الرباط ـ المغرب اليوم
تخوض هولندا، على امتداد أيام 15 و16 و17 مارس الجاري، انتخابات تشريعية حاسمة لتشكيل برلمان وحكومة جديدين، من المرتقب أن يبتّا في ملفات ما بعد جائحة “كورونا”، داخليا وخارجيا؛ وهو ما يعني الدبلوماسية المغربية، بعد سنوات من الخلاف.
ومرت العلاقات الثنائية من أزمات حادة، كانت بدايتها بالبرلماني سعيد شعو، ثم استمرت مع حراك الريف وخطوات هولندا المتضامنة مع المعتقلين؛ لكن معطى تقنين استعمال القنب الهندي بالمغرب قد يقلب موازين العلاقات عكسا.
وإذا كانت هولندا من أكبر الدول المستثمرة في قطاع القنب الهندي على مستوى العالم، فإن المغرب يعد سوقا إنتاجية ضخمة قد يستثمرها هذا البلد الأوروبي بشكل قانوني، فيما سيستفيد المغرب من الخبرة الكبيرة التي راكمتها المختبرات الهولندية.
سياق هولندي
حليم المذكوري، الخبير في الشأن الداخلي الهولندي، أورد أن الانتخابات التشريعية التي تشهدها هولندا هذه السنة تتزامن مع أحداث سيكون لها تأثير عميق على السياسة الداخلية لهولندا في العقود المقبلة، بداية بسقوط الحكومة الحالية بسبب فضيحة مدوية حول مصلحة الضرائب (البيلاستينغ دينست).
وفي تطبيقها للسياسة الصارمة للحكومات الثلاث الأخيرة، انتهجت مصلحة الضرائب مقاربة “أنت متهم حتى تثبت براءتك”. اتهمت فيها آلاف الأسر والأفراد بدون دليل بالنصب والاحتيال، ونالت أغلبيتها مواطنين من أصول غير هولندية، يقول المذكوري.
ويرجح الخبير في الشأن الداخلي الهولندي انتصار الحزب اليميني الليبيرالي، للمرة الرابعة على التوالي. والسبب هو تركيز هذا الحزب في حملته الانتخابية على شخص زعيمه السياسي مارك روته، الذي ترأس الحكومات الثلاث السابقة؛ مستغلا في ذلك أجواء الأزمة ونجاح الحكومة في إدارتها.
رابح من كل جهة
اعتبر حليم المذكوري أن السياسة الخارجية الهولندية لن يطرأ عليها تغيير كبير بغض النظر عمن سيشارك في الائتلاف، معتقدا أن العلاقات جيدة، رغم ما شابها من تشنجات عابرة في الفترة الماضية حول ملفات يعتبرها المغرب حساسة وليست بتلك الأهمية لهولندا لكي تتشبث بها.
الهجرة غير القانونية والجريمة المنظمة والعابرة للحدود من الملفات التي تنتظر فيها هولندا تعاونا بناءً مع المغرب، إذ إن الكل يعلم بأن الهجرة “الفوضوية” من إفريقيا والشرق الأوسط من شأنها زعزعة الاستقرار السياسي بهولندا وتزايد قوة الأحزاب النيوفاشية المعادية للديمقراطية والتعدد.
وسجل المتحدث أن هذا المعطى سيكون له تأثير سلبي على ملايين الأوروبيين المنحدرين من المغرب. من هذا المنظور يمكن القول إن للمغرب كذلك مصلحة وجودية في تفادي مثل هذا الوضع، وزاد مستدركا: “لا أعتقد بأن المغرب سيكون مستعدًا للتجاوب مع كل مطالب هولندا في هذا الشأن”.
وكان ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، قد أكد، مرارا في تصريحات استباقية، أن المغرب غير راغب في لعب دور الشرطي. وهذا يعني أن الثمن الذي سيطلبه المغرب للتعاون على هذا الملف سيكون مختلفا عما سبق، وسيشمل بدون شك ملف أقاليمه الجنوبية الذي سيطالب فيه المغرب بموقف أكثر تقدمًا من “الحياد” الذي انتهجته هولندا إلى حدود هذه الساعة.
وفيما يخص الجريمة المنظمة العابرة للقارات، بما في ذلك الإرهاب، سيبقى دور المغرب مهمًا للغاية بالنسبة إلى أوروبا عمومًا وهولندا بالخصوص، يقول المذكوري، والسؤال هو هل سيظل المغرب معطاءً كما كان عليه من قبل، إذا لم يكن هناك مقابلاً في مستوى أهمية هذا الملف بالنسبة لهولندا؟
وبخصوص ملف تقنين زراعة الكيف، يرى الخبير في الشأن الداخلي الهولندي أن هناك جوانب مختلفة يمكن فيها التعاون بين البلدين. فكما هو معروف، كانت هولندا إلى وقت قريب رائدة عالميًا في سياسة التسامح مع الاتجار في واستعمال المخدرات، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت ردة قوية، حيث بدأت السلطات هنا في انتهاج سياسات صارمة، ضدًا على ما تنصح به الجهات الأمنية التي رأت تناميًا مهولًا في الأنشطة اللاقانونية لعصابات دولية في إنتاج وتسويق كل أنواع المخدرات؛ الأمر الذي يهدد بزعزعة الأمن الاجتماعي.
ورصد المذكوري أن قطاع تقنين القنب الهندي تستثمر فيه المليارات لإنتاج مواد شبه طبية، تجميلية وصناعية، مادتها الخام هي نبتة الكنابيس. وعلى سبيل المثال، فسعر قنينة عشرة مليلترات من زيت الـCBD غير المخدرة يتراوح بين الـ25 أورو والـ50 أورو حسب الجودة، بالإضافة إلى استخراج أنواع مختلفة من النسيج من ألياف النبتة ومواد صناعية أخرى تستعمل في التجهيز الداخلي للسيارات مثلا، مؤكدا أن الأحزاب اليسارية والليبيرالية كلها تدعو إلى تقنين هذه الزراعة وترشيد استعمالها في الجانب الترفيهي (التبويقة).
وشدد المتحدث على أن ما حدث في المغرب في اتجاه تقنين زراعة الكيف أمر مهم بالنسبة إلى هولندا؛ أمنيًا بحيث من المنتظر أن تتراجع عمليات التهريب، واقتصاديًا سيحاول هولنديون الاستثمار في تطوير زراعة “الكيف” بشكل قانوني لإنتاج المواد غير المخدرة التي تعرف سوقاً واسعة بالأراضي المنخفضة.
قد يهمك ايضا