الدار البيضاء : جميلة عمر
كشف الخبير الفرنسي والأستاذ في مدرسة الدراسات العليا التجارية في باريس، هنري لوي فيدي، في مداخلته خلال الندوة الأخيرة للجزء الثاني من منتدى كرانس مونتانا، والمنظمة حول "مكافحة التغيرات المناخية في الدول الجزرية الصغيرة النامية " ، "أنه من غير المنطقي أن نترك الدول الجزرية الصغيرة النامية (السيدس) تتحمل لوحدها عواقب التغير المناخي الذي تسببت فيه الدول الصناعية الكبرى.
وأوضح الخبير الفرنسي، " أن هذه الدول لم تكن لديها يد في التغير المناخي، فلا يجب أن يطلب منها المساهمة المادية في محاربة هذه الظاهرة"، مضيفا أن هذه الإشكالية رغم مناقشتها منذ الكوب 21، فلا تزال بدون أي حلول واقعية. وأبرز أن الالتزامات الدولية الرامية إلى مكافحة التغييرات المناخية في شكلها الحالي، تشكل "عائقا حقيقيا" للتنمية الاقتصادية للدول النامية بصفة عامة وللدول الجزرية الصغيرة النامية بصفة خاصة، موضحا أن هاته الدول في حاجة ماسة لتنمية اقتصاداتها لتمكينها من مواجهة عواقب التغير المناخي، ولذلك يجب تكييف هذه الالتزامات مع متطلبات التنمية لتلك الدول.
ودعا لوي فيدي في هذا الصدد، إلى تفعيل مبدأ "ملوثين-دافعين" بحيث أن على الدول الصناعية الكبرى، المتسببة الرئيسية في التغير المناخي، أن تساهم في إحداث صندوق تمويل مشاريع تهدف إلى التخفيف من حدة آثار التغير المناخي على الدول الجزرية الصغيرة النامية ، مذكرا أن هذه الأخيرة هي التي تساهم بشكل أقل في التغير المناخي لكنها الأكثر تأثرا بهذه الظاهرة.
وأكد كذلك على دور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في تحسيس المجتمع الدولي بأهمية هذه القضية بغية حماية الأجيال القادمة، ومن جهة أخرى، أشار الخبير الفرنسي إلى أن أفريقيا كذلك تدفع ثمنا باهظا في هذا المجال على الرغم من أن ما تطرحه من غازات مسببة للاحتباس الحراري لا يتعدى 4 في المائة من مجموع الانبعاثات الغازية .
من جانبها، أكدت مديرة مؤسسة "مشروع الحفاظ على ذاكرة البالاوس"، السيدة لورا كلارك، أن المشاكل البيئية التي تعاني منها الدول الجزرية الصغيرة النامية ، وخصوصا دولة البالاوس هي نتيجة مباشرة لنمط حياة الدول الصناعية الكبرى.
وأضافت كلارك أن البيئة في البالاوس تدهورت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة بسبب السياحة المكثفة القادمة من الدول الغنية، مشيرة إلى أن ذلك دفع إلى إحداث تلك المؤسسة والتي تهدف بشكل أساسي حماية حق أطفال البالاوس في التمتع بمواردهم الطبيعية وببيئتهم من أي تلوث خارجي.
ونوهت بجهود حكومة بالاوس في محاربة تأثيرات التغيرات المناخية، مبرزة أن هذه البلاد تعد رائدة من بين الدول الجزرية الصغيرة النامية في حماية البيئة والتخفيف من آثار التغير المناخي وذلك بإعلان كل مناطقها البحرية "منطقة طبيعية محمية"، واعتماد دستور يمنع البلد من استعمال أي طاقة نووية بما فيها الاستعمال المدني أو الطاقي، وكذلك كون البالاوس الدولة الوحيدة في العالم التي تحمي أسماك القرش وتمنع اصطيادهم والتجارة فيهم.
وقدمت كلارك بالمناسبة، تجربة فريدة من نوعها قامت بها مؤسساتها وهي "وعد بالاوس "، وهو نداء كتبه أطفال بالاوس ، يدعون فيه السياح والعالم إلى احترام بيئة جزرهم وينبهونهم من مخاطر التغيير المناخي على الدول الجزرية الصغيرة النامية والبالاوس خصوصا. وتم تبني هذا النداء من طرف حكومة بالاوس، بحيث قامت بتغيير قانون الهجرة وإلزامية تأشير كل جوازات سفر الزوار الأجانب القادمين إلى البلاد بطابع يحمل النداء، وهي أول دولة تقوم بهذه المبادرة .
وحذّر المبعوث الدائم لجمهورية كيريباتي لدى الأمم المتحدة، ورئيس البلاد السابق، السيد تيبورورو تيتو، من وجود خطر حقيقي من اختفاء وزوال الدول الجزرية الصغيرة النامية من الخريطة بفعل ارتفاع منسوب مياه البحار، وقدم بلاده كمثال على ذلك ، مشيرا إلى أنه اضطرت إلى شراء أراضي من جارتها فيدجي، ترتقبا للأسوأ، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة مديونة هذه الدولة الصغيرة.
وأضاف أن حكومة بلاده تقوم بمجهودات جبارة للحد من تأثيرات التغير المناخي، بينها اعتماد خطة تمتد على 20 سنة وتروم إصلاح وترميم أجزاء جزرالبلاد التي تضررت من ارتفاع منسوب المياه، وكذا تشجيع السكان على الرجوع إلى الأساليب التقليدية للحياة في كيريباتي لتقليص اعتمادهم على وسائل النقل الحديثة والملوثة، وذلك باعتماد قوارب الأشرعة بدل قوارب المحركات الميكانيكية.
وتميزت هذه الندوة بحضور المخترع الفرنسي رفائيل دينيللي، الذي قدم للحاضرين مشروع "إيراوول"، وهو نموذج طائرة تعمل بالطاقات المتجددة يبتغى منها أن تساعد في التقليص من تأثير التغيرات المناخية والمساهمة في إنشاء جيل جديد من آليات النقل غير الملوثة. وتميزت هذه الندوة بمشاركة زوجة رئيس البالاوس الحالي، السيدة ديبي مينيشي ريمينجساو، حيث قدمت للمشاركين فيلم مؤسساتي بعنوان "العملاق" ، يهدف إلى التعريف بجمهورية بالاوس وبالتحديات المناخية التي تواجهها البلاد.