بغداد - المغرب اليوم
كثر الحديث عن إمكانية عودة تنظيم "داعش" مرة أخرى في المنطقة، بعد انهيار ما أطلق عليه بـ"دولة الخلافة" في العراق والشام، لذلك حذر بعض الخبراء الأمنيين من عودة التنظيم مستقبلًا إذا ما توفرت له العوامل التي ساعدت في تشكيله وتوسعه في السابق.
أكد أليكس يونغر، رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني "إم آي 6" خلال مؤتمر ميونخ للأمن مؤخرًا، أن الهزيمة العسكرية "لدولة الخلافة" لا تمثل نهاية للتهديد الإرهاب نرى التنظيم لهذا السبب يتحول، وينتشر داخل سورية، بل وخارجها أيضًا، هذا هو الشكل التقليدي لمنظمة إرهابية".
وخلال نفس المؤتمر، اعتبرت وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون ديرلاين، أن تنظيم الدولة يتوغل حاليًا تحت الأرض، ويبني شبكات مع مجموعات إرهابية أخرى.
وحذَر الجنرال جوزيف فوتل، الذي يدير القيادة المركزية الأميركية، من أنه على الرغم من تفكك شبكة تنظيم داعش، إلا أنه يجب استمرار الضغط، وإلا فإن مكونات التنظيم سيكون لديها "القدرة، على الاتحاد مرة أخرى، إذا لم نفعل ذلك".
وتشير التقديرات إلى أن عدد مقاتلي التنظيم، الذين تفككوا عبر الأراضي، التي سيطر عليها في سورية والعراق، يتراوح بين 20 ألف إلى 30 ألف مقاتل، الكثير منهم لن يرغبوا في العودة، إلى بلادهم الأصلية، خشية الخضوع للتحقيقات، ومن ثم السجن.
وهناك أيضًا تجمعات صغيرة، لمسلحين متعصبين مرتبطين بتنظيم الدولة، في ليبيا، ومصر، وغرب أفريقيا، وأفغانستان، وجنوبي الفلبين.
أما العراق، فهناك بالفعل أدلة، على وجود مسلحين من التنظيم، يشنون هجمات قوية متزايدة، في المناطق الشمالية من البلاد.
وحتى الآن يبدو الأمر غير مبشر، لكن دعونا ننظر في الأسباب التي دفعت التنظيم لتحقيق انتصاراته المبكرة، واستيلائه السريع على أراض واسعة، خلال عامي 2013، و2014، وما إذا كان يمكنه فعل ذلك مرة أخرى.
نشأة التنظيم
وخلال تقرير لـ"بي بي سي" أوضحت أن تنظيم "داعش" انبثق عن تنظيم القاعدة في العراق، الذي هو جماعة متمردة، تكونت من تحالف قائم على المصلحة، بين ضباط سابقين في الجيش والاستخبارات العراقية، ساخطين على الأوضاع، مع جهاديين متعصبين، توافدوا من العالم العربي وجهات أخرى.
اقرأ المزيد : القوات الحكومية السورية تنفّذ سلسلة جديدة من عمليات القصف الصاروخي
وكانت بطاقة الدعوة، للقاعدة في العراق، هو ما قالت إنه الواجب الديني على المسلمين، للمجيء إلى العراق، ومقاومة الاحتلال الأميركي لهذا البلد.
لكن وحشية تنظيم القاعدة وعدم تسامحه - مثل قطع أصابع أي شخص، يضبط أثناء تدخين السجائر - نفّرت القبائل العراقية منه، ومن ثم انحازت تلك القبائل إلى جانب الحكومة في قتالها ضد القاعدة، وتمكنت من طردها إلى الصحراء.
لكن الحكومة العراقية، التي كان يقودها الشيعة حينذاك، بددت ذلك المكسب، بتبني برنامج ممنهج للتمييز، ضد العراقيين السنة.
وبحلول صيف عام 2014، شعر السنة أنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، ومن ثم تمكن تنظيم "داعش" من الوصول إلى مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، من دون مقاومة.
وبأخذ ذلك في الاعتبار، ومع وجود جيش عراقي ضعيف المعنويات، غادر ضباطه الكبار قواتهم قبيل تقدم التنظيم، فأضحت هناك كل المسوغات، التي جعلت التنظيم يستولي على نحو ثلث مساحة العراق.
وفي سورية المجاورة، وفي ظل استمرار الحرب الأهلية، كان هناك فوضى وارتباك كافيين لتنظيم الدولة، باعتباره أقسى تنظيم عقائدي بين كل الجماعات المتمردة، لكي يحتل مساحات واسعة، ويضعها تحت سيطرته.
دولة إسلامية ثانية
إذًا هل من الممكن أن يحدث ذلك مرة أخرى؟ نعم ولا في الوقت ذاته.
إذ من غير المرجح، أن يُسمح لأي "خلافة" من أي حجم بإعادة تأسيس نفسها، على الأرض مرة أخرى، لكن الكثير من العوامل، التي غذت النجاح المبكر لتنظيم داعش، لا تزال قائمة.
فالعراق مملوء بمليشيات شيعية، بعضها ممول ومدرب ومسلح من جانب إيران وهناك تقارير مثيرة للقلق، عن أن بعض القرويين السنة يُطردون من منازلهم، وفي بعض الحالات يتهمون عن طريق الخطأ، بتأييد تنظيم داعش.
وفي بعض المناطق، تسير فرق "انتقام شيعية"، في الشوارع ليلا مع حصانة من العقاب.
لذا فإن العراق في حاجة ماسة، إلى عملية مصالحة وطنية، وحكومة تشمل الجميع، من أجل تجنب إعادة إنتاج نسخة ثانية من تنظيم الدولة.
أما في سورية لا يزال العامل، الذي فجر الحرب الأهلية الكارثية في البلاد، يجلس منتشيا بالنصر، داخل قصره في دمشق.
ويبدو الرئيس بشار الأسد، الذي أنقذه حلفاؤه الروس والإيرانييون، أكثر أمنا من ذي قبل.
وبات معظم السوريون منهكين. لكن الأعمال الوحشية، التي يرتكبها "نظامه" على نحو ممنهج، سوف تستمر في دفع البعض، باتجاه المقاومة المسلحة، وسيبحث تنظيم الدولة عن سبل، للعودة إلى ساحة المعركة السورية.
وأبعد من ذلك، وعلى المستوى العالمي، أينما وجد شعور بنظام حكم سيء، أوحرمان أو اضطهاد ديني ضد المسلمين، أو أينما وجدت شرائح واسعة من الشباب الساخط، الذين يشعرون بأن حياتهم تفتقد إلى الهدف، ستوجد دائما فرص، للتجنيد ضمن "جماعة" تنظيم الدولة.
خلافة التنظيم انتهت، لكن أيديولوجيته القابلة للانتشار بشكل خطير لم تنته بعد.
قد يهمك ايضا : تفكيك خلية متطرفة على صلة بتنظيم "داعش" في آسفي