الرباط - المغرب اليوم
أكد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أن تمديد حالة الطوارئ الصحية في المغرب كان ضروريا لتجنيب المواطنين والمواطنات السيناريو الأسوأ، مشيرا إلى أن التمديد إلى غاية 20 مايو/ أيار المقبل جاء للتحكم في خريطة انتشار فيروس "كورونا".وأوضح رئيس الحكومة أنه لولا الإجراءات الاستباقية التي اتخذها المغرب، لكان، بالإضافة إلى الحالات المسجلة اليوم، عدد الإصابات في حالة وباء معتدلة قد وصل إلى 10 آلاف إصابة مؤكدة، و1600 حالة حرجة، و700 وفاة، في حين كان العدد سيصل في حالة وباء خطيرة إلى 36 ألف إصابة مؤكدة، و5700 حالة حرجة، و2500 وفاة.
دعا العثماني المغاربة إلى التأقلم مع إجراءات الحجر الصحي خلال شهر رمضان، وأكد أن حكومته اتخذت جميع التدابير لضمان تموين الأسواق بكل ما يحتاجون إليه في الشهور المقبلة.
وبخصوص ملف المغاربة العالقين بالخارج، شدد رئيس الحكومة على أن هذا الموضوع يؤرقه كثيراً ويحس بمعاناتهم، وقال: "للأمانة، فقد تعذر إلى حدود الساعة إرجاعهم لاعتبارات موضوعية وأخرى ذاتية، ونأمل أن يتم تجاوز كل العقبات والصعاب قريبا إن شاء الله لتمكينهم من العودة إلى وطنهم".
إليكم نص الحوار كاملا: "قررتم تمديد الحجر الصحي إلى غاية 20 ماي المقبل، هل في نظركم التمديد لشهر كامل يمكن أن يُجنب البلاد الأسوأ؟
كما تابعتم، عقدنا مجلسا للحكومة بصفة استثنائية يوم السبت 18 أبريل 2020 صادق على مرسوم يقضي بتمديد فترة الحجر الصحي إلى غاية يوم 20 ماي المقبل، أي تمديد بحوالي أربعة أسابيع.
وأؤكد هنا أن هذا التمديد كان ضروريا وملحا لتجنيب المواطنات والمواطنين الأسوأ. واتخذ هذا القرار بناء على اعتبارات علمية موضوعية، وباستحضار الحالة الوبائية في بلادنا والكيفية التي تتطور بها، ولتفادي الانتكاسة بعد قرارات وإجراءات استباقية مهمة ومجهودات جبارة. كما استندنا إلى آراء الخبراء المتخصصين الذين يتابعون الوضع عن كثب.
لقد اتخذت بلادنا بفضل توجيهات جلالة الملك حفظه الله إجراءات احترازية استباقية، وجعلت المحافظة على صحة وسلامة المواطنين أولوية الأولويات، بمجرد بدء انتشار الفيروس في العالم وتسجيل أول حالة إصابة في المغرب، وحتى قبل أن تصفه المنظمة العالمية للصحة بأنه جائحة، وكل ذلك مكن المغرب من التحكم في الحالة الوبائية ببلادنا اليوم.
وللمحافظة على هذا الوضع وتفادي أي تراجع أو انتكاسة وإضاعة الجهود التي بذلت إلى حدود الساعة، تم تمديد فترة حالة الطوارئ الصحية لمزيد من التحكم في انتشار الوباء والسيطرة على الوضع بعون الله تعالى.
