الرباط -المغرب اليوم
بتعيين الملك للجنرال فاروق بلخير الأسبوع الماضي، مفتشا عاما القوات المسلحة الملكية المغربية ، يكون عدد الجنرالات الذين عينهم محمد السادس خلال 22 سنة من حكمه أربعة مفتشين عامين، وجنرال واحد هو الراحل عبد الحق القادري الذي ظل مفتشا عاما للقوات المسلحة الملكية حتى يوليوز 2004، مواصلا من العهد السابق ليستمر خلال السنوات الخمس الأولى من حكم الملك الجديد.ما السياق الذي أتى فيه إعفاء عبد الفتاح الوراق الذي عينه الملك محمد السادس في ذات المنصب في يناير 2017؟ هل هو تأهيل عبد الفتاح الوراق لمنصب حكومي على رأس إدارة الدفاع؟ وهل هي التحولات الجيوستراتيجية الجديدة في دول الساحل والمحيط الإقليمي التي فرضت وجها جديدا؟ أيمكن الحديث عن جيل جديد من النخبة العسكرية يستمد ملامحه من خلال التغيير داخل الاستمرارية الذي تعرفه المؤسسة الخرساء؟ ما هي السمات التي تحملها بروفايلات الوجوه الخمسة التي عينت على رأس المفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية؟ وهل تعكس معالم تحول في طبيعة النخبة العسكرية مع استراتيجية الملك في تحديث المؤسسة العسكرية التي فرضت بقوة الأشياء تغير طبيعة الجنرالات الجدد في مملكة محمد السادس؟
يوم الخميس 15 شتنبر الجاري، أعلن بلاغ للقيادة العليا للقوات المسلحة الملكية «أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، تفضل بتعيين الجنرال دوكور دارمي بلخير الفاروق مفتشا عاما للقوات المسلحة الملكية وقائدا للمنطقة الجنوبية». بلاغ قصير اعتبره البعض مفاجئا، أعلن عن إنهاء مهام المفتش السابق للقوات المسلحة الملكية عبد الفتاح الوراق وتعيين الجنرال بلخير مكانه، مع تعريف بشخص المفتش العام الجديد وتكوينه وخبرته. فما خلفيات إعفاء الوراق وتعيين فاروق بلخير محله؟
بعض المتتبعين لشؤون المؤسسة الصماء يرجحون فرضية الظروف الصحية لعبد الفتاح الوراق، والتي أصبحت تعيقه عن ممارسة مهامه. وفي هذا المنحى يذهب الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية، عبد الرحمان المكاوي الذي تحدث عن «أسباب صحية» لكنه كان حذرا حين أردفها بعبارة «غير مؤكدة»، فيما يربط المتحذلقون في الصالونات السياسية الضيقة بين تشكيل الحكومة وإعفاء عبد الفتاح الوراق الذي قد يكون ضمنها في منصب الوزير المنتدب في إدارة الدفاع الوطني. قد تكون التشكيلات الحكومية التي تروج في الفايسبوك وضمنها عبد الفتاح الوراق في هذا المنصب من وحي خيال نقاشات آخر الليل بين النخب المدنية التي فتحت المناصب الحكومية شهيتها، لكن مصادر «الأيام» حسنة الاطلاع استبعدت هذا المعطى الصحي أو تعيين الوراق في مركز حكومي، وأكدت أن استراتيجية الملك محمد السادس تسير وفق ما تحدث عنه صموئيل هنتنغتون حين قال إن: «السيطرة المدنية بالمعنى الموضوعي هي تعظيم الاحتراف العسكري، فيما تحقق السيطرة المدنية الذاتية هدفها في نهاية الأمر، عبر إضفاء الطابع المدني على الجيش، وجعله مرآة للدولة».
لقد رسخ الملك محمد السادس موقع المؤسسة العسكرية، لكنه بدل جعل المدني تابعا للعسكري، كما كان الأمر على عهد الملك الراحل، فإنه جعل على رأس المخابرات العسكرية والمدنية وجها مدنيا: الحموشي والمنصوري، أما إدارة الدفاع الوطني، فهي بوجه إداري (عبد اللطيف لوديي) والمهام التي تقوم بها هي من طبيعة إدارية تهتم بشؤون الموظفين، ويستبعد جدا إسنادها للجنرال الوراق كوجه عسكري، تضيف ذات المصادر خاصة مع ميل الملك محمد السادس إلى عدم الدمج بين المدني والعسكري خاصة في مجال تسيير الشأن العام، والدليل ما حدث مع استبعاد الجنرال حميدو لعنيكري من رأس مديرية الأمن والمخابرات المدنية.
وأردفت المصادر ذاتها لـ»الأيام» أن هذا التعيين الجديد من طرف القائد الأعلى وقائد الأركان القوات المسلحة الملكية، يعود في جزء كبير منه إلى الطابع الحيوي الذي أصبحت تتسم به تغييرات المسؤولين على رأس المفتشية العامة، والتي على خلاف ما كان عليه الأمر على عهد الملك الراحل، حيث الخلود طويلا لجنرالات أوفياء في هذا المنصب العسكري، فإنه على امتداد 22 سنة من حكم الملك محمد السادس حتى اليوم، تناوب خمسة جنرالات على رأس المفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية، أي بمعدل أربع سنوات لكل مفتش عام، فقد استمر عبد الحق القادري على رأس المفتشية العامة على عهد محمد السادس حتى عام 2004، وجاء بعده عبد العزيز بناني الذي بقي لعشر سنوات في المنصب ذاته حتى عام 2014، وهي أطول مدة، ثم بوشعيب عروب حتى 2017، فالجنرال عبد الفتاح الوراق الذي انتهت مهامه في شتنبر 2021، بما يعني أن استراتيجية محمد السادس تسير في اتجاه حركية دواليب المؤسسة العسكرية لإتاحة الفرصة للجيل الثالث داخل النخبة العسكرية، والدليل هو حركية التعيينات في كل المناصب العسكرية وتوسيع الترقيات والإحالات الكثيرة على التقاعد.
وتضيف مصادرنا أن تعيين فاروق بلخير لا يمكن قراءته إلا ضمن حركية القيادة العليا داخل النخبة العسكرية وفق الاستراتيجية التحديثية التي لجأ إليها الملك محمد السادس منذ تنصيبه، وبدءا من حضور الجيش في توقيع عقد البيعة. وسنتوقع تغييرا على رأس المفتشية العامة على رأس كل أربع أو خمس سنوات، مما يعكس حركية المؤسسة العسكرية وتجديد النخب وسطها.
لماذا الجنرال دوكور دارمي الفاروق بلخير؟خارج تكوينه وتجربته الطويلة في الصحراء والملمح البطولي الذي برز به في أحداث الكركرات الأخيرة، والسرية التامة للمخطط العسكري الفجائي للقوات المسلحة الملكية الذي لم تتسرب منه أدنى معلومة، ومحورية الفاروق بلخير باعتباره قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية، توجد متغيرات في المحيط الجيوسياسي الإقليمي بعد تدهور الوضع في دول الساحل جنوب الصحراء، والوضع المتوتر على الحدود الشرقية مع الجارة الجزائر، والتحديات التي سيواجهها المغرب ودول شمال إفريقيا مع وصول طالبان إلى الحكم في أفغانستان، وطبيعة الوضع الهش في ليبيا وتونس ودول جنوب الساحل… وهذا قد يكون في قلب تعيين الجنرال دوكور دارمي فاروق بلخير مفتشا عاما للقوات المسلحة الملكية باعتباره من بين أبرز الوجوه المؤهلة للمرحلة القادمة.
قادة جيش العهد الجديد
ينص الفصل 53 من الدستور على أن «الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، وله حق التعيين في الوظائف العسكرية، كما له أن يفوض لغيره ممارسة هذا الحق»، بما يعني أن المفتش العام هو تفويض ملكي باعتبار الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية. هذا البعد المؤسسي يبرز أن المؤسسة العسكرية محكومة بقواعد ومبادئ منصوص عليها في الدستور، وفي القوانين الداخلية المؤطرة في القانون العسكري. فطيلة 22 سنة من حكم الملك محمد السادس، تحمّل خمسة جنرالات مهمة المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، أولهم الجنرال عبد الله القادري قائد جهاز الاستخبارات العسكرية «لادجيد» الذي بقي في منصب المفتش العام للقوات المسلحة الملكية حتى 26 يوليوز 2004 حين أحيل على التقاعد، وثانيهم الجنرال عبد العزيز بناني الذي كان قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية منذ 1983، قبل أن يعفى بسبب ظروفه الصحية ويعين بدله بوشعيب عروب في 13 يونيو 2014، ورابعهم الجنرال عبد الفتاح الوراق في 18 يناير 2017، ثم الخامس وهو الجنرال فاروق بلخير الذي عين في منتصف شتنبر الجاري.
وبتأمل بروفايلات المفتشين العامين للقوات المسلحة الملكية المتعاقبين، نجد أن المؤسسة العسكرية انتقلت من الجيل الثاني إلى الجيل الثالث للجيش، من جنرالات مواليد الثلاثينيات (بناني وعروب)، إلى جيل مواليد الخمسينيات (الوراق 1953 وبلخير 1950). البعد الثاني هو أن المفتش العام يزاوج بين مهامه على رأس المفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية وقيادة المنطقة العسكرية الجنوبية، كما هو الشأن مع الجنرال عبد العزيز بناني وبوشعيب عروب والجنرال فاروق بلخير، أوالاشتغال بالمكتب الثالث كما كان الحال مع عروب والوراق وقبلهما القادري. ثم بُعد آخر يتمثل في أن اثنين من المفتشين العامين جاؤوا إلى رأس المفتشية العامة من منصبهم السابق كقائد للمنطقة العسكرية الجنوبية، مثل الراحل عبد العزيز بناني الذي ورث أحمد الدليمي منذ 1983 والجنرال فاروق بلخير الذي كان قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية، فيما بوشعيب عروب عين في المنصبين معا عام 2014 كمفتش عام وكقائد للمنطقة الجنوبية، بما يعني أن التجربة العسكرية في معارك الصحراء تظل محددا مهيمنا في تعيين المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، بحكم مركزية المنطقة في النظام السياسي، وحجم التواجد العسكري بها.
بعد آخر في التعيينين الأخيرين على رأس المفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية، يتمثل في أنه لدينا نخبة عسكرية جديدة، على مستوى القيادة العليا للجيش، ذات تكوين علمي وميداني جد عال، كولونيلات وجنرالات قريبون من عمر الملك محمد السادس، درسوا في أكبر الكليات الحربية الدولية، وحصلوا على شواهد عليا في مجالات تخصصهم، لهم دراية بالميدان العسكري، وكفاءة مهنية في القدرة على التعامل مع أحدث التقنيات التي أنتجتها التكنولوجيا العسكرية. إن جيل الوراق وبلخير هو القنطرة اليوم لجيل مواليد الستينيات.
التمييز بين المفتشية العامة للجيش وإدارة الدفاع الوطني
تضم القوات المسلحة الملكية مختلف مكونات المؤسسة العسكرية التي تشكل الجيش الملكي: القوات البحرية، والجوية، والبرية، والدرك الملكي والحرس الملكي. وتتمثل وظيفة المفتش العام للقوات المسلحة الملكية في التنسيق بين مختلف مكونات المؤسسة العسكرية بمواردها البشرية وعتادها وأسلحتها، وله وظائف بروتوكولية، على مستوى استقبال مختلف الوفود، ويتكلف بأمر من الملك بالمشاركة في تجارب عسكرية دولية مشتركة أو في تقديم المساعدة داخل وخارج المغرب.
يشتغل المفتش العام تحت إمرة الملك بوصفه القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، وقد تم إحداث هذا المنصب مباشرة بعد الانقلاب الذي قاده الجنرال محمد أوفقير الذي كان وزيرا للدفاع الوطني، حيث جرى حذف هذه الحقيبة الوزارية وأضحت المؤسسة العسكرية تحت الإشراف المباشر للملك باعتباره القائد الأعلى وقائد أركان القوات المسلحة الملكية، وتتبع للمفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية، المفتشية العامة للقوات الجوية والمفتشية العامة للقوات البحرية والمفتشية العامة للقوات البرية. وكلها ومنذ إنشائها تعاقب عليه جنرالات من أبناء الدار.
أحدثت إدارة الدفاع الوطني بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.73.236 الصادر في غشت 1972، (أي بعد انقلاب الطائرة مباشرة) والمعدل بالمرسوم رقم 2.82.673 الصادر في 13 يناير 1983، الذي نسخ المرسوم رقم 2.77.737 الصادر في 30 شتنبر1977، حيث يتولى الكاتب العام، الذي ظل دوما وجها مدنيا، تحت سلطة الملك، إدارة جميع المصالح وتنسيق أعمالها ويسهر على تطبيق المقررات الملكية السامية. وتشتمل إدارة الدفاع الوطني على كتابة عامة والمصالح الإدارية المركزية المتمثلة في:
– مديرية الشؤون العامة التي تتولى تدبير شؤون الموظفين المدنيين والعسكريين التابعين لإدارة الدفاع الوطني وكذا المعدات الخاصة بها، وإعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالعسكريين في القوات المسلحة الملكية وتعني باتخاذ الإجراءات اللازمة لإقرارها وتتبع تسوية المنازعات.
– مديرية الإنجازات والشؤون المالية وتتولى حصر الميزانية، وتسهر على تنفيذها وتمسك المحاسبة العامة وتقوم باقتناء المعدات واللوازم الضرورية لتجهيز القوات المسلحة الملكية وتموينها وتعهدها، وتتكلف علاوة على ذلك بإجراءات إنجاز الأبنية والمنشآت اللازمة للقوات المسلحة الملكية.
– مديرية التعلم والإيصال التي تقوم بتسلم المعدات واللوازم وأشغال التجهيز الأساسي المعدة للقوات المسلحة الملكية وضمان إيصالها إلى الأجهزة العسكرية الموجهة إليها.
– مديرية القضاء العسكري التي تسهر على تطبيق أحكام قانون القضاء العسكري والمسائل المتعلقة بسير المحكمة الدائمة للقوات المسلحة الملكية وغيرهـا من المحاكم العسكرية ومراقبة وتفتيش المحاكم والسجون العسكرية.
إستراتيجية الملك: التغيير ضمن الاستمرارية في الجيش
في لحظات الاستقرار، يعتبر الجيش هو المؤسسة الأكثر بطئا التي لا يطالها التغيير بنفس وتيرة المؤسسات المدنية، لأنه في كل الديمقراطيات الفتية يعتبر الجيش عنصر استقرار وضمان لاستمرار النظام، فمنذ مجيء الملك محمد السادس إلى سدة الحكم، لم يكن مستعجلا، بعد كل الإشارات التي أطلقها بما فيها إعفاء إدريس البصري، لإحداث أي تغيير في المسؤوليات العليا لقيادة المؤسسة العسكرية، بل اتخذت مبادراته وجهة أخرى تتمثل في بناء منظومة إستراتيجية عسكرية حديثة، ترمي إلى تأهيل المؤسسة العسكرية بشكل يضاهي الأنظمة العسكرية لبعض دول جنوب أوربا، حيث أصبحت القوات المسلحة الملكية تخضع للطابع المؤسساتي، أو حسب إبراهيم السعدي المختص في الشؤون العسكرية: «أضحى الجيش المغربي اليوم يخضع لمجموعة واضحة من القواعد والمبادئ والإجراءات الدستورية والقانونية بنظام قائم على أساس الجدارة والاستحقاق.
هذه المقاربة ساعدت على استقرار العلاقات بين الدولة والمجتمع، وجنبت المغرب الصراع على السلطة بين القادة المدنيين والقوات المسلحة».
فرغم أنه ورث نخبة عسكرية شائخة في المناصب العسكرية العليا الحساسة عن أبيه، مثل الجنرال عبد الحق القادري الذي تربع على رأس مديرية الوثائق والمستندات لأكثر من 18 سنة، والجنرال حسني بنسليمان الذي عين على رأس قيادة الدرك الملكي منذ سنة 1973، وعبد العزيز بناني الذي كان قائد للمنطقة العسكرية الجنوبية منذ 1983، بالإضافة إلى ضباط سامين آخرين أصبحوا وجوها مألوفة داخل الهرمية التنظيمية للجيش، عمل الملك محمد السادس على الحفاظ على نفس الأسماء في المناصب العسكرية العليا، بل عمل على ترقية الجنرال عبد العزيز بناني، والجنرال حسني بن سليمان إلى رتبة جينرال دوكودارمي، وهي الرتبة التي لم يصلها أي جنرال في عهد والده الملك الراحل الحسن الثاني، رغم تجاوز العديد من الجنرالات سن التقاعد. قام الملك محمد السادس، بمناسبة أول احتفال بعيد العرش في 31 يوليوز 2000، بإحداث رتب جديدة في الجيش لترسيخ مجموعة من كبار الجنرالات العسكريين، حيث تمت ترقية الجنرال دو ديفزيون حسني بنسليمان والجنرال عبد العزيز بناني، والجنرال عبد الحق القادري إلى رتبة (الفريق) جنرال دوكوردارمي، ورقى مجموعة من الجنرالات إلى رتبة (لواء) جنرال دو ديفزيون مثل ما حدث مع: أحمد الوالي، بوشعيب عروب، محمد الزياتي، مصطفى زرياب، إدريس عرشان، والمكي الناجي.
وتعكس تعيينات الملك محمد السادس الأخيرة على رأس المفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية، أنه يعمل تدريجيا على السماح بدوران أكبر لتجديد النخبة العسكرية التي ضمن ولاءها المطلق، وأن الخلود في هذا المنصب السامي لم يعد ممكنا في ظل استقرار المؤسسة ومع إستراتيجية الملك لتجديد النخب العسكرية، والسماح للجيل الثالث والرابع بالترقي في الهرم التنظيمي للجيش على خلاف السابق.
توسيع قمة هرم النخبة العسكرية عبر التقاعد والترقياتيرى العديد من المهتمين بالشأن العسكري، أن تعيين الجنرال بلخير مفتشا عام بعد مضي أربع سنوات على تعيين عبد الفتاح الوراق، يدخل في إطار إستراتيجية محمد السادس المبنية على انتقال سلس بين الأجيال داخل الجيش. لقد عمل على عصرنة القوات المسلحة الملكية بمكوناتها الثلاثة، الجوية والبحرية والبرية، وطور العتاد العسكري بشكل غير مسبوق. هذا البعد كان لا بد أن يفرض قيادات عسكرية عليا حديثة التكوين ولها خبرة بالتقنيات الجديدة بالإضافة إلى سلسلة التكوينات التي خضعت لها النخبة العسكرية، إلى جانب خبرتها الميدانية، بعد استنفاد جيل جنرالات الاستقلال وحرب الرمال وجنرالات الطموح السياسي المتأثر بالموجات الانقلابية للستينيات، كما في مصر والعراق وسوريا وبعض دول أمريكا اللاتينية. وعمل في مرحلة تالية على تحريك الوضع الثابت في القيادة العليا عبر إجراءين أساسيين يتمثلان في ترقية عسكرية سريعة للضباط السامين، والإحالة على التقاعد بالنسبة لكبار السن، ثم الإعفاء من المهام بسبب خروقات. فقد سبق للملك أعفى ما لا يقل عن 43 ضابطا ساميا من الجيش بسبب «مخالفات»، وهو ما ساهم في دوران النخب العسكرية، التي تم تشبيبها لتتلاءم مع التحديث الذي طال البنية اللوجستيكية والعتاد الحربي العصري الذي عرفته المؤسسة العسكرية سواء في سلاحها الجوي، أو البحري أو البري، إضافة إلى التقنيات المعلوماتية المتطورة والتخصصات الجديدة في قلب الجيش، بما يعني أن ترقية القوات المسلحة الملكية فرضت بالضرورة قيادات جديدة بمؤهلات عصرية، والاعتماد على قدر الطبيعة وعنصر الزمن بالنسبة للشيوخ الذين ظلوا في مناصبهم منذ عهد الملك الراحل.
فقد أصبح الجنرالات الجدد المرشحون لتقلد رئاسة منصب حساس، كالمفتش العام للقوات المسلحة الملكية من الجيل الثالث (من مواليد الخمسينيات) ممن اشتغل معهم الملك وهو ولي للعهد، وبحكم أن نظام الهرمية العسكرية في المغرب يعتبر نظاما تراتبيا معقدا يتطلب العديد من السنوات والخبرات والتجارب، تتوافر اليوم أمام الملك محمد السادس خيارات عديدة على مستوى القيادة العليا للنخبة العسكرية، على عكس ما كان الأمر عليه في عهد الحسن الثاني، حيث تم تجميد الترقيات في إطار سياسة عزل المؤسسة العسكرية عن الحقل السياسي، إضافة إلى إبقاء الجيش داخل الثكنات.
قد نجحت إستراتيجية محمد السادس الذي حافظ على حصر دور الجيش في حماية السيادة الوطنية والنظام السياسي، لكنه أدمج القوات المسلحة الملكية في حماية الأمن بمعناه الواسع، كما حدث في مواجهة الإرهاب مع «قوات حذر»، وخلال الجائحة في مرحلة الطوارئ حين نزل الجيش بآلياته إلى الشوارع أو خلال تدخله في العديد من الكوارث أو الأدوار الإنسانية خاصة في مجال التطبيب والصحة، إنه التغيير الهادئ ضمن الاستمرارية.
تضاعف عدد الجنرالات في عهد الملك محمد السادس نتيجة للسياسة التي انتهجها في ترقية الضباط العسكريين، حيث أصبح المفتش العام للقوات المسلحة يقدم سنويا لائحة بالترقيات للملك، الذي يترأس بمناسبة عيد العرش أو في ذكرى تأسيس القوات المسلحة الملكية مراسيم هذه الترقيات، حتى أضحى الجيش الملكي اليوم يتوفر على ما يفوق 64 جنرالا بمختلف رتبهم، بعد أن لم يكونوا يتجاوزون على عهد الحسن الثاني عشر جنرالات على أبعد تقدير.
ولتوسيع قمة الهرم العسكري، عمل محمد السادس في بداية عهده على ترقية مجموعة من الكولونيلات بدرجة ماجور، ضمنهم عبده بن عمر، عبد الكريم الأيوبي، حميدو لعنيكري، إدريس لمنور، أحمد بنياس، محمد العربي التامدي، المختار الزوهري، محمد رضا، محمد بكير بنشقرون، رمضان بنعيادة، محمد التمسماني وعبد المومن لحبابي… إلى رتبة جنرال دو بريكاد. وترقية كل من الجنرال بنعاشر سور الله، والجنرال أهراش، والجنرال محمد بلحاج، والجنرال محفوظ الكاميلي إلى رتبة جنرال دو ديفزيون، وفي رتبة جنرال دو بريكاد رقى الملك كلا من محمد بلبشير، عبد القادر العولة، الحسين أمزريد، محمد عرشان، عبد القادر حدو، أحمد التريكي، أحمد بوطالب، محمد العلوي، بوخريص، محمد مشبال، والطبيب عبد الغني مثقال…
في المقابل، تمت إحالة 11 من ضباط القوات المسلحة الملكية برتب جنرال وجنرال دوبريكاد في مختلف أسلاك القوات العسكرية على التقاعد في نهاية يوليوز 2017 . إن الإحالة على التقاعد وترقية نخبة واسعة من الضباط الشباب في مراتب عليا للجيش، إجراءات سمحت بالتشبيب التدريجي للقيادات العليا لمختلف هياكل المؤسسة العسكرية، يجسدها وصول كل من عبد الفتاح الوراق وخلفه الفاروق بلخير إلى رأس المفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية، وبذلك يكون الجيل الثالث قد انتقل إلى قيادة مختلف التنظيمات التابعة للقوات المسلحة الملكية، فبعد الجيل المؤسس للجيش الملكي مثل الجنرال أوفقير وإدريس بن عمر والمذبوح وأمزيان، إلى الجيل الثاني مع عبد العزيز بناني وحميدو لعنيكري والجنرال القادري وحسني بن سليمان وبوشعيب عروب من كبار جنرالات الحسن الثاني، إلى الجيل الثالث مع بوطالب، الوراق، هرمو، بلخير والعشرات من الجنرالات الذين تم تثبيتهم في مختلف مراكز المسؤولية بالقيادة العليا للجيش، يعلق أحد العارفين بالمجال العسكري، أن محمد السادس الذي عايش عن قرب المؤسسة العسكرية وخبر دهاليزها، راهن على حصول تلاقح بين مختلف الأجيال داخل قيادة الجيش وفي مختلف أسلاك المؤسسة العسكرية، حتى يحدث انتقال سلس من جيل عايش انقلابين، وتتبع عملية إعادة هيكلة صارمة للجيش، واكتسب خبرة فرضتها حرب الصحراء على القوات المسلحة الملكية، حيث أصبحت المسؤولية عن المنطقة العسكرية الجنوبية هي التي تنتج أطر القيادة العليا للجيش الملكي، إلى جيل جديد متكون في أكبر المدارس الحربية الأوربية والأمريكية، وله خبرة تقنية بالعتاد الحديث ودراية كبرى بتعقيداته وإن كانوا بعيدين عن الخلفية الإستراتيجية السياسية التي كانت للجيلين السابقين. فمشاركة أغلبهم في حرب الصحراء بكل تشعباتها الميدانية والعسكرية والأمنية والسياسية والدبلوماسية والتحولات الدولية المحيطة بها،
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
قانون تصنيع المعدات العسكرية في المغرب يدخل حيز التنفيذ رسمياً
إسبانيا تتخوف من اعتماد القوات المغربية على فرقاطات وطائرات متطورة