع القانون مصطلحات فضفاضة من قبيل: المساس بالنظام العام، وأمن الدولة واستقرارها، دون تحديد ماهية النظام العام ولا المقصود بأمن الدولة، وهو ما يثير الخشية من أن تتوسّع السلطات في تفسير هذه المفاهيم إلى درجة ملاحقة كلّ من يكتب نقدا لأداء حكومي بذريعة المسّ بالنّظام العامّ.ويذكر التقرير أن حظر الدعوة إلى مقاطعة بضائع معيّنة يشكّل "قيدا على حرية المواطنين في التعبير عن آرائهم واتخاذ مواقف من بضائع معينة، ما يضعف المواقف الجماعية ضدّ الشركات التي تمارس الاحتكار أو رفع الأسعار، وقد تمسّ أيضا حملات المقاطَعة ضد المنتوجات الإسرائيلية، أو الجهات التي تمارس التّطبيع".
ورغم إعلان محمد بنعبد القادر، وزير العدل، تأجيل النّظر في هذا القانون خلال الفترة الحالية، عقب ما أثارته تسريبات نصوص منه من جدل واسع، يوصي التقرير بالإعلان رسميا عن سحب مشروع القانون في هذه الظرفية الحرجة، "حفاظا على التّماسك الوطني، وتجنّبا لتصنيف المغرب ضمن الدول التي استغلّت جائحة كورونا لتمرير قوانين تمسّ بالحقوق والحريات الأساسية".وأوصى تقرير "المرصد المتوسطي لحقوق الإنسان" و"إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان" بإجراء مراجعة شاملة لمسودّة مشروع القانون، وطرحها في وقت مناسب لإبداء الملاحظات من المجتمع المدني، مع تضمينها مادة تنصّ على احترام حرية الرأي والتعبير بشكل واضح ومحدَّد.
كما أوصى التقرير برفع اللَّبس حول الجهات التي يسري عليها القانون، في ما يتعلّق بالعمل الصّحافي، والتعريف الواضح والمحدَّد لجميع المصطلحات الواردة في مشروع القانون، لقطع الطّريق على التعسّف في تفسيرها، وإلغاء جميع أشكال الرقابة لضمان "توفير مناخ حقيقي لحرية الرأي والتعبير"، مع إلغاء المواد المقيدة للنشر المتعلّق بمقاطعة البضائع وتقييم جودَتِها لأن في ذلك مسّا بحرية الرأي والتعبير واتخاذ الموقف، وتمييزا في ظلّ الحرية المتاحة لأصحاب رأس المال في ترويج بضائعهم.
وقد يهمك ايضا:
الحكومة تؤجل مناقشة قانون “تكميم الأفواه” خلال اجتماع مجلسها