هل نجحت حالة الطوارئ الصحية في تجنيب المغرب خطر تفشي وباء كورونا بشكل واسع وبالتالي عدم الدخول في المرحلة الثالثة؟
يُمكنني أن أقول لك، واستنادا إلى دراسة وتتبع الوضعية الوبائية ببلادنا، إن المغرب تجنب الأسوأ. فبحسب تقدير الخبراء، فإنه لولا فضل الله والإجراءات الاستباقية التي اتخذتها بلادنا، لكان، بالإضافة إلى ما تم تسجيله إلى الآن، عدد الإصابات في حالة وباء معتدلة قد وصل إلى 10 آلاف إصابة مؤكدة، و1600 حالة حرجة، و700 وفاة، في حين كان العدد سيصل في حالة وباء خطيرة إلى 36 ألف إصابة مؤكدة، و5700 حالة حرجة، و2500 وفاة، لكن الله لطف بنا ورحمنا.
وأهيب بجميع المواطنين تفهم هذه الظرفية، وأنوه بتعاونهم والتزامهم، وأدعوهم إلى مزيد من الصبر والالتزام بالحجر الصحي، ومزيد من الاحتياطات، وفي مقدمتها البقاء في المنازل حتى تمر الأمور بسلام.
كيف تقيمون التزام المغاربة بإجراءات الحجر الصحي والتدابير المتخذة لتجنيب البلاد تفشي الوباء؟
دعني هنا أنوه بروح الوطنية العالية التي أبان عنها غالبية المواطنات والمواطنين بالتزامهم بالحجر الصحي وتفهمهم صعوبة الوضع بكل تعاون وصبر، لأن التزام البيوت والتخلي عن كثير من الأنشطة والعادات أمر ليس سهلا من الناحية النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
وكما أسلفت، فإن الالتزام بالحجر الصحي وبالإرشادات الوقائية الفردية والعامة، كان له دور كبير في التحكم ومحاصرة الوباء. ومع الأسف، هناك أقلية هنا أو هناك، تخرق قواعد الحجر الصحي، إما عن عدم وعي بخطورة ما تقوم به أو عن استصغار لحقيقة الوباء أو عن عناد أحيانا. وكان لا بد من تفعيل مقتضيات القانون لأننا أمام ضرورة الحفاظ على المصلحة العامة وحفظ النفس. ولا يمكن التساهل مع من يشكل خطرا على صحة وسلامة المواطنين، ويكون سببا في انتشار الوباء ووفاة مواطنين أبرياء. وهذا ما تقوم به الجهات المختصة مشكورة.
في حالة تضاعف الإصابات في الأيام المقبلة، خصوصا مع ارتفاع حالات الكشف المخبري يوميا، هل تفكر الحكومة في سيناريوهات أخرى لضبط وتيرة انتشار الوباء، ومن ضمن ذلك كيفية التعامل مع شهر رمضان؟
نُتابع تطور الوضعية الوبائية ببلادنا، وما يقع حولنا في دول العالم، وهناك لجنة علمية لدى وزارة الصحة مكونة من خبراء ومتخصصين في علم الأوبئة والفيروسات والوبائيات تتابع مشكورة الوضع عن كثب. ونعتقد أن بلادنا اتخذت إلى غاية اللحظة كل الإجراءات الممكنة للتحكم في انتشار الوباء، وقد أثبتت تلك الإجراءات فعاليتها ونجاعتها.
وكما تعلمون، كنا نتحدث في البداية عن حالات وافدة، ثم وجدنا أنفسنا مع المدة أمام أعداد من الحالات المحتملة بسبب الاحتكاك الاجتماعي الذي وقع بين الإصابات الوافدة ومحيطها الأسري والعائلي، ثم تطور الوضع إلى غلبة الإصابات المحلية بـأكثر من 80 بالمائة، وهنا دخلنا المرحلة الثانية والحديث عن بؤر عائلية وأسرية، ثم بعد ذلك عن بؤر أخرى تجارية وصناعية.
