الرياض ـ سعيد الغامدي
يؤدي مئات الآلاف من المصلين، اليوم الأربعاء، «طواف القدوم» حول الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، كبداية رسمية لموسم الحج هذا العام. وسمحت السلطات السعودية لمليون مسلم تلقوا لقاحات مضادة لفيروس كورونا، بينهم 850 ألفاً أتوا من الخارج، بأداء فريضة الحج هذا العام بعد عامين من تقليص الأعداد بشكل كبير بسبب الوباء. وقد اختار كثيرون القيام بالطواف قبل الموعد الرسمي لبدء المناسك، تفادياً للزحام. وقالت السلطات إن وضع الكمامات إلزامي داخل المسجد الحرام.
وغلبت الدموع حجاج بيت الله القادمين إلى أطهر بقاع الأرض، لحظة وصولهم إلى السعودية عبر منافذها الجوية والبرية والبحرية بيسر وسهولة، في رحلة العمر لتأدية الركن الأعظم (الحج)، عندما تم استقبالهم بجمع من المتطوعين السعوديين الذين اعتادوا خدمة ضيوف الرحمن طيلة تأدية المناسك، مستقبلين ومودّعين وخادمين لهم لتسهيل احتياجاتهم كافة.
واستقبلهم جمع من المتطوعين كما هي العادة، مرتدين الزي التقليدي، وتصدح أصواتهم الجميلة بأناشيد ترحيبية، مقدمين لهم ماء زمزم إلى جانب العجوة (التمر)، والنعناع والورد المديني. وحين تطأ قدم الحجاج صالة الاستقبال الرئيسية في مطار الأمير محمد بن عبد العزيز بالمدينة المنورة، أول ما تشاهد أعينهم لوحة مرحِّبة بلغات مختلفة تقول: «أهلاً بضيوف الرحمن»، وينثرون ورداً على القادمين، ويطيبونهم بالمسك والعود فرحين بمقدمهم، إلى جانب أصوات الأطفال المرحبين وهم ينشدون «طلع البدر علينا»، بأجمل فنون الاحتفال وأحرّ أنواع الاستقبال؛ فدموع الحجاج تسبق كلماتهم وردود أفعالهم على مرأى الورود المتناثرة حين سماعهم أناشيد الاستقبال تبدو واضحة أمام جمع تطوعوا للمهمة التي تنظّمها وزارة الحج والعمرة السعودية بشراكة مع وزارة التعليم.
ولا يُخفي الحجاج رغبتهم الصادقة في احتضان المرحّبين ومبادلتهم مشاعر الحب، والفرح، فكلماتهم تتلخص في الشكر الجزيل لهذا المنظر الذي يبعث على البهجة المضاعفة التي يكفي منها شعور السعادة لحظة وصولهم، وهم يضيفون إلى ذلك الحبور الذي يجدونه من أبناء مدينة رسول الله، الطاهرة بدفء الاستقبال وعمق الإخاء.
ويسارع أبناء المدينة المنورة ومكة المكرمة وجدة، إلى الحصول على مكانهم كل عام بين صفوف المستقبلين، ليحظوا بشرف تلك اللحظات التي توثقها كاميرات الحجاج أنفسهم، ويتم تداولها عبر الصور والفيديوهات في مواقع التواصل الاجتماعي كافة، وتحظى بكثير من الإعجابات من مختلف الجنسيات، فهي ليست محصورة على منطقة جغرافية معينة. وتأتي برامج الاستقبال انطلاقاً من استراتيجية وزارة الحج والعمرة، في تحسين استقبال ضيوف الرحمن والترحيب بهم، وتلمّس حاجاتهم منذ أن تطأ أقدامهم منافذ الدخول وحتى وصولهم إلى مساكنهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وخلق انطباعات إيجابية لدى الحاج تبقى إلى حين عودته لبلاده، ليعود إلى أهله وهو يحمل أجمل انطباع عن هذه البلاد -حكومة وشعباً- لحسن استقباله ومعاملته المعاملة التي تجسد القيم العربية والإسلامية الأصيلة في الضيافة، من اللحظة التي يصل فيها إلى أراضي المملكة وحتى مغادرته حاملاً معه أجمل الذكريات عن إنسان هذا البلد الطيب.
ويقدم المستقبلون نماذج من الموروث المديني الذي اشتهر به أهالي المدينة المنورة في حسن استقبال ضيوف الرحمن من زوار المسجد النبوي على مر التاريخ. فيما يبدأ البرنامج بالأهازيج المدينية التي كانت تُردَّد قديماً عند وصول الحجاج إلى المدينة المنورة. ويبدو المشهد جلياً بالابتسامات التي ارتسمت على محيّا الحجاج، للتعبير عن مدى الحب والحفاوة والترحاب بهم ضيوفاً للرحمن في أرض الحرمين الشريفين عموماً، وزواراً لمسجد المصطفى صلّى الله عليه وسلَّم خصوصاً.
وتهدف برامج الترحيب والاستقبال بضيوف الرحمن، إضافةً إلى الترحيب بالحجاج والحفاوة بهم، إلى غرس قيمة خدمة حجاج البيت الحرام الإيجابية في نفوس الطلاب والنشء، وتعزيز ثقافة إكرام الحجاج، والترحيب بهم، ونيل شرف هذه الخدمة التي نشأ عليها الآباء والأجداد، وبيان أهميتها وفضلها، وبيان الوجه المشرق لأبناء السعودية، وتسخير طاقات الشباب، وإظهار معنى تقدير الحاج والمعتمر والزائر، وإبراز معاني الأخوة الإسلامية التي تطبقها السعودية منهجاً لضيوف الرحمن كافة من دون النظر لجنسياتهم أو انتماءاتهم.
