لندن ـ سليم كرم
كانت حملة الاستفتاء المضادة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تحذر من عواقب وخيمة إذا تم التصويت لصالح الخروج، حيث أن رئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون حذر بشأن امكانية حدوث حرب عالمية ثالثة. كما هدد وزير المالية السابق، جورج أوزبورن بتخصيص ميزانية طارئة وزيادة الضرائب. ولكن بعد ثمانية أسابيع من التصويت التاريخي في بريطانيا لقطع العلاقات مع الاتحاد الاوروبي، كم من تلك التهديدات التي أطلقت اصبح حقيقة؟
تختلف عادة الإحصاءات الاقتصادية عن الواقع لأنها تستغرق وقتاً طويلاً ليتم تجميعها، ولكن هناك دلائل بالفعل تشير الى أن التوقعات الاكثر الوحشية للخروج البريطاني لم تتحقق.
- ميزانية طارئة
في واحدة من أكثر التحذيرات الأكثر تطرفاً للحملة المضادة للخروج، هدد أوزبورن بتخصيص ميزانية طارئة إذا تم التصويت لصالح الخروج، مشيراً الى امكانية رفع ضريبة الدخل وضريبة الميراث، بالاضافة الى خفض دعم هيئة الخدمات الصحية الوطنية من أجل تعويض 30 مليار جنيه استرليني للحكومة.
وأشار اقتصاديون إلى أنه إذا عانى الاقتصاد البريطاني بعد نتيجة الاستفتاء، فإن خفض الإنفاق سيكون خطوة خاطئة.
واعترف أوزبورن بعد فترة وجيزة من التصويت بأنه ليس لديه نية لوضع خطة تقشف طارئة، ولكنه تراجع عن هدفه بالقضاء على العجز بحلول عام 2019. وبعد اقالته من قبل رئيسة الوزراء الجديدة تيريزا ماي، قال وزير المالية الجديد، فيليب هاموند انه سينتظر حتى إعلان الخريف من أجل وضع السياسات المالية.
- قيام حرب عالمية ثالثة
كاميرون كان قد قال في خطاب له إن "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يؤدي إلى قيام حرب عالمية ثالثة"، مضيفاً أن "الاتحاد الأوروبي وحد البلاد في مواجهة التهديدات معاً منذ عقود". ولكن منذ التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد، قامت رئيسة الوزراء تيريزا ماي وقادة دول الاتحاد الأوروبي بالتأكيد على أن التحالفات الأمنية لن تتأثر بنتيجة الاستفتاء.
- نهاية الحضارة الغربية
اثار رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك السخرية عندما قال أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يؤدي إلى "نهاية الحضارة السياسية الغربية"، مضيفاً انه بصفته مؤرخاً يخشى من أن انسحاب بريطانيا يمكن أن يكون بداية لتدمير ليس فقط الاتحاد الأوروبي ولكن أيضا للحضارة السياسية الغربية في مجملها.
وقد سبَّب تحذير تاسك الحرج حتى للحملة المضادة للخروج، مما جعل المتحدث باسم ديفيد كاميرون يصرح قائلاً: "دونالد تاسك يتكلم عن نفسه."
- الجزء الخلفي من قائمة الانتظار
كان رئيس الولايات المتحدة الأميركية، باراك أوباما قد وجه تحذيراً شديد اللهجة يشير الى أن بريطانيا ستكون في "الجزء الخلفي من قائمة الانتظار" بشأن التوصل الى اتفاق التجارة إذا قررت الخروج من الاتحاد الأوروبي. وقال أوباما: "نريد التفاوض مع كتلة كبيرة مثل الاتحاد الأوروبي للحصول على اتفاق التجارة، ولذلك فبريطانيا ستكون في الجزء الخلفي من قائمة الانتظار". وقد تسبب هذا التصريح في غضب المطالبين بخروج بريطانيا من الاتحاد، حيث قالوا أن الزعماء الاجانب يتدخلون في السياسة الداخلية للدول الأخرى.
وفي غضون أسابيع من التصويت لصالح الخروج، تمت بالفعل المحادثات الأولية حول اتفاق التجارة. وكان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري قد أصر خلال زيارته إلى لندن الشهر الماضي على أن العلاقات لم تتأثر، قائلاً :"في الحقيقة أنا والرئيس أوباما كنا نظن أنه سيكون من الأفضل استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ولكن هذا ليس القرار الذي تم التصويت له. نحن نحترم الديمقراطية".
- انخفاض أسعار المنازل
كانت وزارة المالية في عهد أوزبورن قد حذرت من امكانية حدوث "صدمة اقتصادية فورية" بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث كان من بين التوقعات هو انخفاض اسعار المنازل 18% بحلول عام 2018.
ومع ذلك، لم تُظهر الأرقام حتى الآن أدلة تشير الى أن الأسعار قد تضررت بشدة من التصويت لصالح الخروج حيث اظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية ارتفاع الاسعار بنسبة 8.7% في يونيو/حزيران على أساس سنوي، كما قام بنك انجلترا . أيضاً بتخفيض أسعار الفائدة التي يمكن أن تكون مفيدة لدافعي الرهن العقاري.
وأشار المعهد الملكي للمساحين القانونيين أن المبيعات والطلب من مشتري المنازل قد انخفض في يوليو/تموز ولكن من المرجح أن يرتفع في الأشهر المقبلة.
- فقدان الوظائف
كانت وزارة المالية وهيئات أخرى مثل صندوق النقد الدولي قد توقعت خسائر كبيرة في الوظائف والمبيعات نتيجة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكن اظهرت الأرقام هذا الأسبوع أن عدد العاطلين قد انخفض بعد شهر من الاستفتاء.
وكان معدل التوظيف قد سجل مستوى يقدر ب 74.5% في يونيو/حزيران، على الرغم من التكهنات التي اشارت الى أن الشركات لن تقوم بتوظيف الناس بسبب نتيجة الاستفتاء، كما سجلت مبيعات التجزئة أيضاً ارتفاعاً بنسبة 1.4% في شهر يوليو/تموز وهو أعلى من 0.1% في المائة مما توقعه الاقتصاديون.
- ركود السوق
كان من المتوقع انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني في أعقاب التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بالاضافة الى مخاوف تأثر سوق الأوراق المالية ايضاً. وبالفعل انخفضت قيمة الجنيه الاسترليني بشكل حاد مع وجود مخاوف من أن ارتفاع تكلفة البضائع من الخارج سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع حاد في معدل التضخم، ولكن هناك أيضا دلائل تشير الى أن انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني سيساعد المصدرين.
بينما انخفض مؤشر "FTSE 100" بشكل حاد بعد نتيجة الاستفتاء ولكنه تعافى بسرعة نسبياً، في الوقت الذي اظهرت فيه استطلاعات الرأي أن النشاط الاقتصادي يبدو أنه انخفض في الفترة ما بعد الاستفتاء ولكنه ليس بالانخفاض الذي يمكنه اثارة القلق.