ولتفادي المرور إلى المرحلة الثالثة، كان لا بد من اتخاذ إجراءات إضافية، من مثل إلزامية ارتداء الكمامات؛ إذ بات من الصعب معرفة المصاب من غير المصاب، فضلا عن ظهور دراسات علمية جديدة على المستوى الدولي تتحدث عن إمكانية بقاء الفيروس في الهواء لبعض الوقت بعد أن يعطس المصاب على مسافة بضعة أمتار، مما دفع بعدد من الهيئات والدول إلى الدعوة إلى تشديد الإجراءات الاحتياطية والاحترازية المعتمدة بإقرار إلزامية ارتداء الكمامات.
بمعنى آخر، إننا نتخذ كل الإجراءات الضرورية لمحاصرة الوباء على حسب تطوره، ولتفادي المرور إلى المرحلة الثالثة، ونعتقد أن استمرار الالتزام بمقتضيات الحجر الصحي والتعليمات الطبية والوقائية، بالإضافة إلى الجهود التي تبذلها وزارتا الصحة والداخلية وكل العاملين في القطاعين من شأنها إن شاء الله تعالى أن تبقي الوضع تحت السيطرة. وفي كل الأحوال نحن كما قلت لكم نتابع الوضع لحظة بلحظة، ومستعدون لكل السيناريوهات المحتملة.
وبخصوص شهر رمضان الكريم، ومع قرار تمديد حالة الحجر الصحي، فسنكون جميعا مضطرين للتأقلم مع هذه الوضعية الاستثنائية، مع ما ستفرضه من تغييرات ضرورية على عدد من التقاليد الجماعية المعتادة، لكن ذلك لن يمنعنا من التمتع بالأجواء الروحانية للشهر الفضيل، صياما وقياما، ومن استثمار هذه الأيام المباركة للتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء ليرفع عنا وعن البشرية جمعاء هذا الوباء.
أما إذا كُنت تقصد التموين، فإنني أطمئن المواطنات والمواطنين بأن جميع التدابير والاحتياطات اتخذت لتوفير كل ما يحتاجون إليه في الشهور المقبلة، وبوفرة ولله الحمد.
لدينا اليوم 9 مختبرات مرجعية لإجراء التحاليل الخاصة بفيروس كورونا بعد إضافة 6 مختبرات بالمستشفيات الجامعية، كم تتوقعون أن يصل عدد التحاليل في اليوم الواحد؟
عموما تم بذل مجهود مقدر للرفع من قدرات المنظومة الصحية الوطنية لمواجهة وباء فيروس كورونا بتوجيهات ملكية سامية. وفي هذا الإطار، تم رصد مبلغ ملياريْ درهم من الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا لتغطية النفقات المتعلقة أساسا بشراء المعدات الطبية ومعدات المستشفيات، وستخصص أساسا لاقتناء 1000 سرير للإنعاش، و550 جهازا للتنفس، وعدة أجهزة للكشف بالأشعة وغيرها. كما تم شراء المعدات الضرورية للتحاليل المخبرية. وتقوم بلادنا بكل هذا في وقت يعرف فيه العالم تنافسا شرسا على هذه المستلزمات وارتفاعا مطردا لأثمنتها.
وأذكر هنا بأننا نعيش المرحلة الثانية من الوباء، ولم نعتمد توسيع الكشف والاختبارات منذ البداية، وذلك في إطار التدرج والملاءمة مع الإمكانيات، وكذلك بالموازاة مع تطور الحالة الوبائية. وتابعنا في هذا المجال برتوكولا أو منهجية أعطت نتائج حميدة، وتمكنا من السيطرة على انتشار الوباء. وبإمكاننا الآن توسيع دائرة الاختبارات أو الكشف مع تقليص المدة الضرورية للحصول على النتائج، وستمكننا هذه المنهجية من تشخيص الوضعية بشكل جيد، وكذا التأكد من اكتساب المتعافين للمناعة من المرض. كما يندرج هذا التوسيع في إطار الاستعداد التدريجي للخروج من حالة الحجر الصحي، مع استمرار اليقظة والحذر.
