الرباط - كمال العلمي
قدمت بهيجة سيمو، مديرة الوثائق الملكية، وثائق تاريخية تثبت سيادة المغرب على الأقاليم الصحراوية منذ القدم، وتعكس حضور الصحراء في منظومة الحكم على غرار باقي مناطق المملكة.جاء ذلك في محاضرة ألقتها مديرة الوثائق الملكية، وهي مؤرخة متخصصة في التاريخ العسكري، في رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مساء أمس الخميس، حيث سلطت الضوء على الوشائج والصلة التي ظلت قائمة بين مختلف مناطق المغرب على امتداد تاريخه، قديمه وحديثه.
وقالت سيمو إن من يستعرض الوثائق التاريخية للدولة المغربية ككيان سياسي عبر مختلف المراحل التاريخية يستشفّ حضور الصحراء الدائم في منظومة الحكم بالمغرب، ودورها في حركيّته التاريخية.وتوقفت المؤرخة سيمو عند أول استنتاج يبرز في هذا الاتجاه، متجلّيا في كون الدول الثماني التي تعاقبت على حُكم المغرب، منذ عهد الأدارسة إلى الدولة العلوية، جُلّها من المنطقة الجنوبية ومن الصحراء بمداها الممتدّ، أي من حواشيها وعمقها الإفريقي.
وأضافت أن المصادر التاريخية توضح الدور الاقتصادي الكبير الذي لعبته الصحراء المغربية للتحكم في المسالك التجارية الرابطة بين عمق الصحراء وعدد من المراكز التجارية، مثل سجلماسة وأغمات ومراكش وغيرها، لتصدير الذهب إلى أوروبا والشرق الأدنى.واستنتجت المؤرخة من هذا المعطى أن التاريخ الخاص للصحراء “جزء لا يتجزأ من التاريخ العام للمغرب، يتفاعل واقعها مع هذا التاريخ في جميع محطاته مراحله”، مبرزة أن المغرب احتفظ، خلال المرحلة الوسيطية، بدور الوسيط التجاري لتسويق الذهب المصدّر إلى أوروبا، وارتبطت مكانته السياسية بقوته الاقتصادية والعسكرية.
وأردفت أنه عندما كان الثقل الاقتصادي القائم على تجارة الذهب في المنطقة الجنوبية، وكان المغرب يلعب دور الوسيط لتصديره إلى أوروبا، كان المدّ العسكري يأتي من الجنوب نحو الشمال، وهو ما مكّن الدولة المغربية من لعب دور كبير في الحفاظ على الأندلس لمدة خمسة قرون، قبل أن يتغير الوضع بعد سقوط غرناطة، وانتقال الثقل الاقتصادي إلى الشمال، فأصبح المد العسكري يأتي من الضفة الشمالية للمتوسط، حيث احتل المدّ الإيبيري عددا من مناطق المغرب، منها الصحراء.
ولم يكن المغرب يستغل الحركة التجارية في سبيل تقوية ثقله الاقتصادي فقط، بل أيضا لتوسيع نطاق تأثيره الروحي، حيث أوضحت مديرة الوثائق الملكية أن المرابطين أدركوا أن القوافل التجارية ليست وسيلة لنقل السلع فقط، بل أداة لنقل الأفكار أيضا، مما جعل المغرب يحاول نشر المذهب المالكي في أقصى الجنوب، حيث تمت إقامة رباط عبد الله بن ياسين، أحد أقطاب التصوف المغربي على عهد المرابطين وأحد قواد الجيش المرموقين، حسب وصف ابن خلدون، في المنطقة المتاخمة لحوض السنغال.
واعتبرت المؤرخة ذاتها أن حدود المغرب وسيادته الروحية كانتا ممتدتين إلى منطقة حوض السنغال، وهو ما يعني أن سيادة المغرب على الجنوب كانت سياسية وعسكرية وروحية أيضا، لافتة إلى أن الدول التي تعاقبت على حكم المغرب بعد سقوط المرابطين حافظت على بسط السيادة على الأقاليم الصحراوية، وأن هذه الأقاليم تفاعلت مع التحولات التاريخية التي عرفها المغرب.
وأوضحت أن “الصحراء احتلت مكانة متميزة في منظومة الحكم بالمغرب بعد استقرار العلويين في القرن السابع عشر الميلادي، حيث تثبت الوثائق المتوفرة بوضوح تشبث الأقاليم الصحراوية بالولاء للعرش العلوي الشريف، فهنالك روابط بيعة شرعية تربط بين هذه الأقاليم والسلاطين العلويين، معززة بالتمثيل المخزني الدائم في مختلف المناطق الصحراوية”.
وأضافت أن عددا من القبائل بايعت سنة 1089، منها الساحل، واولاد الدليم، وبربورش، والمغافرة، وآيت جرار، بمناسبة الحرْكة الشهيرة إلى سوس، وخلالها تزوج السلطان بخناتة بن بكار المغافرية، وهو ما يؤكد الروابط المتينة للقبائل الصحراوية بالعرش العلوي.
وعرضت مديرة الوثائق الملكية، خلال محاضرتها، عددا من الوثائق التاريخية التي تؤكد سيادة المغرب على الأقاليم الصحراوية، كمعاهدة الكوسماس ومعاهدة سيلترا، المبرمتين مع إسبانيا والبرتغال، واللتين اعترفتا بموجبها بأن السلطة المغربية كانت تمتد إلى ما وراء رأس بوجدور، كما تنص المادة السابعة من المعاهدة المبرمة بين المغرب وإسبانيا على أن السيادة المغربية تمتد إلى ما وراء وادي نون.وثيقة أخرى تثبت السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية تتمثل في اتفاقية أبرمت عام 1786، حيث التزم السلطان سيدي محمد بن عبدالله بموجبها بتقديم المساعدة والحماية اللازمتين للسفن التي تجنح في عرض سواحل وادي نون.
وجاء في البند العاشر من الاتفاقية “وإذا ما جنحت سفينة أمريكية بضفاف وادي نون، أو على الضفاف المجاورة له، فإن ركابها يبقون في الأمان إلى أن تتيسر العودة إلى بلادهم إن شاء الله”.وعلّقت مديرة الوثائق الملكية على ذلك بالقول: “لا يمكن لسلطان أن يحمي سفن أجنبية في تلك المنطقة لو لم تكن لديه السيادة المطلقة عليها، ولا يمكن لدولة بحجم أمريكا أن تلتجئ إلى السلطان ليحمي سفنها وتبرم معه اتفاقية”.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
رشيدة طلال تؤكّد أن فنان الأقاليم الصحراوية عاش ظروفًا مزرية قبل الجائحة
المغرب يفضح أطروحات "البوليساريو" التي تعود إلى زمن الحرب الباردة