واشنطن ـ يوسف مكي
جاءات حات أميركية أخيرة بأن هزيمة تنظيم "داعش" لا تعني نهايته، وأن عناصر منه هاربين من العراق وسورية يقدرون على تهديد المصالح الأميركية في المنطقة، كمقدمة لما أعلن عنه مسؤولون وخبراء أميركيون من أن القوات الأميركية ستبقى في سورية والعراق "إلى أجل غير مسمى" لمنع سيناريو قتالهم على الأراضي الأميركية.
ونشرت مصادر إخبارية أميركية أمس (الجمعة)، أن الرئيس دونالد ترامب أبلغ قادة الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأنه لا يحتاج إلى تفويضى من الكونغرس لبقاء القوات الأميركية في مناطق بالشرق الأوسط. ونشرت المصادر صور خطابات بعث بها مسؤولون في البيت الأبيض، وفي وزارة الخارجية، إلى قادة في الكونغرس تؤكد ذلك. وجاء في واحد من هذه الخطابات: "يقدم لنا الخطر المستمر من "داعش" تفسيراً قانونياً لإبقاء قواتنا (في سورية والعراق) إلى أجل غير مسمى".
وكتب ديفيد تراخنبيرغ، نائب وزير الدفاع للشؤون السياسية، في خطاب أرسله إلى السيناتور تيم كين (ديمقراطي، ولاية فرجينيا)، كان سأل عن موعد انسحاب القوات الأميركية من سورية والعراق: "مثلما في الماضي، سحبنا قواتنا قبل الوقت المطلوب، وتعقدت المشاكل، ينتظر "داعش" أن نكرر ذلك، ويخطط لإعادة سيطرته على المناطق التي كان سيطر عليها، أو على بعض منها".
وكتبت ماري ووترز، مساعدة وزير الخارجية للشؤون التشريعية، في خطاب آخر إلى قادة في الكونغرس: "لا نبحث عن حجة لقتال حكومة سورية، أو القوات التي تدعمها إيران في سوريا. لكننا، في الوقت نفسه، لن نتردد في استخدام القوة الضرورية، والمناسبة، لحماية قواتنا هناك، وقوات التحالف، والقوات الشريكة التي تعمل معنا لهزيمة (داعش)، ولتقليل نفوذ تنظيم القاعدة".
غير أن جاك غولدسميث، أستاذ القانون في جامعة هارفارد، وكان مستشاراً قانونياً في وزارة العدل في عهد الرئيس السابق بوش الابن، قال إن إصرار لرئيس ترامب، وكبار المسؤولين في إدارته، على وجود حجة قانونية لإبقاء لقوات الأميركية في العراق وسورية "ليس إلا وضع حجة ضعيفة فوق حجةضعيفة".
وكان السيناتور الديمقراطي كين انتقد حجج ترامب القانونية، ووصف ترامب أنه "مثل ملك يريد إشعال حرب بعد حرب". ويوم الجمعة، نقل تلفزيون "سي إن ي سي" سلسلة تصريحات عن مستقبل القوات الأميركية في العراق وسورية.
وأشار خبراء إلى الشعار الذي كان رفعه الرئيس السابق بوش الابن عندما
أرسل القوات الأميركية إلى أفغانستان بعد هجمات عام 2001: "لنقاتلهم هناك
حتى لا نضطر لأن نقاتلهم هنا".
وقالت أماندا سلوت، خبيرة في مركز الولايات المتحدة وأوروبا التابع لمعهد
بروكنغز في واشنطن، إن الولايات المتحدة لم تكن تتوقع وصولها إلى هذا
الوضع المعقد في المنطقة. وأضافت أن الرئيس السابق باراك أوباما، رغم
كثير من الضغوط عليه، رفض إرسال قوات أميركية لمواجهة نظام الرئيس السوري
بشار الأسد. وأشارت إلى تصريحات أوباما عن "الخط الأحمر" الذي حذر منه
الأسد، لكن، رغم ذلك، لم يقاتل أوباما الأسد.
وقالت إن الرئيس ترامب يواجه السؤال نفسه، بشأن قتال الأسد، خصوصاً مع
زيادة تعقيد الوضع بسبب تدخل القوات التركية في سورية. وأضافت: "يرى
مقاتلون معارضون سوريون أن قتال الأسد أهم من قتال "داعش". وترى تركيا أن
قتال الأكراد أعدائها أهم من قتال "داعش". وترى الولايات المتحدة أن قتال
"داعش" أهم من غيره".
وقال بولنت عليريزا، مدير الدراسات التركية في مركز الدراسات
الاستراتيجية والدولية "سي إس آي إس" في واشنطن، إن الخوف من "داعش" بعد
سقوطه يبدو أكثر من الخوف منها قبل سقوطه. وقال إن الولايات المتحدة،
وبقية الدول الغربية "تخاف من استمرار دعايات "داعش"، ومن تسلل عناصره
المنهزمين إلى الغرب". وأضاف: "مع اتفاق عام في آراء المجتمع الدولي بأن
"داعش" قد هزم بشكل أساسي في سورية، لا تقدر الولايات المتحدة إنهاء
حربها ضده".
في الأسبوع الماضي، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، دان كوتس، إن تنظيم "داعش" "يظل يشكل تهديداً، رغم ما لحق به من هزائم في العراق وسورية". وأن هزيمة "داعش" نهائياً "مثل محاولة قتل أخطبوط متعدد الأذرع". وأضاف كوتس، وكان يتحدث في مؤتمر ميونيخ للأمن: "سيظل "داعش" يشكل تهديداً، ويعود ذلك إلى أنه ليس مجرد تنظيم تقليدي، إنه يحمل لواءً آيدولوجياً وعقيدةً، والدمج بين الآيدولوجيا والعقيدة يجعل التنظيم يصمدأمام كل الهزائم التي مني بها في ميدان القتال".