نعلم أن وضعية المغاربة العالقين بالخارج معقدة، خصوصا في الدول التي تعرف تفشيا للوباء، لكننا اليوم أمام ما يُناهز 18 ألف شخص (دون احتساب الطلبة المغاربة)، هل وضعت الحكومة خطة لاستقبالهم وأماكن وضعهم بالحجر الصحي في حالة قررت المملكة إعادتهم؟ وهل سيتم إعادة جميع العالقين أم فقط الحالات الأكثر تضرراً؟
بصراحة، هذا الموضوع من بين المواضيع التي تؤرقنا، ونحس بمعاناة أخواتنا وإخواننا المواطنين الذين كانوا خارج أرض الوطن قبل إغلاق الحدود، واضطرتهم ظروف الطوارئ الصحية للبقاء خارج التراب الوطني، ولن يهدأ لنا بال حتى يرجعوا إلى أرض الوطن وإلى ذويهم سالمين وآمنين؛ ذلك أنه منذ البداية، وبتوجيهات ملكية سامية، عملت مختلف البعثات الدبلوماسية والمراكز القنصلية المغربية في الخارج على ربط التواصل مع مغاربة العالم من خلال تقديم الدعم والمساعدات الأولوية، ومساعدتهم والتواصل المستمر والدائم معهم، عبر إحداث بوابات ومنصات إلكترونية وأرقام هواتف محمولة مرصودة لهذا الغرض، بالإضافة إلى القيام بعدد من الإجراءات منها:
- إحداث خلايا تعنى بتتبع وضعية المغاربة العالقين بالخارج على مستوى الإدارة المركزية والبعثات الدبلوماسية والمراكز القنصلية، معبأة 7 أيام في الأسبوع و24 ساعة في اليوم.
- توفير السكن لغير القادرين على تغطية تكاليف إقامتهم وتوفير كفافهم من حيث الغذاء.
- تغطية تكاليف اقتناء الأدوية لفائدة الأشخاص الذين يعانون من بعض الأمراض المزمنة (السكري، ارتفاع ضغط الدم، القلب ...) وتحمل تكاليف العمليات الجراحية الطارئة.
- وضع فريق طبي رهن إشارة المغاربة العالقين بالخارج لتقديم خدمات واستشارات طبية مجانية لفائدتهم.
- التدخل لدى السلطات الأجنبية المختصة لتمديد فترة إقامتهم بعد انتهاء صلاحية تأشيراتهم واستيفائها للآجال القانونية.
وللأمانة، فقد تعذر إلى حدود الساعة إرجاعهم لاعتبارات موضوعية وأخرى ذاتية، ونأمل أن يتم تجاوز كل العقبات والصعاب قريبا إن شاء الله لتمكينهم من العودة إلى وطنهم.
كيف تعمل الحكومة لتنسيق عملها في ظرفية الطوارئ الصحية، خصوصا بينكم وبين لجنة اليقظة الاقتصادية ووزارة الصحة؟
أولا، الحكومة مستمرة في عملها، واجتماعات مجلسها تنعقد لأكثر من مرة في الأسبوع، كلما دعت الضرورة إلى ذلك، واتصالي بالوزراء متواصل بشكل يومي ومستمر، كما يتصلون بي من جهتهم متى ما استدعى الأمر ذلك.
وقد وضعنا آليات للحكامة لتدبير هذه الجائحة، ونحقق من خلالها أعلى قدر ممكن من التتبع المستمر والالتقائية والتنسيق؛ ذلك أنه تم إحداث لجنة للقيادة، وأخرى للتتبع العلمي للحالة الوبائية إضافة إلى منظومة الرصد والتتبع لدى وزارة الصحة، وثالثة لليقظة الاقتصادية، مع التفعيل المستمر للجنة تتبع الأسعار وتموين الأسواق. ومن خلال تتبع أعمال وتقارير هذه الآليات واللجان، تتمكن القطاعات الحكومية المعنية، كل واحدة على حدة، والحكومة مجتمعة، من تتبع الوضعية واتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات. كما نحرص على إصدار بلاغات بشكل مستمر ومنتظم من أجل التواصل مع المواطنين ووضعهم في صورة ما يجري.
