تونس - كمال السليمي
انتهى اجتماع مجلس وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي الذي انعقد في تونس، من دون أن يحمل جديدًا بالنسبة الى مستقبل المنطقة التي تواجه تحديات أمنية كبرى. واكتفى بدعم الدول المغاربية الخمس لحكومة الوفاق الوطني الليبي. واستطاع أن يخرج ببيان ختامي رغم الخلاف الذي كان بين الجزائر وتونس من جهة والمغرب من جهة أخرى.
وشارك في الاجتماع وزير الخارجية التونسي خميس الجيهناوي الذي احتضنت بلاده الاجتماع والوزير الجزائري المكلف الشؤون المغاربية والإفريقية والجامعة العربية عبد القادر مساهل، ومحمد الطاهر سيالة مفوض المجلس الرئاسي الليبي، وخديجة مبارك فال مساعدة وزير الخارجية الموريتاني مكلفة بالشؤون المغاربية والإفريقية ومباركة بوعيدة الوزيرة المغربية المنتدبة لدى وزير الخارجية والتعاون.
وعبر الوزراء الخمسة في البيان الختامي لاجتماعهم عن "دعمهم المطلق" للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي بما يمكنه من الاضطلاع بمسؤولياته الوطنية، سيما مواجهة الإرهاب وتأمين الحدود. وشدد مجلس وزراء الخارجية على ضرورة "الحفاظ" على سيادة ووحدة تراب ليبيا وتلاحم نسيجها الاجتماعي، مجددا "رفضه لأي تدخل عسكري".
ودعا الوزراء المغاربة المجموعة الدولية إلى "تحمل مسؤولياتها" في دعم حكومة الوفاق الوطني التي يقودها فايز السراج، باعتبارها "الحكومة الشرعية الوحيدة للشعب الليبي ومساعدتها على الرفع من معنوياته وتمكينه من مقومات الأمن والاستقرار اللذين يعتبران جزءا من أمن واستقرار دول اتحاد المغرب العربي والمنطقة عموما".
وكشفت مصادر مراقبة عن أن اجتماع وزراء خارجية دول اتحاد المغرب العربي، كاد أن ينتهي من دون إصدار بيان ختامي، بسبب محاولة المغرب إدراج بند في محضر الاجتماع يتضمن ما يشير إلى ربط انتقال المجلس الرئاسي الليبي للعمل انطلاقا من العاصمة طرابلس، ونجاح التوافقات السياسية في ليبيا باتفاق الصخيرات المغربية الذي تم التوصل إليه في شهر ديسمبر /كانون الاول الماضي، لكن الجزائر رفضت هذا المضمون السياسي، باعتبار أن الواقع والتحولات في ليبيا تجاوزته بكثير.
وأشارت إلى أن الجزائر طرحت تصورا سياسيا يتضمن تثمين اتفاق الصخيرات من دون ربط النجاحات السياسية التوافقية في ليبيا بهذا الاتفاق، واعتبرت أن التوافق الحاصل نتاج عمل سياسي ميداني تتحمل فيه الجزائر وتونس عبئا سياسيا كبيرا، إضافة إلى الأعباء الأمنية التي يتحملها البلَدان نتيجة تسلل "الإرهابيين" والأسلحة من ليبيا إلى الجزائر وتونس، كما حدث في منطقة وادي سوف جنوب الجزائر وبن قردان جنوب تونس على الحدود مع ليبيا. وبسبب هذه الخلافات، تم إلغاء المؤتمر الصحافي الذي كان مقررا في ختام الاجتماع.
ولتجاوز هذا الخلاف عبر مجلس وزراء الخارجية عن ترحيبه بانتقال المجلس الرئاسي الليبي إلى العاصمة طرابلس في سبيل تنفيذ بنود الاتفاق السياسي الموقع عليع في مدينة الصخيرات في إطار المسار السياسي تحت رعاية الأمم المتحدة. كما ثمن الجهود الحثيثة التي بذلتها تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
وأشار سعيد زواري الى أن الملف الليبي يكتسي " أهمية قصوى بالنسبة لتونس والجزائر، إذن فلا يمكن سحب البساط منهما والتركيز فقط على اتفاق الصغيرات،ذلك أن لتونس كما الجزائر جهود فردية وكذلك تنسيق ثنائي في الموضوع الليبي: ثم يأتي التنسيق المغاربي ثم العربي في مرحلة لاحقة". وقال زواري لـ"إيلاف" :"إذ أن أي قرار يخص الداخل الليبي سيكون له انعكاس مباشر على الواقع في البلدين تونس والجزائر على اعتبار القرب والترابط المباشر بينهم"
وبهدف تكييف الاتحاد المغاربي مع التطورات الجديدة التي تعرفها المنطقة، دعا وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية عبد القادر مساهل إلى الإسراع في "عملية إصلاح حقيقية وواعية لمنظومة اتحاد دول المغرب العربي" عبر "تحديث مؤسساتها ومراجعة نصوصها القانونية " لتحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها. وقال مساهل "بعد 27 عاما من تأسيس الاتحاد المغاربي تبقى حصيلة العمل المشترك متواضعة ولم ترق إلى مستوى تطلعات بلدان الاتحاد مما يستوجب الإسراع في عملية إصلاح حقيقية وواعية لمنظومة الاتحاد على غرار التطورات التي تشهدها التكتلات الجهوية الناجحة". وبحسب مساهل، فإن هذا الوضع "لا يدعو إلى التفاؤل" ، داعيا في الوقت ذاته إلى "مضاعفة الجهد واستدراك الفرص الضائعة" لتحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها اتحاد دول المغرب العربي.
