الرباط - المغرب اليوم
فرضت جائحة فيروس كورونا المستجد على حكومة سعد الدين العثماني عقد حوار اجتماعي جديد بعد سنة من عقد حوار مُماثل انتهى باتفاق 25 أبريل 2019 الذي تضمن حزمةً من القرارات، أبرزها الزيادة في الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص، لكن هذا المقتضى يُوجد اليوم على المحك بسبب تداعيات الأزمة.وتسبب الحجر الصحي، الذي طُبق في المملكة لمدة ثلاثة أشهر لمواجهة تفشي الجائحة، في أزمة اقتصادية كبيرة أدّت إلى توقف كلي وجزئي لعدد من المقاولات، وبالتالي توقف قُرابة مليون أجير عن العمل بشكل مؤقت، إضافة إلى تضرر فئة كبيرة من العاملين في القطاع غير المهيكل.
أمام هذا الوضع الاستثنائي، اضطرت الحكومة للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الفاعلين الاقتصاديين (الباطرونا) والاجتماعيين (النقابات) لمباشرة حوار اجتماعي جديد، انطلقت أولى جلساته أول أمس الجمعة في العاصمة الرباط، ومن المرتقب أن تُعقد جلسات أخرى في غضون الأسابيع المقبلة ينتظر أن تكون حاسمة.وخلال الجلسة الأولى، التي حضرها وزير الداخلية ووزير الشغل والإدماج المهني، ووفود ترأسها كل من رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب والأمناء والكتاب العامين للمركزيات النقابية، تمّت مناقشة شُروط إنعاش الحركة الاقتصادية واستئناف المقاولات لعملها، مع ضمان تنافسية المقاولة وإنتاج السلع وتقديم الخدمات، بالموازاة مع الحفاظ على حقوق الشغيلة ومناصب الشغل.
وتُجرى جلسات هذا الحوار الاجتماعي الجديد في ظل تقاطب حادّ بين النقابات وممثلي أرباب العمل؛ ففي الوقت الذي تُؤكد فيه النقابات ضرورة الحفاظ على مناصب الشغل واحترام مُقتضيات الاتفاق الاجتماعي السابق، يدعو الاتحاد العام لمقاولات المغرب إلى استحضار الظرفية الاستثنائية الحالية.ويأمل أرباب العمل في الظفر ببعض الإجراءات لفائدة المقاولات لتجاوز الوضعية الاقتصادية الصعبة الحالية، من قبيل تأجيل تطبيق الشطر الثاني من الزيادة من الحد الأدنى للأجر المقررة في الاتفاق الاجتماعي السابق، وهو ما ترفضه بشكل مطلق النقابات ولم تتحمس له الحكومة إلى حدود الساعة.
تفاؤل الباطرونا
حول هذا الموضوع، أبدى هشام زوانات، رئيس اللجنة الاجتماعية في الاتحاد العام لمقاولات المغرب، تفاؤله بأن تسفر الجلسات المقبلة من الحوار الاجتماعي عن نتائج، قائلا: "أظن أن مختلف الأطراف تفهمت وضعية المقاولات اليوم، ونأمل تقارباً في وجهات النظر في الجلسات المقبلة".وأضاف زوانات، الذي يمثل الباطرونا في الحوارات الاجتماعية لسنوات طويلة، أن الجلسة الأولى من الحوار الاجتماعي الجديد، الذي انطلق الجمعة، ستعقبها جلستان خلال الشهر الجاري ستعرض فيهما الحكومة إجابات على مطالب النقابات وممثلي أرباب العمل.
وأشار زوانات إلى أن "CGEM" قدّم خلال الجلسة الأولى عرضاً حول الصعوبات الاقتصادية التي تُعاني منها بعض القطاعات. فيما طالبت النقابات بالحفاظ على مناصب الشغل، وتنفيذ الزيادة الثانية في الحد الأدنى للأجر المقررة خلال الشهر الجاري.وأكد زوانات أن "أرباب العمل يحتاجون في ظل الوضعية الحالية إلى تأجيل الزيادة الثانية المقررة في الحد الأدنى للأجر بـ5 في المائة، لأن عدداً من المقاولات يوجد اليوم أمام تحدي أداء أجور العمال، وهو ما ليس متوفراً لفئة كبيرة منها قبل النظر في هذه الزيادة المنصوص عليها في اتفاق 25 أبريل 2019".
زاد المتحدث قائلاً: "إذا كانت الأولوية الكبيرة بالنسبة للجميع هي الحفاظ على مناصب الشغل، فإن الأمر بمثابة معادلة صعبة بالنسبة لبعض القطاعات التي تواجه صُعوبات وتُشغل عدداً من الأجراء بحد أدنى للأجر وتحقق هامش ربح قليلا جداً".ودعا المسؤول في الاتحاد العام لمقاولات المغرب كُلا من الحكومة والنقابات إلى تنفيذ الالتزامات التي تضمنها الاتفاق الاجتماعي سالف الذكر، معتبراً أن "عدم الوفاء بها يجعل الاتفاق غير متكافئ".ويؤاخذ الاتحاد على الحكومة والنقابات عدم الوفاء بالتزامات ثلاث، هي نشر المرسوم الخاص بالمادة 16 من مُدونة الشغل المتعلق بالعقود محددة المدة، والتشاور وبرمجة القانون التنظيمي الخاص بالإضراب، وإطلاق المشاورات من أجل تعديل مدونة الشغل.في المقابل، يؤكد اتحاد أرباب العمل أنه طبق بعد سنة من توقيع الاتفاق الاجتماعي التزامين من أصل ثلاثة، هُما الشطر الأول من رفع الحد الأدنى للأجر والزيادة في التعويضات العائلية لفائدة الأجراء، ويطالب اليوم نظراً للظرفية الاقتصادية الصعبة بتأجيل الشطر الثاني من الزيادة في "السميك".
مطالب النقاباتمن جهته، قال الميلودي مخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، إن الجلسة الأولى من الحوار الاجتماعي "مرّت في جو إيجابي سادت فيه روح التضامن، وعرفت تقديم عدد من المطالب النقابية".أولى هذه المطالب، حسب تصريح مخاريق ، ضرورة تمديد الدعم للأجراء الذين توقفوا مؤقتاً عن العمل ولباقي الفئات المتضررة، ليشمل أشهر يوليوز وغشت وشتنبر، مشيراً إلى أن "حوالي650 ألف أجير لم يستأنفوا العمل بعد، وهم يواجهون اليوم ارتفاع كلفة العيش، خاصة مع اقتراب عيد الأضحى والدخول المدرسي".
كما شدد مخاريق على ضرورة "إرجاع الأجراء الذين كانوا متوقفين مؤقتاً بسبب الحجر الصحي إلى عملهم في ظروف آمنة، مع تشديد الإجراءات الاحترازية والوقائية تفادياً لظهور بؤر مهنية صناعية وتجارية وخدماتية".وحذر زعيم الـ"UMT" مما وصفها بـ"الهفوة" التي تضمنها قانون المالية التعديلي بخصوص دعم الشركات التي تحافظ على 80 في المائة من مناصب الشغل، حيث قال إن "هذا القرار تم تأويله من طرف أرباب العمل بأن الحكومة تسمح لهم بطرد 20 في المائة من الأجراء، وهو مقتضى يتطلب توضيحاً من طرف الحكومة"، بحسب تعبيره.
وأمام مطالبة الاتحاد العام لمقاولات المغرب بتأجيل زيادة 5 في المائة في الحد الأدنى للأجر، أكد الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل "التشبث بضرورة تطبيق هذه الزيادة، وفقاً لمقتضيات الاتفاق الاجتماعي لـ25 أبريل 2019".وفي نظر مخاريق، فإن "مُبررات الباطرونا لتأجيل هذه الزيادة غير مقنعة"، مؤكداً أن الأمر يتعلق باتفاق ثلاثي وجب احترامه، وزاد قائلاً: "الحد الأدنى للأجر معمول للأجراء والعمال بدون تأهيل مهني، لكنه أصبح اليوم يُطبق على شباب حاملين للبكالوريا والإجازة والماستر".
وبخُصوص تأثير تكلفة هذه الزيادة على المقاولات، اعتبر مخاريق أن هذا "نقاش مغلوط"، وأوضح أن "الزيادة تُقر رفعاً بـ0.76 سنتيماً للساعة، لأن الحد الأدنى للأجر يُحتسب بالساعة وليس الشهر، وهو ما يتطلب 191 ساعة من العمل للاستفادة من زيادة قدرها 128.44 درهماً لكي يصل (السميك) إلى 2654 درهماً".وتساءل مخاريق في هذا الصدد قائلاً: "هل هذه الدريهمات هي التي ستثقل كاهل المقاولات والشركات؟ هذا كلام فارغ، الظرفية الحالية تتطلب التضامن بين الأغنياء والعمال والبسطاء للحفاظ على التماسك الاجتماعي، عوض استغلال الجائحة من أجل الربح وابتزاز الدولة".
كما طالب وفد الاتحاد المغربي للشغل بإطلاق حوارات إقليمية وجهوية، وحوارات قطاعية، لمتابعة الأوضاع المهنية والاجتماعية الصعبة وإيجاد الحلول لها، تحت مسؤولية الولاة والعمال في كل الجهات والأقاليم، عوض الاقتصار على التداول حولها في العاصمة فقط.
قد يهمك أيضَا :
العثماني يؤكّد أنّ المغرب يتحكّم في "كورونا" رغم تسجيل إصابات جديدة