فالحكومة إذن تشتغل وتنسق علمها بشكل انسيابي وفعال، وطبيعة الأزمة الصحية التي نعيشها، كباقي دول العالم، تقتضي إجراءات يتداخل فيها ما هو صحي واجتماعي واقتصادي وقانوني، وغير ذلك، مما يقتضي التكامل والانسجام، وهو أمر حاصل والحمد لله وله آثار ونتائج إيجابية.
هل المغرب قادر على استعادة الوضع الطبيعي بشكل سريع، خصوصا على المستوى الاقتصادي؟
هذا التحدي تواجهه كل دول العالم التي مستها الجائحة، وينذر بركود اقتصادي عالمي. وبلادنا تأثرت هي الأخرى بسبب تراجع الطلب الخارجي، وخصوصا على صادرات المهن الجديدة للمغرب، كما تراجعت عائدات السياحة وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، وانخفض الطلب الداخلي، وتباطأ النشاط المقاولاتي والإنتاجي، وتقلص الاستهلاك الداخلي. مما له انعكاسات سلبية على حياة المقاولات وأداء الاقتصاد الوطني والتوازنات الماكرو اقتصادية، وكذا على الميزان التجاري وميزان الأداءات.
وقد جاءت المبادرة الملكية السامية بالدعوة إلى إحداث صندوق لتدبير ومواجهة جائحة كورونا للمساهمة في معالجة هذه الآثار والانعكاسات، ودعم الاقتصاد الوطني والقطاعات الأكثر تأثرا والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الأزمة، وكذلك دعم المقاولات والقطاعات الأكثر تضررا، مع أملنا في الروح التضامنية للفئات غير المحتاجة لهذا الدعم، للإسهام بدورها في المجهود الوطني الجماعي، بالاستمرار في أداء مستحقاتها وواجباتها، وقبل ذلك بالعمل على استمرارية دورتها الإنتاجية.
ورغم حدة تداعيات هذه الأزمة على الاقتصاد الوطني، فإننا نتطلع إلى المستقبل بأمل وتفاؤل، بفضل صلابة الأسس التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني، وكذا بفضل الوضعية الحسنة التي كان عليها اقتصادنا قبل حدوث هذه الأزمة. من جهة أخرى، إننا نتطلع إلى اغتنام الفرص التي ستتيحها الوضعية الجديدة لتقوية وتحديث نسيجنا الاقتصادي والصناعي وتعزيز تنافسيتنا، لأن الأزمات الاقتصادية كثيرا ما تحمل في طياتها فرصا جديدة للنمو.
ونعمل في الحكومة على وضع مقاربة شمولية للتعامل مع الوضع الاقتصادي تتضمن تدابير لدعم الاقتصاد الوطني، تسعى من جهة إلى تخفيف التداعيات على المالية العمومية والتوازنات الكبرى، ومن جهة ثانية تتجه إلى دعم المقاولات، مع إعطاء الأولوية للقطاعات الحيوية لضمان استمرارية قدرتها التشغيلية الإنتاجية.
وأملنا في الله عز وجل أن نخرج من هذه الأزمة في أقرب وقت ممكن وبأقل الخسائر الممكنة، وتعود الحياة إلى وضعها الطبيعي بعد انتهاء الحجر الصحي. وبالتأكيد ستحتاج عودة النشاط الاقتصادي العادي والطبيعي إلى بعض الوقت، لكن المهم أن تخرج بلادنا ومواطنونا سالمين وبأقل الأضرار من هذه الأزمة الصحية، فالإنسان هو الذي يصنع الاقتصاد وليس العكس.
ولهذا أعطى جلالة الملك حفظه الله الأولوية لصحة المواطنات والمواطنين، وأنا متفائل أننا سنتمكن جميعا بإذن الله وتوفيقه والقيادة الرشيدة لجلالة الملك وتعاون كل قوى الشعب المغربي أن ننجح في المعركة ضد الجائحة والعودة إلى الحياة الطبيعية، وتجاوز هذه المرحلة الصعبة.
بخصوص رفع الاقتراض الخارجي، لماذا لم تحدد الحكومة سقفا جديدا وتركت سقف الاقتراض مفتوحاً؟
أولا، إن اتخاذ الحكومة للمرسوم بقانون رقم 2.20.320 المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، الذي يرخص للحكومة تجاوز سقف التمويلات الخارجية المحدد بموجب المادة 43 من قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية 2020، يندرج في إطار المواجهة الاستباقية للتداعيات غير المسبوقة لجائحة كورونا وآثارها السلبية على الاقتصاد الوطني والمالية العمومية، ومن أجل الاستجابة للحاجيات التمويلية المستقبلية من العملة الصعبة.
ويسمح هذا الترخيص للحكومة باللجوء إلى المؤسسات والأسواق المالية الدولية للحصول على التمويلات الخارجية، وبالتالي توفير العملة الصعبة اللازمة لاقتناء السلع والخدمات، ولا سيما المواد الأساسية والمعدات والتجهيزات الطبية والأدوية والمواد الغذائية والطاقية وغيرها.
وبموجب هذا الترخيص، لجأت بلادنا بتاريخ 07 أبريل الجاري إلى استخدام خط الوقاية والسيولة (LPL) بسحب مبلغ يعادل ما يقارب 3 ملايير دولار، قابلة للسداد على مدى 5 سنوات، مع فترة سماح لمدة 3 سنوات. ويدخل هذا الإجراء في إطار الاتفاق المتعلق بخط الوقاية والسيولة المبرم مع صندوق النقد الدولي سنة 2012، الذي تم تجديده للمرة الثالثة في شهر دجنبر 2018 لمدة سنتين، قصد استخدامه كتأمين ضد الصدمات الشديدة، مثل هاته التي نشهدها حاليا بفعل جائحة فيروس كورونا.
ويجدر التأكيد هنا أن هذا المبلغ غير موجه للتمويل الداخلي أي للخزينة العامة، بل هو يتعلق أساسا بتوفير العملة الصعبة اللازمة لتمويل وارداتنا من السلع والخدمات ولتمويل عجز الحساب الجاري لميزان الأداءات.
ثانيا، إن اللجوء إلى تفعيل هذا الخط الائتماني في هذا الوقت بالذات يأتي في إطار مقاربة استباقية؛ إذ من المتوقع أن تشهد الأسواق والمؤسسات المالية ضغطا كبيرا في المستقبل المنظور، اعتبار لما سيترتب عن هذه الجائحة وتداعياتها من تزايد الطلب على التمويلات الخارجية من طرف العديد من الدول، وهو ما سيكون له أثر سلبي على السوق المالية الدولية من حيث وفرة العرض، ومن حيث السيولة، وأيضا من حيث الشروط المالية للاقتراض.
هل من أرقام أولية حول خسائر الاقتصاد المغربي جراء أزمة كورونا؟
ليس لدينا الآن رقم دقيق للخسائر، وهناك لجان تتابع هذا الموضوع بتفاصيله، وكل ما نأمله هو أن تكون في حدود قابلة للتدارك في المستقبل القريب. المهم أن تخرج بلادنا سالمة وبأقل الأضرار من هذه الجائحة وتداعياتها.
متى تشرع الحكومة في توزيع الدعم على المقاولات والشركات والمؤسسات المتضررة من تداعيات كورونا؟
تجدر الإشارة أولا إلى أن الحكومة من خلال الإجراءات التي اتخذت لفائدة المأجورين تهدف أيضا إلى دعم المقاولات المتوقفة عن العمل، لكي تحافظ على مناصب الشغل المتوفرة لديها، والحيلولة دون فقدانها لأجرائها، وتمكينها من الانطلاق من جديد بأقل تكلفة.
بالإضافة إلى ما سبق، فقد تم اتخاذ عشرات الإجراءات لفائدة المقاولات، وخاصة المتوسطة والصغرى والصغيرة جدا، والمهن الحرة التي تواجه صعوبات، والتي عرف نشاطها تعثرا كبيرا مع توقف كامل في بعض الأحوال، تستهدف بالأساس تخفيف عبء المستحقات، ودعم مالية المقاولات، ودعم الاستثمار وتيسير الولوج إلى الصفقات.
ويندرج تحت هذه الغايات والأهداف عشرات القرارات أذكر منها: تأجيل سداد القروض البنكية وتلك المتعلقة بقروض الإيجار "leasing" بالنسبة للمقاولات، وفق شروط معينة، وتعليق المراقبة الضريبية والإشعار لغير الحائز إلى أواخر شهر يونيو 2020، والعمل على تسريع وتيرة أداء مستحقات المقاولات من أجل تخفيف الضغط على خزينتها ولتتمكن بدورها من الوفاء بالتزاماتها المالية والحفاظ على مناصب الشغل، وبالتالي المساهمة في التخفيف من التداعيات الاجتماعية للوباء.
كما أطلقت الحكومة برنامج "امتياز-تكنولوجي" لدعم استثمارات المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة التي تستثمر في مجال تصنيع المنتجات والمُعِدَّات المستعملة في مواجهة هذا الوباء؛ إذ يمكن لهذه المقاولات الاستفادة من تمويل 30% من مبلغ الاستثمار الإجمالي في حدود 10 ملايين درهم بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة و1,5 مليون درهم بالنسبة للمقاولات الصغيرة جدا.
وتتابع لجنة اليقظة الاقتصادية تفاعلات الساحة الوطنية وتطلعات المقاولات لاتخاذ المزيد من الإجراءات كلما اقتضى الأمر ذلك.
بالنسبة إليكم السيد رئيس الحكومة ما هي الدروس المستفادة من أزمة كورونا؟
من الواجب والضروري استخلاص الدروس والعبر من الأزمات، وسبق لي أن قلت بمجلس النواب قبل أيام إن أول ما يعلمنا وباء كورونا كوفيد 19 هو التواضع، لأن البشرية تشعر اليوم بأنها ضعيفة أمام قدرة الله، وأمام كثير من الحوادث التي تفاجئها، وتحتاج وقتا لتستطيع تجاوزها بقوة العلم والبحث. ومما لا شك فيه أن ثمة مراجعات ستفرض نفسها، وأسئلة سيطرحها الإنسان كفرد أو كجماعات في هذا العالم الذي فرض الوباء على نصف سكانه الحجر الصحي.
أيا كان، فالعالم وتوازناته وتصرفات الناس فيه بعد جائحة كورونا لن يبقى كما كان قبلها. لكن الحياة ستستمر، والمهم هو الاستفادة والاعتبار، وعدم تكرار الأخطاء في علاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقة الإنسان بالكون، مع إعادة الاعتبار للقيم الإنسانية الجامعة.
وعلى المستوى الوطني، برزت في المجتمع المغربي طاقة هائلة من الوطنية والتضامن والتعبئة، وبرزت أهمية تلك القيم وتفعيلها لمواجهة التحديات، ووقف الجميع صفا واحدا ضد الجائحة. هذا النفس الإيجابي، الفاعل والجامع، نريده أن يستمر ليعطي فرصة إقلاع متجددة يمكن أن تجعل المغرب يدخل نادي الدول الصاعدة في القريب إن شاء الله.
قد يهمك ايضا
رئيس الحكومة يوصي المغاربة بالبقاء في البيوت لتفادي خسائر كورونا