ورأى مساهل أن تحقيق هذه الأهداف لن يتم إلا عبر "تحديث شامل للمؤسسات الاتحادية ومراجعة لمنهجية وآليات عملها وكذا إعادة النظر في كافة النصوص القانونية المعتمدة بما فيها معاهدة التأسيس". وأضاف أنه "لم يدخل منها حيز التنفيذ إلا سبعة نصوص من أصل سبعة وثلاثين" . وأكد أن هذه العملية الإصلاحية" باتت أكثر من ضرورة في ظل مناخ إقليمي دقيق تواجه فيه منطقتنا تهديدات أمنية غير مسبوقة" يتصدرها تنامي المخاطر الإرهابية ونشاط الجريمة المنظمة. من جانبه، اعتبر الأمين العام لاتحاد المغرب العربي الحبيب بن يحي السابق أن استفحال التهديدات الأمنية وتفاقم التحديات العابرة للحدود والناتجة عن انتشار الإرهاب والاتجار بالسلاح والمخدرات، وكذا الظروف المالية الصعبة التي فرضتها الأزمة الاقتصادية يستوجب على بلدان الاتحاد "رص الصفوف وتكثيف الجهود المشتركة".
أما وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، فدعا إلى السعي من أجل "إضفاء زخم جديد على المسيرة المغاربية بما ينسجم مع تطلعات شعوب المنطقة". وثمن المفوض من قبل المجلس الرئاسي الليبي محمد سيالة جهود دول المغرب العربي ودعمها لبلاده من أجل استرجاع استقراره.
وشدد على ضرورة تكثيف العمل المشترك بين بلدان الاتحاد. وقالت الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون المكلفة المغاربية والإفريقية وبالموريتانيين بالخارج ان التحديات التي تفرضها الظروف الإقليمية والدولية الراهنة تتطلب من دول الاتحاد المزيد من العطاء وتكاتف الجهود لمجابهة المخاطر ولتحقيق تطلعات شعوب المنطقة. أما الوزيرة المنتدبة لدى وزير الخارجية والتعاون المغربية مباركة بوعيدة فرافعت من اجل ضرورة تكثيف الجهود بين دول الاتحاد سيما في المجال الاقتصادي. ويرى الكتب الصحفي سعيد زواري أن نجاح العمل المغاربي المشترك مرهون بأن " يحظى الاتحاد بدور أكبر في المرحلة القادمة وذلك يتطلب تغييرا في الإستراتيجية والهيكل والتنظيم ،على اعتبار أنه وعلى الرغم من التغييرات الكبيرة التي شهدتها المنطقة وكذلك التحديات المهمة المقبلة عليها دوله ،لم يلعب الاتحاد أدوارا مهمة بل وربما كان الطرف الأضعف في هذه المرحلة".
ووافق الوزراء الخمسة في ختام الاجتماع على قرار تعيين وزير خارجية تونس السابق الطيب البكوش أمينا عاما جديدا لاتحاد المغرب العربي خلفا لمواطنه الحبيب بن يحيى. والبكوش (72 سنة) قيادي في حزب "حركة نداء تونس" الذي يقود الائتلاف الحكومي بتونس وهو من الوجوه الحقوقية والنقابية البارزة. وشغل البكوش منصب الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل الحائز على جائزة نوبل السلام ضمن رباعي الحوار الوطني العام الماضي بين سنتي 1981 و1984.كما شغل البكوش منصب وزير التربية في الحكومة الانتقالية الثالثة بعد أحداث عام 2011 برئاسة الباجي قايد السبسي ومنصب وزير الخارجية بعد انتخابات 2014 قبل أن يغادر منصبه اثر التعديل الوزاري مطلع العام الجاري.