ولا تزال العادات موروثة في أهالي المدينة المنورة ومكة المكرمة، بالتفاني في خدمة القادمين لتأدية النسك، بشكل حديث ومتطور يتجلى بصور مُعبرة كل عام، حيث يتسم موسم الحج بكونه موسماً مُبهجاً يرتبط بطقوس ضيافة وكرم وشهامة أهل المنطقتين، فجرت العادة القديمة كل عام على استقبال أهل مكة لحجاج بيت الله الحرام بماء زمزم، وتوزيع الحلويات المكيّة التقليدية كاللدو واللبنية، ورش أفواج القادمين بالورود، و«النُقل»، ابتهاجاً بقدومهم وترحيباً بخدمتهم. ويستقبل «المطوفون» وفود الحجاج من مختلف دول العالم، في بيوتهم المفتوحة لضيوف الرحمن على مدار العام وخصوصاً موسم الحج، ويشرف «المطوف» على إرشاد الحجاج ومرافقتهم في أثناء مناسك الحج.
وللزمازمة والسقيا (الأفراد الذين يقومون بسقيا الحجيج من ماء زمزم) نصيبهم من خدمة الحجاج، ومع التطور الهائل في خدمة ضيوف الرحمن وتسخير المملكة جميع جهودها لخدمتهم أصبحت هذه المهن تُمارس في نطاق أوسع وأكثر تطوراً من السابق.
وأطلقت شركة الزمازمة جهاز الخدمة الذاتية لتمكين ضيوف الرحمن من الحصول على عبوات ماء زمزم في مساكنهم مجاناً، من دون تدخل بشري من مقدمي الخدمة، حيث دُشن الجهاز الذي أطلقت عليه (بشرى زمزم) في 10 مواقع للخدمة في مساكن الحجاج بمكة المكرمة. ويمكن للحجاج من خلال هذه الخدمة الحصول على 3 عبوات من ماء زمزم يومياً، من خلال بطاقة الحج الذكية عبر «باركود» مخصص.
ويحفظ جهاز (بشرى زمزم) العبوات في درجة برودة معتدلة، ويوفر كميات يومية تغطي جميع المساكن التي اختيرت للبدء في هذه التجربة، ويحتوي على شاشة للعرض بعدة لغات، فيما يقوم فريق من الشركة بقياس مدى فاعلية الجهاز للخروج بأفضل الممارسات الميدانية والتوسع في هذه التجربة في مواسم الحج القادمة.
وتزامناً مع بدء الموسم، أطلقت وزارة الحج والعمرة، حملة توعوية تحت شعار «الحج يبدأ منك» وذلك امتداداً للجهود المستمرة لتكثيف أنشطتها التوعويّة لموسم حج هذا العام 1443هـ.
ونشرت الوزارة بالتعاون مع الهيئة العامة للأوقاف، ضمن فعاليات الحملة مقطعاً مرئياً بـ7 لغات عبر منصّاتها على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف توضيح عدد من الإرشادات المتعلقة بالاستخدامات الشخصية والسلوكيات العامة للحاج خلال رحلته لأداء المناسك. ويتضمن العمل، الذي يعد المنتج الرئيسي للحملة، عدداً من الرسائل لتصحيح السلوكيات الخاطئة في الحج، من بينها الآداب والسلوكيات المستحبة في المشاعر المقدسة. وتستهدف الحملة التوعوية التأكيد أن رحلة الحج الناجحة تبدأ من الحاج نفسه من خلال الحرص على الالتزام والاهتمام بالتعليمات الصحيحة والتوجيهات المهمة لتسهيل رحلة الحاج، وتأمين الراحة والطمأنينة له ولبقية الحجاج، والحرص على أداء الطرق الصحيحة في الحرم والمشاعر لأداء مناسك الحج بسهولة ويُسر.
يُذكر أن وزارة الحج والعمرة كانت قد أطلقت مؤخراً 13 دليلاً توعوياً تفصيلياً بـ14 لغة بالشراكة مع الهيئة العامة للأوقاف، لتسهيل رحلة الحاج، بأسلوب سهل ومُبسط يشمل جميع المراحل التي يمر بها الحاج في أثناء تأدية المناسك.
وتواصل الجهات الحكومية والخاصة في المملكة جهودها لخدمة ضيوف الرحمن في موسم حج هذا العام 1443 ه، من خلال كوادر بشرية ذات كفاءة عالية، إضافةً إلى المشروعات التي تمت تهيئتها للاستفادة منها؛ بهدف توفير أجواء آمنة ومطمئنة لقاصدي المشاعر المقدسة.
وتحرص حكومة المملكة على تقديم الخدمات للحجاج في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، للارتقاء بأداء الجهات بصورة متكاملة وتطوير أعمالها لتؤدي دورها المأمول منها من خلال تفعيل الخطط التشغيلية لدى الجهات للتيسير على الحجاج القادمين من مختلف دول العالم لضمان أداء نسكهم في طمأنينة بما يضمن النجاح المتميز لموسم الحج.
وتجند الجهات العاملة من مختلف الجهات العاملة في منظومة الحج من القطاعين الحكومي والخاص جهودها المتكاملة، بتوجيهات ودعم القيادة، التي تسهم في توفير جميع الإمكانات اللازمة، وتهيئة منظومة الخدمات الصحية والأمنية والتقنية لضيوف الرحمن لينعم حجاج بيت الله الحرام بأداء مناسكهم بأمن وأمان وسلامة.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :